تحاليلتونس

ضغوط أمريكية لجرّ تونس الى إقامة علاقات مع اسرائيل:التطبيع … خطّ أحمر

 

    تبقى مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني من أكثر الملفات اثارة للجدل والحماس ولا شك ان الرأي القاطع لدى التونسيين هو رفض كل أشكال التطبيع حتى وإن كان الطارقون على الباب قد حاولوا التخفي وراء مسارات التسوية التي تعرفها القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة ولكن في كل مناسبة يتأكد أمران أساسيان:
ـ أولهما: الرفض الشعبي الحاسم لكل شكل من أشكال التطبيع رغم الضغوط الأمريكية المتصاعدة لجرّ تونس إلى هذا «الفخ».
ـ وثانيهما: أننا في جريدة الشروق كنا وسنبقى من المنابر المناهضة للتطبيع والمتمسكة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وبأن الصهيونية ايديولوجيا عنصرية لا علاقة لها بالديانة اليهودية ولا مكان لها في عالم غربي يحاول أن يدفن قضية فلسطين… قضية العرب المركزية … وأن ينصر الجلاد على الضحية.

بقي هذا الملف لفترة قصيرة خارج دائرة النقاش الوطني لكنه عاد مؤخرا بدافع سببين رئيسيين ,الاول له بعد سياسي ويتعلّق باللائحة التي أصدرتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي والتي حثّت من خلالها تونس على الامتناع عن التصويت على القرارات التي تستهدف إسرائيل في الأمم المتحدة..ما يمثل شرطا امريكيا يقايض المساعدات الأمريكية لتونس بالتطبيع مع اسرائيل أمّا الثاني فهو في علاقة بزيارة الكوميدي اليهودي من اصل تونسي ميشال بوجناح الى تونس وما خلّفه العرض الذي قدّمه من خلافات و نقاشات مطوّلة

بداية طرح فكرة التطبيع التونسي –الاسرائيلي:

عاد الملف ليؤثّث المشهد الفكري و السياسي في تونس كاحد اهم الملفات الخلافية التي يتناقض فيها السرّي بالعلني ..هذه القضية التي امتدت مناقشتها و جزئياتها على مراحل تاريخية هامة يتفّق المؤرخون فيها على ان بداية الاتصالات المباشرة والهامة بين الدولة التونسية واسرائيل كان تحت مظلّة الامم المتحدة وتحديدا في سنة 1951 و 1952 لكن هذه الاتصالات جوبهت في محطات ومراحل سياسية متفاوتة برفض شعبي عارم واحتجاجات نقابية وطلابية وشعبية ضدّ كل محاولات جرّ تونس الى مربّع التطبيع مع الكيان الصهيوني بسبب ممارساته الاجرامية وتشريده لشعب فلسطين.امّا في ما يتعلّق بالموقف الرسمي من القضية الفلسطينية فقد بنته على أساس قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة والمعروف بالقرار رقم 181..وهو ما اعلنه بورقيبة في خطاب في أريحا سنة 1965 وهو الخطاب المشهور باستراتيجية “خذ وطالب ”

توتّرت الاتّصالات بين الطرفين عندما اغار سلاح الجو الإسرائيلي في بداية أكتوبر 1985 على مدينة حمام الشط جنوب العاصمة التي ضمّت مقر منظمة التحرير الفلسطينية. وقتل في الاعتداء عشرات التونسيين والفلسطينيين.. ويوم 4 أكتوبر 1985، و بعد ثلاثة أيام من العدوان الإسرائيلي و بعد معركة ديبلوماسية تمكّنت من استصدار القرار عدد 573 من مجلس الأمن الذي يدين إسرائيل و يندد بعدوانها الغاشم على أراضيها. و قد مثل ذلك الحدث انتصارا سياسيا كبيرا لتونس

رعاية المصالح بين البلدين:

في الفترة التالية لزمن حكم الحبيب بورقيبة دخلت تونس في سياق اخر من العلاقات حيث يُجمع المؤرخون على انها لعبت دورا رئيسيا في «محادثات سرية» بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل و التي أدت إلى إعلان المبادئ المتعلقة بالحكم الذاتي لفلسطين والذي تم توقيعه في سبتمبر 1993 وفي شهر ماي 1995، ذهب الديبلوماسي خميس الجهيناوي (وزير الخارجية الحالي ) لترؤس المكتب التونسي في اسرائيل .ثم قررت تونس في أكتوبر 2000 إغلاق المكتبين تنفيذا لقرارات القمة العربية، إثر القمع الوحشي الاسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية.

كانت هذه العلاقة المتطوّرة بين الطرفين خارج دائرة التداول الاعلامي وهو ما جعلها اقرب الى “السرّية ” ..حيث كانت ملفا مُثيرا للمشاكل لكل من يريد التعاطي معه بمقاربة نقديّة ..لكن هذه “السرّية ” فقدت خصوصيتها بعد زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي “سيلفان شالوم ” تونس في قمة مجتمع المعلومات سنة 2005 ..فبالرغم من ان اللقاء كان في اطار الامم المتحدة التي تُلزم بدعوة جميع الدول الاعضاء الاّ ان حضور “شالوم ” اثار حفيظة الراي العام التونسي بشكل كبير وانتج مظاهرات واحتجاجات عدّة .

الفشل في تجريم التطبيع:

بعد سنة 2011 تغيّرت المعادلات في التعاطي بين الطرفين و لم تتضمّن محطّات لافتة في السياق السياسي سوى تصريح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي سنة 2012 لاذاعة “صوت اسرائيل ” على هامش منتدى «دافوس» .. اضافة الى صياغة عريضتين سنة 2013 ضد مدير الامن الوطني رضا صفر و وزيرة السياحة امال كربول احتجاجا على السماح لسياح اسرائيليين بالدخول لتونس واستقبالهم رسميّا من قبل الوزيرة …واللائحتان تم سحبهما في ما بعد وتعويضهما ببيان يؤكد «التزام تونس دولة وشعبا بمساندة الشعب الفلسطيني وتمسكها بعدم التطبيع مع الاحتلال الصهيوني ..»

اما في السياق التشريعي وهو اهم السياقات التي ميّزت مسيرة تونس في السنوات الست الماضية فان المحطات التي يمكن ذكرها عديدة ..على رأسها صياغة فصل في مسودة الدستور الاولى تم ترقيمه بالفصل 27 وينص على ان «كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني جريمة يعاقب عليها القانون».. هذا الفصل تم حذفه من المسودة لاحقا ( سنة 2012) ..بعد حذف هذا الفصل تم تعويضه بجملة في التوطئة نصها «دعم حركات التحرر وعلى رأسها حركة التحرر الفلسطيني, ومناهضة كل أشكال التمييز والعنف والعنصرية المعادية للانسانية على رأسها الصهيونية». وتم حذف هذه الفقرة ايضا ( سنة 2013) ..لتنتهي فترة عمل المجلس الوطني التأسيسي دون تحقيق ما يذكر في هذا الملف. وتنطلق فترة عمل البرلمان الحالي الذي لم يسر في سياق مخالف للتأسيسي فالمبادرة التشريعية الوحيدة التي تم اطلاقها في هذا السياق وهي مبادرة الجبهة الشعبية لتجريم التطبيع مع الصهيونية (نوفمبر 2015) مازالت في أدراج البرلمان الى الان .

الرسالة ”السرّية ” والتهديد المبطّن:

من الضغوط الدولية التي تواجهها تونس في سياق منع تجريم الطبيع مع الصهيونية تلقي رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر سنة 2013 رسالة من نظيره الألماني تتضمن رغبته في تخلي تونس عن فقرة في توطئة مشروع الدستور تساوي بين الصهيونية والتمييز العنصري..رئيس «البوندستاغ» الألماني نوربرت لامرت قال في الرسالة أن « هذه المساواة لا أساس لها موضوعياً»، كما أنها لن تلاقي قبولاً، لا من ألمانيا ولا من كافة « المستنيرين» . وأبدى رئيس البوندستاغ أسفه لأن تونس – مقارنةً بدول أخرى أيضاً – تعزل نفسها بمثل هذا الإدعاء. وتوجه لامرت بالرجاء إلى رئيس المجلس التأسيسي في تونس لكي يستخدم نفوذه كله حتى لا تجد هذه الفقرة طريقها إلى الصيغة النهائية المعروضة للمداولة أمام الجمعية العامة، وحتى لا تصبح جزءاً من الدستور.

– استقبلت تونس قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وآلاف المقاتلين الفلسطينيين، عقب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982.

– كانت تونس مقرا بين 1982 و1994 لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
– اغار سلاح الجو الإسرائيلي في أكتوبر 1985 على مدينة حمام الشط جنوب العاصمة حيث كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية. وقتل في الاعتداء عشرات التونسيين والفلسطينيين
– اغتالت إسرائيل في 1988 بتونس خليل الوزير (أبو جهاد) المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية.
-قررت تونس في أكتوبر 2000 إغلاق المكتبين (المكتب التونسي في اسرائيل والمكتب الاسرائيلي في تونس ) تنفيذا لقرارات القمة العربية، إثر القمع الوحشي الاسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية.

أهم محطّات ”التطبيع”:

– زار الرئيس المصري الراحل محمد انور السادات يوم 19 نوفمبر 1977 اسرائيل وكان عنوان الزيارة «دفع عملية السلام بين مصر وإسرائيل « وألقى خطابًا أمام “الكنيست” الإسرائيلي يوم 20 نوفمبر 1977 تحدث فيه عن السلام بين البلدين .
– اتفاقية «كامب ديفيد « تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978 بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن بعد 12 يوما من المفاوضات في منتجع «كامب ديفيد» الرئاسي في ولاية ميريلاند .
– مؤتمر مدريد سنة 1991 عقد في الفترة من 30 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1991 و استضافته إسبانيا وشاركت في رعايته الولايات المتحدة و‌الاتحاد السوفياتي.
– معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أو ما يشار اليها باسم معاهدة «وادي عربة» وهي معاهدة سلام وقعت بين إسرائيل والأردن على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 أكتوبر 1994. طبّعت هذه المعاهدة العلاقات بين البلدين .
– اتفاقية أو معاهدة « أوسلو» والمعروفة رسميا بإسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي.و هو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون .

ما معنى التطبيع ؟

التطبيع مع الكيان الصهيوني هو في المعنى الدبلوماسي هو تبادل البعثات الدبلوماسية مع اسرائيل ..اما في المعنى القانوني فيعني عدم تجريم التطبيع مع الصهيونية بنص صريح ..اما في معناه الثقافي والسياسي فيُقصد به اقامة علاقات «طبيعية» مع اسرائيل ,والتغاضي على كل ما يقوم به هذا الكيان من جرائم ترقى لان تكون جرائم ارهابية في حق الشعب الفلسطيني ,و التغافل عن حملة الاستيطان التي يقوم بها وافتكاك الاراضي وتهجير الفلسطينيين وتشريدهم .. وعدم رفض المجازر التي يقوم بها في حق الاطفال و المواطنين العزّل وتهويد القدس و القيام باعدامات خارج اطار القانون ومحاصرة الفلسطينيين .

التطبيع مع اسرائيل يعني ايضا كل الانتهاكات التي يقوم بها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني واخرها المجزرة التي حصلت في المسجد الاقصى والتي راح ضحيتها عدد من الشهداء وهي اخر حلقات ممارسات هذا الكيان وتُضاف الى قائمة طويلة من المجازر والتطبيع ايضا يعني عدم الانضباط لما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية من حرمة جسدية و تجريم الاعتداء على المواطنين وتهجيرهم واغتصاب ارضهم ونسائهم …وهوقطع مع اعتقاد مبدئي بعدالة القضية الفلسطينية و السير في سياق مخالف تماما لنصرة هذه القضية وانتصار للكيان الغاصب .

الرافضون للتطبيع:

ترفض 32 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الاعتراف بدولة إسرائيل رسميًّا بمعنى أنها لا تتبادل معها السفارات أو القنصليات، منها 5 دول لا تقبل جوازات السفر الإسرائيلية من الأساس، والجدير بالذكر أن هذا التصنيف لا يشمل العلاقات غير الديبلوماسية وكل أنواع التعامل السري، بما يعني أن بعضًا من هذه الدول قد تكون مرتبطة ببعض أنواع التعامل غير الرسمي مع إسرائيل.

تتوزع هذه الدول كالتالي، 18 دولة عضوًا في جامعة الدول العربية هي الجزائر، والبحرين، وجزر القمر، وجيبوتي، والعراق، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، والإمارات العربية المتحدة، واليمن.
إضافة إلى ذلك هناك 11 دولة عضوًا في منظمة التعاون الإسلامي هي أفغانستان، وبنغلاديش، وبروناي، وتشاد، وغينيا، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، ومالي، والنيجر وباكستان، اضافة الى دول الاخرى مثل مملكة بوتان وكوريا ، و كوبا .

وتعترف معظم هذه الدول بإسرائيل بشكل غير رسمي عبر قبولها لجوازات السفر الإسرائيلية عدا 5 دول هي أفغانستان والجزائر وبنجلاديش والبحرين ومملكة بوتان إضافة إلى تايوان (ليست عضوًا في الأمم المتحدة) .

سرحان الشيخاوي
المصدر: الشروق ، 30-07-2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق