
طوال شهر رمضان الماضي، كثر الجدال وتبادل الاتهامات الموجّهة من قبل عدد من القنوات الإعلامية التونسية، لحسن الزرقوني صاحب مؤسّسة “سيغما كونساي” لسبر الآراء، بسبب ما اعتبروه تلاعبًا بالأرقام المقدّمة حول نسب المشاهدة التي أثرت على الموارد المالية والإشهارية لبعض القنوات التلفزيونية.
وقبل أيّام، أعلن معز بن غربية، المدير العام لقناة التاسعة أنه سيقاضي حسن الزرقوني بسبب “تلاعبه بنسب المشاهدة المزيّفة” والتي ينجزها لحساب قناة الحوار التونسي التي يعمل فيها كمحلّل، وهو ما يتنافى مع مهنة قياس نسب المشاهدة وفق تعبيره.
ولم تكن قناة التاسعة الخاصّة بمفردها ضحيّة نشر نتائج قياس الجمهور، ففي وقت سابق، وجّهت قناتا “حنبعل” و”نسمة” أصحابها خواص وعدد من الإذاعات، اتهامات للزرقوني باستغلال مؤسّسته لنشر نتائج مغلوطة حول نسب مشاهدة وسائل إعلام بعينها مقارنة بأخرى، لتحقيق منافع خاصّة، كما وجّهت عديد الأحزاب والشخصيات السياسية التونسية في أكثر من مناسبة، اتهامات ولوماً لمؤسسة “سيغما كونساي” بخصوص نتائج استطلاعات الرأي المشبوهة وغير الشفافة الهادفة إلى الإضرار بالانتقال الديمقراطي في تونس، حسب قولهم.
وفي هذا السياق أكد الدكتور الصادق الحمامي الأكاديمي والباحث في علوم الاتصال، أنه يجب التفريق بين مجالي استطلاعات الرأي وقياس الجمهور اللذين يؤثران على الحياة السياسية والإعلامية في البلاد، حيث تقدّم هذه الاستطلاعات صورة اصطناعية لما يحدث على أساس أنها صورة حقيقية، موضّحًا أن استطلاعات الرأي تبحث في نوايا الجمهور وآرائه حول مسألة ما، في حين يهتمّ قياس الجمهور بوسائل الإعلام وعدد متابعيها ونسبة متابعة برامجها وتوقيت المشاهدة.
وأضاف الحمامي في حديثه إلى “جيل” أن قطاع استطلاعات الرأي وقياس الجمهور في تونس، غير منظم وغير شفاف مثلما هو موجود في المجتمعات الديمقراطية، لأننا لا نعرف من يموّل ومن الذي يتحكم في الأسئلة، كما أن نتائجه التقريبية ليس لها مصداقية لأن المؤسسة التي تقيس الجمهور يجب أن تكون مستقلة وغير تجارية ربحية منتصبة للحساب الخاص، وبالتالي يجب تنظيم هذا القطاع من خلال إضفاء الشفافية عليه، على غرار فرنسا التي يوجد بها لجنة لمراقبة استطلاعات الرأي.
وكشف الدكتور الصادق الحمامي أنه لا يمكن إنجاز قياس الجمهور إلا بطريقة تكنولوجية دقيقة، من خلال تركيب آلات معينة لرصد من يشاهد ماذا وكم المدّة بالتحديد، مشيرًا إلى أن شركات سبر الآراء في تونس، لا تقوم بذلك، بل تقوم باستطلاعات رأي تقدمها على أساس أنها نتائج قياس جمهور، فمثلاً تقوم هذه الشركات بالاتصال بالناس وتسألهم “ماذا شاهدتم البارحة؟” في حين أن العملية لا تكون كذلك، بل تكون بطريقة تكنولوجية دقيقة، وهو ما أثر سلبًا على حريّة الإعلام، حيث أصبحت هذه النتائج تتحكم في اقتصاد الإعلام وتوجيه الإعلانات.
وعن تأثير نتائج استطلاعات الرأي على حرية التعبير في تونس، أوضح الأستاذ المحاضر بمعهد الصحافة أن هذه النتائج غير العلمية تؤثر سلبًا على ذلك، فمن جهة، توجه استطلاعات سبر الآراء الصامتين للخضوع لرأي وموقف الأغلبية خوفًا من الخروج على رأيهم وهو ما يسمى في علوم الاتصال بـ”نظرية الصمت”، ومن جهة أخرى، فإن هذه الاستطلاعات عندها القدرة على توجيه الرأي العام والتأثير على المناخ الديمقراطي في البلاد، لأنها مثلت شكلاً من أشكال الترويج لبعض التيارات السياسية دون أخرى لتحقيق أهداف معينة، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن الدور الذي يلعبه المال في ذلك وعمن يموّل استطلاعات الرأي ولصالح من يموّل.
وفي ختام حديثه إلى “جيل”، اقترح الحمامي حلولًا لتنظيم هذا القطاع وإضفاء مصداقية على نتائج استطلاعات الرأي وقياس الجمهور، أولها شفافية تمويل المؤسّسات المنجزة لذلك، والدعوة إلى إنشاء مؤسّسات مستقلة بالشراكة بين الإذاعات والتلفزيونات العمومية والخاصّة والمستشهرين وفق المعايير الدولية، إضافة إلى تطبيق قرار الهيئة العليا المستقّلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” القاضي بتنظيم عملية قياس نسب الاستماع والمشاهدة وعدم نشرها إلا بإذن مكتوب من المنشآت المعنية بالنتائج المشار إليها.
وتضرّرت وسائل إعلام تونسية مرئية ومسموعة وأحزاب وشخصيّات سياسية بعينها، من النتائج التي تنشرها دوريًا مؤسّسة “سيغما كونساي” لصاحبها حسن الزرقوني، ما دعا مؤسّسات إعلامية بعينها إلى إطلاق صيحة فزع لوضع حدّ لهذا “الغول” الذي قد يعجّل بإغلاقها وتسريح عشرات العاملين بها.
وقبل نحو أسبوعين، كشفت نائلة السليني الأستاذة الجامعية التونسية والباحثة في الحضارة الإسلامية، أنها فوجئت في العام 2005، بسبر آراء نظّمته مؤسّسة “سيغما كونساي” حول حريّة المرأة في العالم العربي الإسلامي أظهر أن 85 بالمائة من نساء تونس يطالبن بتعدّد الزوجات وأن 70 في المائة من التونسيين يدعون إلى وجوب الحذر من ختان الإناث بتونس وجعله بيد الأطباء وهو ما لا يقبله عاقل، خاصة وأنّ شريحة هامّة من المجتمع التونسي تجهل هذه العادة لأنّ البربر لا يعملون بها وفق تعبيرها.
شمس الدين النقاز
المصدر: العربي الجديد