تونسرأي

من المساواة في الإرث إلى تقنين زواج التونسية من أجنبي … الباجي قائد السبسي بعد رهان التوافق السياسي مع النهضة الى التوافق بين الدين والدستور

 

على غيرعادته غاب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي عن احتفال رئاسة الجمهورية بعيد المرأة الذي سجل خطوة جريئة ستضاف  اذا ما كتب لها أن ترى النور الى خطوات  ريادية سابقة في مجال حقوق المرأة , وهي تتعلق ببحث مسألة المساواة في الإرث  بين المرأة الرجل بما يمكن أن يتماشى مع الدستور التونسي ودون أن يتعارض مع تشريعات الإسلام و فق ما أعلنه رئيس الدولة أمس في عيد المرأة .أما الخطوة الثانية التي أعلنها قائد السبسي فتتعلق بمراجعة ما يعرف بالمنشور 73 والمتعلق بزواج التونسيات من أجانب  من غير المسلمين وفق ما اقره الفصل السادس من الدستور الذي اقر بحرية المعتقد والضمير ويحمل الدولة مسؤولية حمايتهما . والحقيقة أن هذه الظاهرة عرفت بعض الانتشار بين التونسيين في السنوات القليلة الماضية و لكنها ظلت مرتبطة في اذهان و ممارسات التونسيين بضرورة اعلان الزوج اسلامه امام المفتي قبل عقد القران و هي عملية كلاسيكية لا تعني بالضرورة اعتناق الشخص الإسلام عن قناعة ..

وربما يكون زعيم حركة النهضة علم بما سيتحدث عنه حليفه في الحكم فاختار تجنب الاحراجات والنأي بنفسه عن توجهات الشيخ الباجي  في هذه المسائل التي لا تخلو من الحساسية بالنسبة للأحزاب الإسلامية التي لا تنظر بعين الرضا الى مسألة المساواة في الإرث باعتبار وضوح النص  القراني الذي  ينص بأنه  “للذكر مثل حظ الانثيين “.

ولاشك أنها ليست المرة الأولى التي تطرح فيها مسألة االمساواة في الإرث في تونس و التي كان الطاهر الحداد أول من تجرأ على طرحها منذ 1929 في كتابه امرأتنا في الشريعة و المجتمع وواجه بسبب ذلك الاتهامات بالزندقة والكفر و مات بحسرته .وقد أدرك الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة حساسية المسألة فلم  يشأ ادراجها ضمن مجلة الأحوال الشخصية التي اعتبرت في حينها ثورية في مجتمع تحكمه العقلية الذكورية والعادات المتوارثة التي تجعل المرأة مواطنا من الدرجة الثانية .و يبدو أن الباجي قائد السبسي أدرك بذلك كل الحساسيات التي قد يثيرها التوجه نحو إقرار المساواة في الإرث فعمد الى تشكيل لجنة تتولى دراسة المسألة وارتكز في هذا التوجه على  الدفع الى الاجتهاد الذي أقره الإسلام و و اعلاء دور العقل الايماني الإصلاحي القانوني التونسي ليجد الصيغ الملائمة التي لا تتعارض مع الدين و مقاصده ولا مع الدستور ومبادئه على حد تعبيره ..

قائد السبسي الذي يعتبر أنه عندما وقع اعلان مجلة الأحوال الشخصية في تونس و التي اعتبرت خطوة ثورية في حينها فقد رأت النور قبل أربعة أشهر على حكومة الاستقلال و قبل اعلان الجمهورية و المصادقة على الدستور لم يكن كل التونسيين مقتنعين بها و لكن وجود حكومة قوية ساهم في تكريسها و هو ربما ما يراهن عليه الرئيس التونسي الذي يتطلع الى أن يسجل له التاريخ ما لم يحققه بورقيبة وهو المساواة في الإرث .

الواقع أن لغة الأرقام التي اعتمدها الرئيس الباجي قائد السبسي تجعل المرأة التونسية مؤهلة لخوض المعركة القادمة في بلد تحتل النساء فيه 41 بالمائة من سلك القضاء و43 بالمائة من المحاماة و60 بالمائة من القطاع الطبي وان المراة التونسية تساهم ب45 بالمائة من مصاريف العائلة بما يجعل مسألة المساواة في الإرث لا تخلو من التبريرات في مجتمع ما انفك يتغير و يتطلع للافضل في خضم تواتر التحولات الاقتصادية  ..

لم يفاجئ  الباجي قائد السبسي الحضور في عيد المرأة عندما تخلى كالعادة و عن الخطاب المطبوع الذي تم توزيعه و تحدث نحو ساعة عن المراة التونسية بين الماضي و الحاضر،  واستعرض على طريقته بلغة  عامية  مهذبة  في أحيان كثيرة مستندا على الايات القرانية وعلى ذاكرة قوية لرجل تجاوز عتبة التسعين وقضى اكثر من نصف قرن بين المحاماة والعمل السياسي محطات تاريخية تونسية  فارقة قبل و بعد الاستقلال .والملاحظ أن قائد السبسي لم يشر هذه المرة الى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ولكنه  شدد في المقابل على أهمية تعميم و مجانية التعليم في تونس في كل المراحل .واعتبرأن الديموقراطية تمارس في تونس  و لكنه شدد على انه لا ديموقراطية بلا دولة القانون .

المساءل السياسية و الانتخابات الرئاسية لم تغب عن خطاب رئيس الدولة الذي وجه رسائل  مضمونة الوصول لخصومه ومؤيديه معتبرا أن الوقت لا يزال مبكرا على انتخابات  2019 وان هناك الكثير من العمل الذي ينتظر الجميع قبل ذلك .ولكنه و قال “هناك الكثيرمن التشكيك والتشويش حول مسالة الانتخابات ،و تساءل لماذا لا تكون امراة في الانتخابات القادمة …قائد السبسي الذي شدد على انه لا فرق بالنسبة له بين المحجبة وغيرالمحجبة عمد من وراء الى محاولة إرضاء  فئة من المحجبات وتجنب استيائهن كما حدث في العام الماضي عندما وجه الدعوة للمرأة التي نزع عنها الزعيم بورقيبة حجابها ..

الباجي قائد السبسي قال أشياء وتجاهل أشياء  في عيد المرأة وهوالذي يعلم جيدا ان شريحة واسعة من التونسيات أعربن عن خيبة أمل من تراجع قائد السبسي عن وعود الانتخابية التي كان اعلنها بان النهضة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان قبل أن يلتقيا ويتحالفا بعد انتخابات 2014 ..

بقيت مسألة التحوير الحكومي المؤجل الذي ييرجح التونسيون أن يتم نهاية الشهر الجاري . ربما يكون تكريم ثلاث وزيرات وهن وزيرة المراة و الصحة والسياحة إشارة على انهم يحظين بالرضا وقد لا يشملهن التحوير ، الاستثناء كانت وزيرة الشباب والرياضة ماجدولين الشارني ومع ذلك فان التكريم أيضا لا يعني بأي حال من الأحوال استثنائهم من التحوير المؤجل حتى الان ..

مسألة العلاقات التونسية السورية كانت حاضرة وان كان ذلك بايجاز في خطاب رئيس الدولة الذي نفى ان تكون العلاقات التونسية السورية مقطوعة مشيرا الى ان هناك حرب في سوريا ولا يمكن ارسال سفير الى هذا البلد ليقتل ..

الأكيد أن الأشهر القادمة ستكشف المزيد بشأن المعركة من أجل المساواة في الميراث التي لن تكون معركة هينة بين أنصارهذا التوجه من الحداثيين ومعارضيه من المحافظين لا سيما حركة النهضة بعد أن لبس زعيمها ثوب العلمانيين و خرج على التونسيين لأول مرة بربطة عنق  في محاولة  أخرى   للتأكيد على  انفتاح وتطورالحركة الى حركة تفصل بين الدعوي والسياسي  ..و في انتظار موقف واضح لحركة النهضة تبقى كل القراءات قائمة بشأن أسباب تخلف الشيخ راشد الغنوشي عن خطاب الشيخ الباجي والذي كان حضوره سيعتبر حتما إشارة موافقة وتأييد للتوجه بشأن المساواة في الإرث وهو ما لا نعتقد ان النهضة بصقورها وحمائمها مستعدة لتقبله …

اسيا العتروس

رأي اليوم،2017/08/14

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق