
لئن تنحصر دعوة قطع الطريق أمام رئيس الحكومة لتبوؤ طريق في سباق الرئاسة في الصبغة السياسية غير الملزمة والمحدودة فإنها تكشف العديد من الأسباب الخفية وراء الانقلاب على الشاهد يستفيد منها أكثر من طرف.
واجمالا لم تحقق حكومة الوحدة الوطنية جزءا كبيرا من تعهداتها حتى الان وهذا الحكم يحظى بنوع من المصداقية سيما وانه صادر عن المنظمة الشغيلة الملتزمة بالمساندة النقدية لها وليس من الوسط السياسي المحكوم بالحسابات غالبا، لكن بمقارنتها مع نظيراتها مما سلف فهي بلا شك تبدو في افضل حال ولا يزال امامها الوقت لتدارك النقائص وكل هذا محل متابعة وتقييم من قبل القوى الفاعلة في البلاد،فهل ثمة حاجة ماسة اليوم الى تقويض المسار واعادة تشكيل حكومة جديدة ؟
ولعلّ محاولة الاجابة عن هذا التساؤل هي التي ستقود الى معرفة خفايا الانقلاب على الشاهد، فلئن كانت العديد من الانتقادات الموجهة لاداء حكومة الشاهد على امتداد حول من عملها محل اجماع فان البعض الاخر منها يكشف نوايا اخرى، فبداية بحزبه نداء تونس ثمة تقاطعات يتم ابرازها ومنها اعلان الرغبة في توسيع تمثيليته في الحكم والدعوة الى الاحتكام الى مسار الانتخابات رغم تقويضة بمسار الوحدة الوطنية الذي يرعاه الشاهد اليوم.
كما خرجت قيادات من الحزب وغيرها من أحزاب اخرى منذ الساعات الاولى لحركة الايقافات الاولى ضد الفساد مطالبة بايضاحات وباحترام القوانين وفي طلب خطة محددة لمكافحة الفساد على الرغم من توقيع الحكومة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد حتى أن الموقف الرسمي لنداء تونس لم يقدم الى الان رأيه من حديث الكواليس حول صراع السبسي الابن مع الشاهد الذي لم يعد فعليا على علاقة تنظيمية مع حزبه الذي رشحه لرئاسة الحكومة بعد ان تبنى قناعات اخرى برأيهم.
وقد لا تجد في تبرير دعوة الغنوشي للشاهد عدم الترشح لرئاسية 2019 الوضوح الكافي ومايعاب فيها وقوف حركة النهضة في منزلة بين المنزلتين فلا هي اتهمت بشكل مباشر الشاهد واعضاء حكومته باستغلال مراكزهم وتطويعها في حملة انتخابية مبكرة ولا تحدثت جهارا عن تخوفاتها منه الامر الذي جعل الدعوة السياسية لرئيس حركة النهضة لا تجتاز محيط داعميه ومؤيديه. كما وقع اتهام حركة النهضة في اكثر من مناسبة ومنها اعتصام الكامور بالتحرك في اتجاهين متعارضين احدهما داعم للحكومة والثاني معارض لها ، وكل ماتقدم أبرز حديث في الكواليس السياسية بأن اسقاط الحكومة كان من المواضيع المتداولة في الحلقات الضيقة بين البعض من الطرفين لاغراض شخصية لا علاقة لها البتة بالمصلحة الوطنية تكشفها جملة من المعطيات. ومن ضمن خفايا الانقلاب على الشاهد في الوقت الراهن مايمكن أن نلمسه من تركيز اعلامي وسياسي لتصريح الغنوشي و بغض النظر عن الاطراف المستفيدة منه فانها قد صرفت هذه الانظار عن التحوير الوزاري المرتقب ومن غير المستبعد أن تكون عملية مقصودة يراد من ورائها توجيه رسائل سياسية مضمونة الوصول لرئيس الحكومة كي لا تتوسع رقعة التحويرات على عكس اهواء الاحزاب الحاكمة.
والمعطى الاخر والاهم للانقلاب على الشاهد هو المستقبل السياسي للاحزاب الحاكمة بين جزء ندائي يدفع بالحرب الى منتهاها ويطمح الى عزل الشاهد بايعاز من شريك الحكم بينما لا يزال شريك الحكم مترددا في هذا الخيار «الارعن» بين التماهي مع هذه الرغبات أو الاكتفاء بالحكم المشترك في حدود الاطر المحددة سلفا والتي لا يعلم بعد ما ان كانت مفتاح النجاح مستقبلا ام ان المعطيات تغيرت.
كما أنه ليس من باب الاتهام موجه لطرف بعينه اليوم الحديث عن حجم تداخل السياسة والمال في تونس وارتباط جزء من السياسيين بالمال الفاسد ومراكز النفوذ ولوبيات المال حتى أن السياسيين يصرحون بهذا في العلن ، وبالتالي فانه ليس من مصلحة هؤلاء المتنفذين ولا اعوانهم مواصلة الحرب على الفساد حتى وان كلفهم الامر»حرق البلاد» أو التمديد اكثر مايكون في حالات اللاستقرار او اسقاط الحكومة بناء على خطة ممنهجة تحاول ابرازها للجميع انها في حالة وهن لثني التقدم في محاربة الفساد.
ويضاف الى كل ماتقدم نوع من الخشية والمقاومة التقليدية داخل الطيف السياسي الكلاسيكي من بروز جيل جديد من السياسيين سواء اكان الشاهد او غيره ونخص بالذكر هنا يوسف الشاهد سيما وهو يمتاز بصفته رجل الدولة الشاب الممكن تسويقه في الداخل والخارج على انه الضامن لنوع من الاستقرار السياسي الجاذب للاستثمار الخارجي وتعاون دولي أكثر.