تقاريرليبيا

الإعلام في ليبيا … بين القمع والأدلجة

يواجه الصحافيون الليبيون منذ اندلاع الأزمة التي عصفت بالبلاد، أشكالاً من المعوقات التي تمارسها الميليشيات والفصائل المسلّحة والمجموعات الإسلامية المتطرّفة.ولذلك، أصبح الصحافيون في ليبيا بين خطر الوقوع تحت طائلة القمع وتكميم الأفواه بشتى الطرق،أو تبنى إيديولوجيا العناصر الإرهابية والعمل تحت مظلتها.

ولاتزال حٌرية الإعلام والتعبير تعاني من واقع مرير في ظل تزايد القيود المفروضة،مع التشظي السياسي والإنقسام المٌجتمعي والفوضى وغياب الأمن،يتعرض الإعلاميون في ليبيا الى إنتهاكات جسيمة جعلت ليبيا في تراجع مطرد في حرية الإعلام والتعبير.وظهر هذا جليا في ترتيب دول المغرب العربي في التصنيف العالمي لحرية الصحافة،الذي أصدرته “منظمة مراسلون بلا حدود” في  26 أفريل 2017،حيث حلّت ليبيا في المرتبة 163.

وأشار تقرير مراسلون بلا حدود،إلى أن ليبيا  تعيش على وقع فرار الصحفيين من حالة الفوضى التي تعصف بالبلاد (حيث هرب أكثر من 50 إلى المنفى منذ عام 2011)، إذ لا يزال عدد الانتهاكات في تزايد مطَّرد وسط إفلات تام من العقاب في سياق حرب لا تتردد أطرافها المتناحرة في استهداف الأصوات الحرة.

وفي واقع مرير تعيشه ليبيا في ظل إنتشار الميليشيات المسلحة ذات الولاءات المتعددة وخاصة في العاصمة الليبية،انتشرت حالات الإختطاف والتعذيب والإعتقال التعسفي في أوساط الاعلاميين.وقد وثقت وحدة الرصد والتوثيق مابين يناير عام 2012 وديسمبر عام 2015 ،384 جريمة وإعتداء جسيم تعرض له الصحفيون ووسائل إعلام عدة مابين القتل العمد والشروع بالقتل أو الإختطاف والتعذيب والإعتقال التعسفي والإعتداء بالضرب فضلاً عن الملاحقات القضائية الجائرة بقوانين باهتة.

وعانت مهنة الاعلام وممتهنوها خلال السنوات الأزمة الماضية عمليات تضييق متصاعدة وممنهجة، وبات الصحفيون يئنون تحت تهديد حراب البنادق، وطالتهم عمليات الاغتيال والخطف والتغييب القسري، مما أجبر الكثير منهم على الانسحاب من المشهد.وفي تقرير حديث،أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان بتعرض ناشطين وحقوقيين للاعتداء الجسدي والاحتجاز والمضايقات والإخفاء على يد مجموعات مسلّحة “بعضها ينتمي إلى السلطات الحكومية، في طرابلس ‏وفي أماكن أخرى غرب البلاد.

وقالت المديرة التنفيذية بالمنظمة لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في تقرير نشره موقع المنظمة الرسمي، إن ثمة ميليشيات ومجموعات مسلحة تعمل بعقلية “إمّا معنا أو ضدّنا”، تلاحق الناشطين والمدونين والإعلاميين ودفعت بعديد منهم إلى مغادرة البلاد وأسكتت الآخرين، وفق قولها.وطالبت المنظمة على لسان المديرة التنفيذية بالشرق الأوسط، حكومة الوفاق الوطني بمحاسبة المجموعات المسلحة وتحديدا تلك التابعة لها في حال هددت ناشطين أو ضايقتهم أو اعتدت عليهم.

وقال ناشطون في المركز الليبي لحرية الصحافة، لـ “هيومن رايتس ووتش” إن العاملين في وسائل الإعلام لا يثقون بالشرطة أو القضاء ويمارسون الرقابة الذاتية.ووفقا للتقرير السنوي للمركز لعام 2016، هاجمت الجماعات المسلحة 107 من العاملين في وسائط الإعلام في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الاعتداءات البدنية وقتل صحفيين اثنين. ووفقا للمركز، لقي تسعة صحفيين مصرعهم أثناء أداء واجبهم فى ليبيا منذ عام 2014.

وفي مايو 2017،رصد قسم شئون الصحافة والإعلام وقسم تقصى الحقائق والرصد والتوثيق باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا منذ بداية عام 2017 وقوع 32 حالة اعتداء وانتهاكات بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية فى ليبيا تباينت بين الاختطاف والاعتقال القسرى ووقف بث الوسائل الإعلام المسموعة والاعتداءات على مقر قنوات فضائية وراديو مسموعة وتهديدات بالقتل والاختطاف لصحفيين وإعلاميين.

ويُعد ملفُ حرية الصحافة والإعلام وضمان وتعزيز حرية التعبير والعمل الصحفى ودفاع عنها من أبرز الملفات و القضايا الرئيسية التى تعمل عليها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،من خلال رصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات التى ترتكب بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية والعمل على الحد منها ووقفها من خلال الدعوة لمحاسبة مرتكبيها وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التى باتت متفشية فى ليبيا، نتيجة غياب العدالة والملاحقة القضائية وسط توسع دائرة العُنف والانتهاكات الجسيمة الموجه ضدَّ الصحفيين وغيابٍ للحُريات الإعلامية المنشودة فى ليبيا.

على صعيد آخر،إختارت عدة منابر إعلامية،برزت في الساحة الليبية في ظل الأزمة،التموقع تحت مظلة الميليشيات وتبنت الدفاع عن أفكارها المتطرفة.وأبرز هذه المنابر،مؤسسة التناصح للدعوة والثقافة والإعلام في ليبيا،التي سعت الى تقديم جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية.وقد إستخدمت منبرها للدعوة  للانضمام للمجموعات الإرهابية والخروج على مؤسسات الدولة وشن الهجمات على الجيش الليبي.

أما وكالة بشرى الاخبارية،فتعتبر الذراع الإعلامي لسرايا الدفاع عن بنغازي الإرهابية، التى تعد ثمرة التحالف بين القاعدة والإخوان في ليبيا.وقد حرصت الوكالة على بث الأخبار الخاصة بهذا التنظيم ومحاولة تلميع صورته والدعوة للإنظمام إليه في قتال الجيش الليبي.

نفس التوجه تبناه مركز السرايا للإعلام ، وهو مؤسسة إعلامية عرفت مرجعيتها التكفيرية، وتعتبر من بين أبرز أجنحة نجلس شورى ثوار بنغازي الإرهابي الذي أعلن عن تأسيسه  في 20 يونيو 2014 كتجمع لميلشيات الاسلام السياسي  في مدينة بنغازي الليبية.وقد حرص مركز السرايا للإعلام ،على بث الأشرطة المصورة للعمليات الإنتحارية ولوصايا الإنتحاريين ولمشاهد تصفية عناصر من الجيش الوطني وفتاوى الإرهاب.

من جهتها،تعتبر قناة “النبأ” الإخبارية،إحدى المنابر الإعلامية المحسوبة على التيارات المتطرفة.وتعود ملكيتها لرجل قطر الأول في ليبيا الإرهابي عبد الحكيم بلحاج القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة.ومنذ إنطلاق البث الرسمي لها  في اغسطس 2013،تبنت القناة مسارا واضحا في التحريض على العنف وتمليع صورة الجماعات الإرهابية كتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرها.

ودفع هذا النقابة المستقلة للإعلاميين إلى إصدار بيان في29  سبتمبر 2016 ،أدانت فيه حالات التشهير والتحريض على العنف والكراهية التي تبث على قناة النبأ.وفي ابريل من العام 2017، أظهر تقرير المركز الليبي لحرية الصحافة حول خطاب التحريض والكراهية في الإعلام الليبي أن قناة النبأ تصدرت القنوات التليفزيوية، في بث خطاب التحريض والكراهية، وكشف التقرير أن عملية الكرامة جاءت في مقدمة المستهدفين بهذا الخطاب.

هذا التوجه الذي تبنته هذه المنابر الإعلامية،دفع الدول العربية الأربعة، مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين،إلى إدراجها في القوائم التي ضمت كيانات وشخصيات إرهابية مدعومة قطرياً،وذلك في إطار الحرب على التنظيمات الإرهابية،ومن باب التأكيد على خطورة “الآلة الاعلامية” في نشر التطرف والفتن ودورها في تهديد الاستقرار الاقليمي والدولي.

وفي غياب السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية،تبقى السلطة الرابعة المتمثلة في الإعلام رهينة خروج البلاد من الأزمة التي ألقت بها في دوامة من الفوضى والصراع وسط غياب تام لمعالم الدولة القادرة على بسط نفوذها وتحقيق الأمن والاستقرار.

عبدالباسط غبارة – بوابة إفريقيا الإخبارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق