مسؤولية الكراسي أم كراسي المسؤولية؟

عجز المصلحون وعلماء النفس وحتى الأنبياء والرّسل عن جعل الناس جميعا طيبين متحابّين يعملون للخير العام والمصلحة العليا وسعادة الشعوب والأمم. وذلك لأن مشيئة اللّه المبدع الخلاق أرادت أن يكون هذا العالم الذي نعيش فيه وهذه الأرض التي نحيا فيها وفق نواميس مضبوطة لا تحيد عنها وحسب قوانين مسطّرة لا يعلم حقيقتها ولا كنهها ومعناها إلا علاّم الغيوب ذاك الذي يقول للشيء ـ كن فيكون ـ وهذه لعمري قضية حيّرت المفكرين والفلاسفة والمصلحين والمريدين… وأقضّت مضاجعهم مشرقا ومغربا، وما استطاع الثّقلان، وحتى الصّفوة من الأنبياء والمرسلين سبر سرّ الخلود ولا الحياة البرزخية حيث ملتقى الأرواح منذ الخليقة وما في المشيئة الأزلية من أسرار… وأسرار… غير أن أعمالنا وسعينا نحو الخير المطلق من زهد وتقشّف قد يقرّبنا نحو الحقيقة الخفيّة وبعد ماذا؟ الاختفاء والتفرّد والغربة ثم الخروج!!! ويسير بنا الزمان نحو المجهول والثقلان يحيون حياتهم في نشاطهم مختلفين متمايزين يخوضون مع الخائضين في معاملاتهم وخدماتهم إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ وكل ذلك محسوب لنا أو علينا لأننا تحمّلنا المسؤولية كاملة متميّزين بعقل مبدع جبّار… ولذلك فنحن محاسبون شئنا أم أبينا إلا أن الحكومات وأصحاب الحل والعقد سيحملون أوزارهم وأوزارا على أوزارهم من أجل تحمّلهم أمانة مسؤولية البلاد والعباد وسياسة وطن يحيا في الحاضر والمستقبل يتطلّع الى ما فيه الخير ومفكّرا ومعتبرا… وإني أرى أن مسؤولية الحكومات العربية مشرقا ومغربا خطيرة وحسّاسة لأن أمانة تلك المسؤولية الثقيلة تدعوا الى أن يعملوا في جدّ واجتهاد ليلتحقوا بركب الحضارة والرّقي والسؤدد الذي ابتعد عنهم فيعملون حتى يكونوا في مستوى قوله تعالى في كتابه المقدّس العزيز: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾، فإذا كان الإنسان في مستوى الأمانة بكل صدق وإخلاص لم يكن ظلوما ولا جهولا، أما إذا فرّط فيها وتقاعس فهو الظّلوم الجهول، والويل ثم الويل له. إنها أمانة الحكم والأمن والأمان والسّلم والسّلام والرعاية والرّفاه والمناعة والسيادة ويجب أن تتحقّق عملا وتطبيقا وسلوكا… فيكون الجزاء أوفى، والعقاب أشدّ وأكبر إن هو خان الأمانة وأهمل المسؤولية وجار وفسق وضلّ وأضلّ… ولذلك أقولها لهؤلاء وأولئك معا وبكلّ صراحة وصدق: لقد رفعتْكُم شعوبكم الى الحكم والإدارة والتسيير فكونوا في مستوى الأمانة للوصول بها الى الرّقيّ والسؤدد والمناعة والرّفاه. واتّقوا اللّه في الأمّة العربية وكونوا كالسّلف الصالح الذي قال اللّه فيه: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾… ولتكونوا منهم اعملوا بكل تفان وإتقان وعفّة… فمسؤولية الكراسي قد ولّت وبدون رجعة فلم يبق سوى كراسي المسؤولية لا يدركها إلا أحفاد طارق بن زياد وحنّبعل وصلاح الدين الأيّوبي والظاهر بيرس وعبد الناصر وبورقيبة الوِتر ودونهم موتى القبور في ظلمات النّسيان حتي يوم النّشور ألا فلتكن نفوسكم رخيصة تقدّمونها للوطن والأمة العربية بكل سخاء فتنالوا سعادة الحياتين وتكونوا مع الذين أنعم اللّه عليهم من الأنبياء والشهداء وحسن أولئك رفيقا…
البشير التغنوت
الشروق، 2017/08/14