
في هذا الحوار، يعرض فؤاد عبد المومني، رئيس جمعية ترانسبارنسي، تصوره للأوضاع السياسية في المغرب وأزمة الريف وكيفية الخروج منها.
وقال إن إفراغ الساحة السياسية من أمثال بنكيران لن يؤدي بأصحاب السلطة إلا إلى المزيد من العزلة والمزيد من المواجهة.
- حدثتنا في حوار سابق عن تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ووصفته بأننا “جالسون على قنبلة موقوتة”، هل انفرجت الآن هذه القنبلة؟
القنبلة التي تحدثت عنها بعيدة على أن تنفجر الآن، وما يوجد حاليا ألغام صغيرة، والتي تدل على تراكم وتضخم عناصر الانفجار، القنبلة التي تهددنا لازالت قائمة، لكن مقدماتها بدأت تظهر، فالعناصر التي نلاحظ، والتي تدل على أن الاقتصاد المغربي لم يعد آمنا وتنافسيته في تراجع، والمؤشرات التي تبرز أن الوضع السياسي في تراجع من حيث المشروعية والمصداقية وانخراط العموم وقوة العناصر الفاعلة فيه، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية بشكل خاص فيما يخص الشغل وفيما يخص توزيع الثروات، وأيضا تراجع الإحساس بالاندماج والاطمئنان للمستقبل؛ هذه كلها عناصر تبرز أن الأزمة التي نعيشها، لا نسلك طريقا إيجابيا للخروج منها بل على العكس، إذ إنه إذا لم نعالج هذا الوضع بما يكفي من الصرامة والقوة والعمق والانخراط الجماعي وبرؤية استشرافية للمستقبل، فالقنبلة التي تحدثت عنها ستنفجر علينا جميعا.
- هناك عدة مبادرات حاليا للقيام بدور الوساطة في الريف. هل ترى أنها يمكن أن تساعد على تجاوز هذه الأزمة؟
أظن أن الوساطات وقبول الأطراف لعب أدوارها كاملة، سواء منها الشارع أو المعارضة غير الممثلة في المؤسسات أو المجتمع المدني أو الأحزاب التي تهالكت داخل المؤسسات أو الأطراف الحكومية أو القصر الملكي والملك على رأسه، هي مسائل حيوية كي نبدأ في بناء حلول للوضعية المستعجلة ووضع لبنات الاستقرار وتقدم المستقبل.
غير أنه للأسف ما ألاحظه لحدود الآن هو أن هناك بعض الشخصيات محروقة بشكل تام ووضعت في الواجهة. لما تم بعث سبعة وزراء فاقدي القدرة للحسيمة، وعندما يتحرك الآن أشخاص مثل زيان أو صلاح الوديع، بالنسبة إلي هذا أمر غير جدي، ولكن فضاء الوساطات والحاجة إليه مسألة حيوية في تقديري.
- إذن من ترى أن له المصداقية والأهلية للقيام بهاته الوساطة؟
هناك قيادات ذات مصداقية بالأساس خارج اللعبة السياسية، وأقصد بها أطر المجتمع المدني وأطر الأحزاب غير المنخرطة في اللعبة السياسية، وأظن أن الناس الذين لهم قدرة حقيقية على الوساطة الآن هم الناس الذين يحاول القصر إقصاءهم بشكل تام، أستحضر الآن أطر اليسار المستقلة، أناس من قبيل محمد الساسي، عبد الحميد أمين، خديجة الرياضي، وأستحضر أطر العدل والإحسان لأنهم أيضا أناس قادرون على تحمل المسؤولية.
وحتى داخل الأحزاب التي تم “تمرميدها” داخل الحكومة والبرلمان، مازالت هناك قيادات لها مصداقية، ففي الاتحاديين هناك أناس من قبيل حسن طارق، وفي البيجيدي هناك أناس من قبيل أفتاتي وماء العينين وبنكيران، أظن أن هذا النوع من القيادات لهم قدرة على لعب هذه الأدوار.
- هل ترى أنه لازال لبنكيران القدرة على القيام بتأثير إيجابي لتجاوز الأزمة؟ وهل يمكن أن تكون وساطته مجدية؟
في سنة 2011، كان يستحيل على بنكيران أن يقوم بدور الوساطة، لكن بنكيران 2011 ليس هو بنكيران 2017، الذي رغم كل شيء لازال يقول إن الدولة يجب أن تنصت للمجتمع، وإن ردود الفعل المجتمعية لها مشروعيتها وإنه بهذا التحكم قد بلغ السيل الزبى.
إذا كانت الدولة تفكر بعقلانية، عليها أن تعترف أنها بحاجة إلى بنكيران “اللي سلسولو واقف”، وليس بنكيران الذي تتم إهانته ويتم تهميشه، إن إفراغ الساحة السياسية من أمثال بنكيران لن يؤدي بأصحاب السلطة إلا إلى المزيد من العزلة والمزيد من المواجهة.
- لماذا ترشح بنكيران؟ هل الحكومة الحالية التي يرأسها البيجيدي من خلال سعد الدين العثماني غير قادرة على القيام بذات الدور؟
حراك الريف هو دليل على أن البيجيدي استهلك إلى حد كبير، وظهر أنه عاجز تمام العجز عن أن يكون مخاطبا حينما تصبح الأمور جدية، وظهر أن الملك يصبح الهدف الأول، ولهذا نراهم يتحدثون عن العمالة للخارج والخيانة الوطنية لأن الحراك بدأ يخاطب الملك مباشرة.
- هل كسر حراك الريف الطابوهات السياسية؟
ليس هناك طابو قائم يسقط بين عشية وضحاها، الطابو الذي أقامه الحسن الثاني طوال الستينات والسبعينات والثمانينات، وهي قدسية كلامه وقراره، بدأ يتكسر منذ سقوط جدار برلين، وبدأ الناس يتحدثون على أن الملك لا ينبغي أن يكون في نفس الوقت مقدسا ويسود ويحكم، وبقيت الأمور تتدرج إلى أن وصلنا إلى اللحظة التي شكلت قفزة نوعية وهي سنة 2011، التي عبر فيها الشارع عن تملكه لشعارات ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبتحديد السلط في الزمن وإقامة سلط مضادة لها ومتوازنة معها، والآن لدينا لحظة جديدة تبرز أن حراك الريف يدق مسمارا آخر في نعش السلطة المطلقة.
- يروج الكثير من الكلام، عن كون إقصاء ترانسبارنسي من لجنة مكافحة الفساد، هو بسبب ارتباط هاته الأخيرة باسمك، هل تحمل هذه الهيئة ما لا تحتمل؟
ترانسبارنسي كانت تاريخيا تعاني من التضييق، وهي لم تتسلم وصل الإيداع إلا بعد ثماني سنوات من تأسيسها، ومسلسل تصلب الدولة تجاه الفاعل المجتمعي المدني المستقل، أخذ شكلا تصاعديا متواترا منذ أواسط 2011، وقد تم التعبير عن ذلك رسميا من قبل وزير الداخلية في البرلمان في يوليوز 2014، وكنت لا زلت لم أتحمل المسؤولية الأولى في ترانسبارنسي.
وفي الوقت الذي تم تمزيق لافتات ترانسبارنسي بالرباط وتم منع العديد من الأنشطة، لم أكن أبرز وجه داخل هذه الجمعية. قد يكون لاسمي حاليا دور في أن الأجهزة الأكثر شراسة داخل الدولة، قد زادت من التضييق على الجمعية، وربما يريدون أن يصنفوا هذه الجمعية أيضا ضمن المغضوب عليهم.
على أي فقد كان هذا خيار أطر الجمعية في اختيار من يسير الجمعية في هاته المرحلة ونحن نتحمل جميعا المسؤولية، لكن 90 بالمائة من المسؤولية تبقى على عاتق الدولة، التي تقترف مسائل غير قانونية وغير شرعية ومنافية لما تدعيه كتوجهات وكاستراتيجيات، فقط لأنها غير راضية عن الاستقلالية والحس النقدي لبعض الجمعيات وبعض الأشخاص.
- هناك من يرى أنكم كفاعلين مدنيين توجهون سهامكم للفساد ولكن لا تلقون باللائمة إلا على الدولة، في حين تغضون الطرف عما يحدث بهيئات المجتمع المدني، ألا ترى أن العمل الجمعوي أصبح أصلا تجاريا للكثير من المعارضين؟
أتفق تماما مع هذا الرأي. لن نتمكن من الإقناع بضرورة القطع مع الرشوة والمحسوبية والريع واستغلال النفوذ، ما دمنا لم نبرهن أن لنا قدرة وعزيمة ونماذج للسلوك القويم. ولطالما ادعى الفاسدون أن منتقديهم ليسوا أحسن منهم، بل فقط هم متطلعون لقسطهم من الكعكة. ويقال إن مسؤولا كبيرا صرح مرة لرجاله أن لا مجال لإقناع العموم أن رجال المخزن ليسوا فاسدين، سوى بالبرهنة على أن كل “النخب” فاسدة.
لذا أرى أن واجب النخب الصاعدة ليس ادعاء الطهرانية، بل إقامة الآليات والمساطر التي ستؤدي إلى قطع الطريق على السلوكات المشينة وفضحها وردعها بكل الصرامة المطلوبة، وفضح العناصر المتورطة والعمل على معاقبتها وإقناع الرأي العام بوعينا بالمخاطر وبكفاءتنا في التصدي لها.
- كيف ليساري أن يدافع عن التحالف مع مؤسسات مالية دولية؟
أنا لا أدافع عن تحالف هذه المؤسسات، بل أعتبر أن لها مسؤولية في دعم سياسات وبنيات لا ديمقراطية ولا شعبية، لكن هذا لا يلغي أن العديد من تحليلاتها تتضمن حقائق وتستدعي تغييرات هيكلية لا يمكن إلا أن أتفق معها، وأن أعتبرها عنصرا إيجابيا في الدفع ببلدنا إلى العقل والفكر الاستراتيجي والحكامة الجيدة. لكن هذا لا يلغي أن خطابنا اليساري والقومجي حول البنك الدولي كان ولازال إلى حد ما هروبا من تحمل المسؤولية.