جبريل ليبيا!

 الرجل كان رئيساً ذات يوم للمجلس الانتقالى فى ليبيا، خلال بدايات مرحلة ما بعد العقيد القذافى، وهو اليوم على رأس مؤسسة تهتم بالتعليم والتنمية الفعالة، وعنده أمل أن يستطيع بها إقناع صانع القرار فى كل عاصمة عربية، بأن غياب التعليم الجيد كان السبب الأول وراء هذا الحال العربى البائس، وأن حضوره بالتالى هو الحل.. ولا حل آخر.. لا حل آخر صدقونى!سمعته يتحدث هذا العام فى منتدى أصيلة فى المغرب، فتذكرت صيحته التى كان قد أطلقها بعد سقوط حكم الإخوان فى القاهرة مباشرة، وكان وقتها يقول إن الجماعة الإخوانية تتخيل هى والتيارات المتحالفة معها أن الأراضى الليبية يمكن أن تكون طريقاً إلى حكم مصر من جديد!

وليس أدل على صدق كلامه إلا هذه العربات المحملة بالسلاح، التى يدمرها الجيش المصرى العظيم، يوماً بعد يوم، وهى تحاول عبور حدودنا مع ليبيا.. وإلا إصرار كل مبعوث دولى يأتى إلى طرابلس الليبية على أن يكون الإخوان موجودين فى المشهد الليبى الحاكم!

جلس على منصة أصيلة يرصد مفارقة لافتة، هى حنين بعض شعوب الدول التى اجتاحتها عاصفة ما عُرف بالربيع العربى، إلى أيام رؤساء ما قبل الربيع، فلقد كان فيها الأمن متحققاً فى حدوده الدنيا، حتى وإنْ كانت الديمقراطية فى المقابل غير قائمة!.. فهل يمكن للعربى فى ظروفه هذه أن يضحى بالديمقراطية كمطلب طال الشوق إليه، فى سبيل الأمن؟!

هذا هو السؤال!

جبريل كان رأيه أن الديمقراطية ليست هدفاً فى حد ذاتها، وأنها وسيلة إلى تحقيق أشياء فى حياة الناس، وأن الشعوب التى قطعت أشواطاً حقيقية لصالح أمنها وحياتها الكريمة لم تنشغل طويلاً بتحقق العملية الديمقراطية على أرضها، وقد كانت الإمارات وسنغافورة، على سبيل المثال، من بين الدول التى تدعم صواب هذه الفكرة!

قامت سيدة سعودية من القاعة تعترض وتقول إن الفكرة ليست صحيحة، وإنها تتكلم عن الخليج الذى تعرفه، فهو رغم حياة أبنائه الكريمة، يريد الديمقراطية، ويسعى إليها، ويتمسك بسعيه نحوها!

وتقديرى أن الديمقراطية بمعنى مساءلة السلطة عما فعلت وتفعل، لا غنى عنها، ولا بديل لها، وأن الكلام بمنطق إما الأمن وإما الديمقراطية لا يجوز، لأن هناك شعوباً كثيرة فى العالم عرفت الشيئين، ولم يحدث أن أحداً من حكامها قد خيّرها لتختار!

الشعوب بلا ديمقراطية حقيقية ينقصها الكثير.. وبغير التعليم الجيد لا ديمقراطية!.

سليمان جودة

المصري اليوم، 2017/08/01