
برز تطور فكر، زعيم الحركة راشد الغنوشي من خلال إتباع ، استراتيجيات سياسية ذات خصوصية جاءت على إثرها قرارات منفردة أو شبه ، حيث توخى الغنوشي سياسة منفتحة مع خصومه و آثر معهم باب الحوار ،تجسد في عقد مجموعة لقاءات تشاور جمعته بقيادات من أحزاب تقدمية أو ليبيرالية، كما أن أغلب الخلافات التي شقت مجلس الشورى سرعان ما تم تجاوزها بعد تدخل الشيخ شخصيا بما يسرّع في حل الأزمات التي مرت بها الحركة لصالح الشق التابع له في أغلب الحالات.
-توجيهات الغنوشي التي أثرت على توجه الحركة
أثرت توجيهات الغنوشي على توجه الحركة، من خلال إتباعه مسلك الإعتدال والإنفتاح والتسامح، والهدف منه كسب الرأي العام الداخلي و الخارجي و تطويق أي شقوق من شأنها أن تضر بتماسك الحزب .
و قد نتج عنه إظهار الحزب في صورة حركة يمينية محافظة .
كيف إستطاع الغنوشي أن يكرس مبدأ الإنضباط داخل الحركة ؟
إستطاع الغنوشي أن يحافظ على تماسك الحزب صوريا رغم التباين في المواقف الذي نلحظه من قبل القيادات المتواجدة كناطقين بإسم الحركة، و بالرغم من ذلك لم ينجر عنه خروج القيادات النهضوية عن الخطوط الحمراء كما هو الحال بالنسبة لخصومهم ، و إستمرار الحزب على تلك الصورة المنظمة ليس دليلا على أن البقاء للأقوى ، بل للأكثر قدرة على هضم مفهوم التعايش مع المتغيرات التي لها علاقة مباشرة بطبيعة المسار السياسي الذي يقوده الغنوشي مع بقية القوى السياسية .
و تدخل الغنوشي في العديد من المناسبات خاصة خلال صياغة الدستور لفرض حلول وسطية لكف النزاع خاصة في التشريعات القانونية التي لها علاقة بالشريعة الإسلامية ، و أجبرت الحركة على جملة من التنازلات ، ساهمت بصورة مباشرة في إحداث تغييرات جذرية في الرؤى الفكرية لزعيمها بخصوص عدد من المسائل السياسية والإجتماعية.
-نهج السلطة لدى زعيم الحركة مسار لا يتوقف….
لا يمكن الحديث عن “الثورة التونسية دون أن نستقي دور الحركة خاصة من الناحية السياسية ، رغم أنها كانت مبادرة شعبية إلا أن المتابع للشأن العام يلحظ تواجد عناصر حركة النهضة في قلب الحراك الشعبي سواء من القواعد في الساحات أو عن طريق التوجيه السياسي عبر القنوات الدولية التي ساندت الثورة ، و ذلك لمزيد الدفع ، مما ساهم في تكوين ثقافة جديدة مرتبطة بالحركة كفكر إيديولوجي إستطاع أن يفرض تواجده في مشاغل الشارع عن طريق الوسطية التي تفرض على الجميع التمسك بالحداثة و التطور مع المحافظة على المبادئ العامة التي لا تمس بالحريات الفردية بما يكفله دستور تونس2015 .
نهج السلطة لدى زعيم الحركة مسار لا يتوقف رغم التعقيدات التي تحيط به في الكثير من الأحيان لذلك يعتبر أن عملية توزيع السلطة بين قرطاج والقصبة وباردو ، توجها ناجعا تم فيه تقسيم الأدوار لتسيير البلاد لكن تلك العملية لم تشمل بعد حق الشعب في ممارسة السلطة وتمليكه إياها كما نص على ذلك الدستور التونسي أي”الإنتخابات البلدية.
تحصلت الحركة خلال أوّل انتخابات تشريعية في تونس بعد الثورة، على 89 مقعدًا من أصل 217، و هو مكسب سياسي مهم ، في المقابل هناك أحزاب اضمحلت بعد تجربة الترويكا و لم يبقى لها وجود ،و هو ما يطرح عدة أسئلة ،هل أن المحافظة على ثقة الناخبين مسألة عمل دؤوب و إستراتيجية معمقة أم هي مسألة حظ؟
هل الغنوشي منافس لرئيس الجمهورية ؟
منذ إنتهاء الإستحقاق الإنتخابي الأخير سنة 2014 ، صعد النداء إلى هرم السلطة تليه حركة النهضة ، التي كانت المنافس الثاني و الأقرب جدا إلى المنصة الشرفية للحكم ، مقابل حزب النداء الفتي الذي لا يملك الإمتداد تاريخي و لاحتى مدرسة فكرية واضحة المعالم ، بل جاء على أنقاض الثورة لتعديل المشهد السياسي، و لعلّ اللعبة السياسية شاءت أن تتمخض عنها هذه الحركة.
عبرت تونس تلك المرحلة بنجاح و بمباركة الجميع سواء من منظمات حقوقية أو دول مجاورة منها ما يتوق إلى الديمقراطية و أخرى متأصل فيها ، وخلال فترة وجيزة صعد نجم الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي و إلتحق بقرطاج عوضا عن خلفه المنصف المرزوقي الذي عايش فترة حكم الترويكا بمتناقضاتها و بخصوصيتها الأمنية المتردية و الإجتماعية و الإقتصادية و الحال اليوم كما في الأمس لم يتغير كثيرا ، هذا و قد تولى الحبيب الصيد قيادة البلاد بتكليف و مباركة طرفي السلطة النهضة و النداء حيث دامت ولايته بضع أشهر سرعان ما خرج رئيس الجمهورية السبسي ليطرح مبادرة سياسية بتاريخ لا يمحى الموافق لـ16 جوان 2016 ، و ذلك عقب أحداث إرهابية دامية على غرار سوسة و باردو … تمثلة في دعوة الأحزاب و المنظمات التي شاركت خاصة في الحوار الوطني للإلتزام بوثيقة قرطاج و تعيين رئيس حكومة جديد يتولى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي تمارس شرعيتها منذ أشهر.
ثم دخلت البلاد في مشاورات و تجاذبات أفضت إلى إختيار يوسف الشاهد رئيسا للحكومة بموجب إتفاقية قرطاج الموقعة من 9 أحزاب و أربع منظمات ، في خضم هذه الأحداث نرى أن دور رئيس الجمهورية خلال ولايته التي دامت حوالي 3 سنوات كانت في علاقة مباشرة مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ، متشابهة في الشكل و ليس المضمون، حيث يمارس الغنوشي سلطته كرئيس حركي يعيش بين قواعده بصورة مباشرة سواء من نواب أو وزراء في حكومة الوحدة الوطنية ، بينما الآخر صاحب سلطة رسمية ذات طابع بروتوكولي مقيّد .
و تعد أهمية تموقع رئيس حركة النهضة اليوم في كونه إستطاع التعايش في المحيط الداخلي أي صلب المشهد السياسي العام و لم ينزلق خطابه إلى القاع ،و هذا مهم في مرحلة صعبة عاشتها البلاد منذ الثورة و الثبات فيها مطلوب و من ناحية ثانية من خلال تواجده على مستوى الدولي حيث كان نيله لجائزة غاندي للسلام بمثابة الإلتزام الأخلاقي و السياسي لبناء و ترسيخ ثقافة السلام التي أصبحت واجبا لا مسألة إختيار .
مهندس الفكر النهضاوي إعتمد على مسألة توزيع القوى بين النخب ، لتجنب الإحتكار و في ذات الوقت لجعل الجميع على نفس المستوى في تحمل مسؤولية الأخطاء و المكاسب.
تجربة الترويكا منحت الحركة درسا قاسيا و مريحا في ذات الوقت لذلك أيقنت الحركة بأنّ أخذها السلطة أكثر مما يفرضه ميزان القوى، أحدث إضطرابا في البلاد،” و انسحاب حركته من السلطة أنقذ تونس والنهضة معا ، و كان رد الغنوشي في ما يلي بأن الحركة لم تستطع أن تحكم مجتمع دون الاكتراث بتوجهات نخبته بحد تعبيره .
لطيفة الهمامي
المصدر: اليوم، 2017/07/11