هل نحتاج إلى قانون الأمـن اللغــوي؟

السؤال الذي نطرحه قد يبدو غريبا وليس بغريب لأنه يهم العرب ونحن العرب دائما عنوان الغرابة: هل يعقل أن تتكوّن جمعيات في المغرب العربي للدفاع عن اللغة العربية؟ وكل دساتير هذه البلدان تنص صراحة على أنها بلدان عربية ولغتها العربية ؟ هل هناك سريالية أكثر من هذا؟ .
وضع اللغة العربية على مستوى المغرب العربي سيئ جدا ويدعو للرثاء والبكاء وربما العويل بل الندب لما آلت إليه اللغة العربية في هذه الربوع التي تنص في دساتيرها على حمايتها وتنميتها .هذه ليست صيحة فزع ولكنه ضحك على وضعنا اللغوي كالبكاء .
أين دور الاتحاد المغاربي للتنسيق في هذه المسألة على الأقل ؟ وأين جامعة الدول العربية وأين منظمة التربية والثقافة ؟ أين الجامعات ومراكز البحوث ؟ أين النخبة المستنيرة التقدمية الوطنية ؟
هل اصطدمت كلها برفض السلطة أم بالنخبة الفرانكفونية ؟ أم أن النخبة المستنيرة مستسلمة ؟
اللغة عنصر أساسي من عناصر الهوية والوحدة العربية كأني بها تحت ضغط الفرانكفونيين المتفرنسين تنسرب من بين أيدينا لتحل محلها اللهجات ثم الازدواجية اللغوية فالاضمحلال .
جمعيات عديدة تأسست بدءا من موريتانيا مرورا بالمغرب الأقصى فالجزائر فتونس .
في موريتانيا تأسست جمعية الضاد ، في المغرب ائتلاف وطني من أجل اللغة العربية وهو ائتلاف يضم أكثر من مائة جمعية ، في الجزائر من لا يعرف الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية برئاسة الأستاذ عثمان السعدي . هذه الجمعية تشق طريقها في بحر من الظلمات، أصدرت بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة على تأسيسها كتابا حوى رسائل وتقييمات ومشاركات في إعداد قانون لحماية اللغة او مؤتمرات قومية جاء في المقدّمة { هذا الكتاب وثيقة تؤرخ لصراع اللغة العربية ، لغة البلاد والعباد في الجزائر، مع لغة المستعمر السابق } وهذه الجملة تختصر الصراع كله ولا توهم بوجود صراع بين العروبيين وغيرهم بل بين لغة البلاد والاستعمار ومن يمثله ممن لم يتخلصوا بعد من لوثة الاستعمار واحتقار لغة البلاد وأبناء الشعب.
هذا الجهد يصطدم دائما بسلطة رافضة وعدائية للغة العربية وواصلت اللغة الفرنسية تبوأ مكانة متقدمة على حساب العربية . إذن لماذا كل تلك الارتال من الشهداء ؟
آخر طلعة من وزير التجارة الجزائري السابق بن يونس ، وهي من غرائب الدهر أن يدعو التجار الأجانب إلى مخالفة قانون 2008 الذي يدعو إلى تعريب السلع المستوردة بهدف إعلام المستهلكين بمحتوياتها ومن يخالف هذا الإجراء يعاقب بخطية تصل إلى 20 مليون سنتيم , الوزير يدعو الأجانب إلى الاعتداء على قانون الدولة وعلى سيادة الشعب وعلى لغته والعودة لاستعمال لغة أجنبية وتحريرهم من الخطية وفي صورة اعتماد اللغة العربية يحرمون من التوزيع داخل الجزائر . من أي طينة هؤلاء ؟ هل ساهموا في تحرير الجزائر وممن؟؟؟ أين حزب التحرير؟؟؟؟
وآخر بدعة جزائرية هو ما أعلن عنه وزير التربية من انه سيتم التدريس باللهجات المحلية الجزائرية ؟
في المغرب صدرت لائحة ممضاة من أكثر من 250 شخصية تطالب{ باعتماد قانون لحماية اللغة العربية وذلك لان المغرب يعيش حالة لغوية وهوياتية مهددة لوجوده كدولة }. ويضيف البيان التعليم {في المغرب عرف سيطرة شبه مطلقة للفرنسية بوصفها لغة تدريس للعلوم التجريبية والطبيعية في التعليم الجامعي ,,, مما أنتج ارتباكا في مستوى التحصيل العلمي وأدّى إلى ضعف الإبداع ..وان مدخل التنمية المنشودة هو اللغة العربية، فليست هناك دولة واحدة متقدمة تدرس بلغة أجنبية .}
الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة في المغرب، حكيمة حيطي، قالت إن حديثها باللغة العربية يسبب لها ارتفاعاً في درجة حرارة جسمها.
وفي ندوة صحافية، في الصخيرات، أجابت الوزيرة المغربية باللغة الفرنسية، وحاولت التهرب من الإجابة بالعربية، بحضور عشرات من الصحافيين، مبدية «تأففها من التحدث بالعربية »
وهي الوزيرة الثانية، في الحكومة المغربية الحالية، التي تتهرب من الحديث بلغة الدستور، بعد وزير التربية والتعليم، الذي رفض أن يجيب صحافياً مغربياً بالعربية
ولا يزال المغرب يعيش « جدلاً لغوياً » بين المدافعين عن اللغة العربية، كلغة للدستور ولكل المغاربة، وبين التيار الفرانكفوني القوي اقتصادياً في المغرب، المدافع عن ترسيم العامية كلغة رئيسية وأساسية في البلاد، بالرغم من أن « الدارجة المغربية » ليست لغة.
أما تونس العزيزة فماذا نقول عنها ؟ إنها لوحة جميلة لو تغلّب الحس الوطني بما يعني من اعتناء أكثر باللغة وبمقومات وهوية الشعب ، هوية
شعب ليست اديولوجيا كما يتوهم البعض أو يريد أن يوهم بذلك الهوية هي تلك المقومات التي يستند إليها أي شعب أو امة حتى لا تجرفها السيول أو الرياح أو تقف في المهب فتتلقفها الرياح وتلقي بها حيثما شاءت وتقتلعها من جذورها وتجعلها نسيا منسيا كما فعل الأمريكان مع قبائل المايا وافنوا شعبا برمته وتسعى الصهيونية اليوم إلى سرقة تراث الفلسطينيين بعد ما سرقت أراضيهم .
نخشى أن تكون اللغة آخر مقوّم يسعى الأعداء بدعم من الفرانكفونيين في المغرب العربي لتهديمه وقبره .
هل يمكن أن نعيد الاعتبار للغتنا بهذا السيل الجارف من الدارجة التونسية وهذا الخليط بالفرنسية وهذه الازدواجية اللغوية ؟
اللغة العربية غريبة الوجه في التعليم الثانوي والعالي و تكاد تكون كاللقيط الذي لااحد يريد ان ينسبه إليه فالوزارة تختفي وراء إصلاحات مسقطة من الخارج ومراكز القوى الفرانكفونية تستقوي على العربية بالمال الأجنبي ومراكز البحث ومنظمات لها ادوار ظاهرها رحمة وباطنها نار كتلك التي دفعت أموالا طائلة للجمعية الدستورية حتى تتولى ترجمة الدستور إلى اللهجة التونسية {هكذا} أو أولئك الذين مثلوا الشعب ذات يوم من حزب المسار و اعتبر رئيس الحزب إقرار العربية في الدستور بأنه يوم اسود أو رئيس الجمهورية ما إن يستعمل جملة بالعربية حتى يذهب جريا للدارجة أو الوزراء الذين اغلبهم يتأتئ لعجز عن التعبير وعدم امتلاك للغة البلاد .
بعض المؤسسات التعليمية ككلية الحقوق باريانة أنشئت فقط لتحافظ على الفرنسية ودعّمها في السلطة محمد الصياح ومحمد الشرفي وعياض بن عاشور الخ …
أين الهايكا التي أصدرت كراسات شروط لبعث المؤسسات الإعلامية السمعية والبصرية ولم تترك لاشاردة ولا واردة الا وذكرتها وغابت عنها اللغة والحرص على استعمال اللغة استعمالا جيدا وان نتحاشى الازدواجية اللغوية والدارجة الهجينة وتركت الباب مفتوحا فأصبحت تلفزاتنا وإذاعاتنا تنطق بكل شيء ولا تحترم الفصل الأول من الدستور . بل أن بعض المسلسلات تكاد تكون ناطقة بالفرنسية لكثرة التعمد والحرص على ذلك وليس لحاجة فنية ؟
يا من تقلدون فرنسا وتسرقون لغتها وتخونون لغتكم هل رأيتم وزيرا فرنسيا يتلعثم في لغته أو يلتجئ للغة أخرى ، على الأقل تعلموا منهم الوطنية .
لن نطيل كثيرا فالأمر معلوم ولكن نشير للمقال الفضيحة الذي صدر بصحيفة حكومية ناطقة بالفرنسية وهي جريدة لابراس {11 اوت} تحت عنوان مدرسة الغد وسؤال اللغات الأبدي لصاحبه محمد الصادق الآجري وهو عبارة عن رسالة موجهة لوزير التربية يدعوه فيها لإصلاح التعليم مدرسة الغد بتعبير بن علي ماذا جاء في هذا المقال الطويل سنكتفي ببعض الأفكار : يتحدث السيد الآجري عن اللغات الأجنبية في التعليم ثم يتوجه للسيد الوزير قائلا أنت رجل يساري ونقابي وتتحدث عن الهوية وعن العروبة ؟وينطلق في الحديث عن اللغة العربية دون أي مبرر ولا علاقة للأسئلة المطروحة عن اللغات الأجنبية ماذا يقول سيدي الوزير حدثتني عن فضائل التعريب والفترة الذهبية للحضارة العربية الإسلامية اسمح لي أن أقول أن هذا الخطاب يخدم التيارات الإسلامية الرجعية .
مدرسة الغد والتعريب لا يلتقيان أبدا وللأسف اللغة العربية اليوم لا تنشر الا قيما متخلفة انها لغة الوهابية وداعش . اللغة العربية لغة كلاسيكية جدا . ويواصل تحامله على اللغة العربية وعلى وضعها في العالم وفي الجامعات وينطلق في مقارنة مع لغات اجنبية منها العبرية ثم يتفرغ لمدح الفرنسية وانها تشكل جزءا من هويتنا وأننا ننتمي للفرنكفونية وانه لايجب ان نعتبرها لغة ثانية او دخيلة بل هي لغة العلم والتقدم والعربية لغة التخلف والدين وداعش الخ ويدعو للولاء لفرنسا وكنت قد وجهت رسالة لرئيس الحكومة في هذا الغرض مؤكدا على ان المقال يدعو صراحة :
ـ لمعاداة العروبة وهوية البلاد العربية الإسلامية والسخرية منها.
ـ والتنكر للغة العربية واعتبارها لغة الدواعش والوهابية ومصدر الإرهاب والدعوة لاستعمال اللغة الفرنسية بديلا عنها.
وذلك في تحد صارخ للدستور الذي ينص صراحة في توطئته و في فصوله الأول والخامس والتاسع والثلاثين على ان هوية البلاد التونسية هي الهوية العربية الإسلامية وان الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي و تعمل الدولة على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها الخ.
ماذا يمكن أن نقول عن النخبة ؟ هل نخبتنا نكبتنا كما قال احدهم أم هي نخبة مستوردة لا علاقة لها بإبداع هذا الشعب ولا بتاريخه وجغرافيته ومبدعيه فحتى اليسار ممثلا في الجبهة الشعبية يخاف من استعمال لغة البلاد ويتوجه لحكومة اليونان برسالة ناطقة بالفرنسية؟
هل هناك أنبتات أكثر من هذا، الشعب ليس قفة فقط انه قيم .
هل قرأ مثقفونا المتفرنسون قولة ألبير كامو عندما قال وطني هو اللغة الفرنسية . بما يعني انه كلما تمددت اللغة الفرنسية اتسع وطنه .
هل تحتاج هذه القولة إلى تفسير أم أن مثقفينا أمام ذلك تتعطل ملكة النقد لديهم وحسهم «الوطني» يتهاوى وضعفهم أمام «أمهم فرنسا» يتزايد .
ماذا يمكن أن نقول أمام انبطاح أنظمة المغرب العربي للغة الفرنسية؟ الاستقلال ليس حدودا منتهكة أو جنديا أجنبيا يقف على أرضك أو يصادر ثروتك هي كل ذلك مضافا إليها لغتك لسانك تاريخك، الجانب الروحي والقيمي والثقافي الذي تهمله هذه الأنظمة لعدم وعيها به، أنظمة تؤمن فقط بما ترى كل ماهو مادي ولا تدرك أن الخطورة تكمن فيما لا يرى في الثقافة والحضارة والعادات والتقاليد والقيم والأسرة و اللغة.
تعتقد أن الاستقلال جندي وثكنة وعلم وبوليس يحرس المؤسسات.
مثلما ذهب البيان المغربي والذي تحدث عن الأمن اللغوي والمعركة بين الوطنيين والاستعمار ومن يمثله في الداخل تلك هي الحقيقة التي يريد البعض أن يخفيها تحت دعاوى واهية من مثل التفتح والحداثة إلى آخر الاسطوانة المشروخة والمملة.
هل يحتاج شعبنا العربي والمغاربي خصوصا إلى قانون لحماية لغته على غرار قوانين حماية المستهلك , هل يحتاج أيضا إلى قانون للأمن اللغوي ، مثلما نخشى على معدته من الأكل المتعفّن والفاسد والمهرّب والمستورد وغير الخاضع للرقابة قد يحتاج إلى قانون يحمي لغته وعقله من لوثة لغة مهزوزة ودخيلة ومزدوجة تضرّ عقله وتقطعه عن جذوره واصله وتاريخه وتصيبه بالانتفاخ الكاذب أو الحمل الكاذب تشبها بالطاووس يختال معتقدا انه أصبح من صنّاع الحضارة لمجرد استعماله للغة أجنبية وما هو بطاووس ولكنه شبّه لهم .
نأى الأردن بنفسه وأقر قانونا لحماية اللغة العربية وهي خطوة جبارة وعظيمة ووطنية وقومية وترك الهجانة اللغوية لعشاقها والمدافعين عنها فشكرا لنخبة الأردن ولمجمع اللغة العربية الأردني ربما في تونس نبدأ بتأسيس مجمع للغة العربية والبقية تأتي .