
أوقفت الحكومة الموريتانية جميع أنشطتها أمس بأمر أصدره الرئيس خلال إطلاقه حملة الاستفتاء الدستوري، للتفرغ الكامل لاستحقاق الخامس من أغسطس/آب المقبل الخاص بعرض تعديلات الدستور على استشارة شعبية.
ودفعت الحكومة التي هي الطرف المقترح للاستفتاء رغم إسقاط الشيوخ له، بجميع قواها وموظفيها ووسائلها في حملة سياسية موسعة يقودها الرئيس محمد ولد عبد العزيز بنفسه عبر جولات ستقوده خلال الأيام العشرة المقبلة لجميع الولايات، فيما يرأس أعضاء الحكومة مهرجانات الحملة وتجمعاتها.
وحصلت الحكومة، حسبما تنشره وسائل إعلامها ويبشر به مدونوها، على تأييد واسع لاستفتائها الدستوري من شيوخ القبائل والزعماء الروحيين الذين لهم تحكم كبير في أصوات الناخبين، كما استطاعت الحكومة تعبئة مجموعة من الأحزاب السياسية المشاركة في حملة الاستفتاء بوصفه من مخرجات حوار 2016 الذي قاطعته المعارضة الجادة المصطفة حاليا بجميع أطيافها فيما تسميه «المقاطعة النشطة».
ونددت المعارضة الديمقراطية الموريتانية في بيان وزعته أمس بما سمته «الأساليب الممجوجة التي يستخدمها النظام، من ترغيب وترهيب وتجنيد للإدارة ووسائل الدولة، من أجل فرض تعديلات تفرق الشعب، وتعمق الأزمة السياسية وتهدر المال العام».
وتقدمت المعارضة «بأحر التهاني لجماهير مدن نواكشوط، ونواذيبو، والنعمة، ولعيون، وكيفة، وكيهيدي، وتجكجة على النجاح الباهر الذي حققته المسيرات والمهرجانات المنظمة في كل هذه المدن»، داعية في بيانها «كافة أفراد الشعب الموريتاني ليواصل التعبئة والنضال من أجل فضح وإفشال مسرحية الاستفتاء العبثي»، حسب تعبير المعارضة.
وأضاف البيان: «لقد برهنت التظاهرات والمسيرات والمهرجانات التي نظمتها المعارضة الديمقراطية الموريتانية هذه الأيام في نواكشوط وفي العديد من الولايات الداخلية، تضيف المعارضة، على مدى رفض جماهير شعبنا للتعديلات الدستورية العبثية التي يصر النظام على تمريرها بطريقة فجة، عن طريق تجنيد الموظفين والوكلاء العموميين، واحتكار وسائل الإعلام العمومية، وتوظيف سلطة وأموال ومقدرات الدولة، وترهيب وترغيب الأعيان والمواطنين، وابتزاز رجال الأعمال، وقمع الحركات الشبابية السلمية وتوقيف القائمين عليها».
وزاد البيان: «إن توظيف كل أجهزة الدولة ووسائلها في خدمة طرف سياسي واحد، وإقصاء وإسكات كل الأصوات المخالفة يعتبر في حد ذاته فشلا سياسيا مدويا لمسرحية الاستفتاء، ويعبر بوضوح عن قناعة من يريدون فرض التعديلات المقترحة بأنها لن تمر بدون الإكراه والتعنيف».
وقال: «الفرق كبير بين الطرفين فهناك طرف المعارضة الرافضة للتعديلات العبثية الذي تتدفق إليه أمواج الشعب بصورة عفوية لا يحدوها خوف ولا طمع، ولا يحركها سوى القناعة والوطنية والحرص على مصالح الشعب والوطن، وهنالك طرف السلطة الذي يساق إليه الناس مكرهين صاغرين».
وتابعت المعارضة تقول: «لقد أثبتت الأساليب الموغلة في اختراق كل القوانين والنظم الديمقراطية والأخلاق السياسية، عدم مصداقية أي اقتراع تنظمه هذه السلطة، كما أثبتت صحة موقف المعارضة الديمقراطية المطالب بخلق الظروف والآليات الضرورية من أجل تنظيم انتخابات حرة وشفافة، تلتزم فيها الدولة الحياد بين كل الأطراف المتنافسة، والتي بدونها ستظل الانتخابات في بلدنا مجرد مسرحية استعراضية».
وقد تفاعل الكتاب والمحللون والمحللون مع حالة التجاذب السياسي التي تمر بها موريتانيا حاليا مركزين على الآفاق التي ستنفتح بعد استكمال الاستفتاء في الخامس آب/أغسطس المقبل.
وذهب كتاب كثيرون إلى دعم التعديلات الدستورية والتبشير بالخطاب السياسي الذي تتناه الحكومة، فيما فضل البعض الآخر إبراز المخاطر التي تتهد البلد وفي مقدمها وقوع انقلاب عسكري وهو ما توقعه الكاتب الحاج ولد المصطفى في مقال نشره أمس تحت عنوان «هل بات الانقلاب وشيكا؟».
يقول الكاتب «الدعوة لمأمورية ثالثة هي المبرر الأقوى للانقلاب المقبل ويمكن أن يكون للتعديلات الدستورية دورها في تهيئة الأجواء العامة داخليا وخارجيا، فالدستور الذي يمثل مرجعية القوانين المجرمة للانقلابات عندما يجري تعديله لأول مرة من دون توافق حقيقي فإن من شأن ذلك أن يشرع من جديد مبدأ الانقلاب».
وأضاف: «مجلس الشيوخ هو الآخر يملك من الأوراق القانونية ما يمكن أن يستند إلية دُعاة الانقلابات بعد أن يتم حله قسرا وخارج المسطرة القانونية، كما أن نمط الحملات الدعائية القائم على أسلوب نظام ولد الطايع في الاستنفار الشامل لأجهزة الدولة وموظفيها ومقدراتها وإشراك الفنانين والشعراء وفتح أبواب التملق على مصاريعها كل ذلك ظل يسبق الانقلابات ويساهم في إضفاء الشرعية عليها».
وقال «إن الانقلاب يصبح تحصيلاً حاصلاً مهما تأخر وقته، عندما تتوافر الشروط والظروف الملائمة له، لكنه لا يمكن التكهن بشيء محدد أو سيناريو بعينه فقد كانت الانقلابات السابقة لا تأتي إلا متأخرة ومن دون سابق إنذار، ولكن أي انقلاب من بين كل ما شهدته البلاد من الانقلابات ومحاولات الانقلاب لم يفاجئ الساحتين المحلية والدولية، فقد كانت الظروف مهيأة دائما للانقلابات ويبدوا أنها لا تزال للأسف الشديد».
أما الكاتب المعارض محمد الأمين ولد الفاضل فقد فضل في مقال كتبه أمس الهمس في أذن الرئيس قائلا «.. إن الإصرار على تنظيم الاستفتاء وفرض ولاية رئاسية ثالثة قد يتسبب في خسارة ما تبقى من الولاية الرئاسية الثانية، وهو في أغلب الأحوال سيؤدي إلى خروج غير مريح من القصر الرئاسي».