
تصدير : «هذه الأراضي الجيّدة من أملاك الدولة يستأجرها الأغنياء ببدل بخس وحتى دون مقابل تقريبا. وهؤلاء الأغنياء يستأجرون من هذه الأراضي الآلاف وعشرات الآلاف من الديسيتينات لكي يؤجّروها بدورهم إلى الفلاحين ببدلات باهضة. يقينا أنّهم ناصحون أردياء هؤلاء الذين ينصحون الفلاح قائلين أنّ أملاك الدولة تشتمل على كثير من الأراضي. ولكنّ الواقع يبيّن أنّ الكثير من الأراضي الجيّدة هي في أيدي كبار الملاّكين الخصوصيين وأنّ هؤلاء الملاكين الكبار يضعون أيديهم حتّى على أملاك الدولة. وطالما أنّ الفلاحين الفقراء لا يتّحدون لكي يصبحوا بإتحادهم قوّة هائلة ، فإنّ الدولة ستضلّ أبدا الخادم الذليل لطبقة الملاكين العقاريين». – لينين – إلى الفلاحين الفقراء ، المجلّد السابع
1. الإصرار على منوال تنموي لاوطني ولاديمقراطي ولاشعبي يدلّ على طبيعة النظام الرجعي العميل
لا شكّ بأنّ كلّ القراءات الموضوعيّة وكلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ ما حصل في تونس سنة 2011 هو إنتفاضة وليس بثورة. إنّها إنتفاضة عظيمة توسّعت في الزمان (من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي وتتواصل إلى الآن ولو بتقطع ووتيرة ضعيفة) وتوسّعت في المكان (عمّت كلّ مدن وقرى القطر) وهي إنتفاضة جبارة كتبت بدماء الشهداء والجرحى (مئات الشهداء وآلاف الجرحى) لكنّها لم تستكمل عناصر ومستلزمات الثورة أو كما يقول خليل خوري “إنّها مجرّد حراك شعبي لم يستكمل بعد شروط الثورة” بإعتبار وأنّه لم يحصل تغيير جذري بإبعاد التحالف الطبقي الحاكم (البورجوازية الكمبرادوريّة والإقطاع وشريحة البيروقراطية) عن السلطة. فكل ما حصل هو هروب أو لنقل بوضوح تهريب رأس النظام والبعض من عصابته خارج القطر حيث من المعروف أنّ الطبقة/الطبقات الحاكمة يمكن أن تتخلّى بسهولة عن الأفراد في حالة مدّ ثوري لكنّها لا تتخلّى إلاّ بالعنف الثوري عن السلطة. وكما يقول كارل ماركس في معرض حديثه عن عمليّة تحويل أسلوب الإنتاج الإقطاعي إلى أسلوب إنتاج رأسمالي «العنف هو داية كل مجتمع قديم حامل بمجتمع جديد».
فقد سبق وأن كتبنا وقلنا وأكّدنا (أنظر دراستنا الصادرة بجريدة الشعب في 6 حلقات خلال شهري جويلية وأوت بداية من العدد 1135 وحتى العدد 1144 تحت عنوان “المطلوب منوال تنموي أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد ؟ : القطاع الفلاحي نموذجا”.) بأنّ للثورة شرطان إثنان : وجود قيادة ووجود برنامج.
ويكفي القيام بقراءة لمجريات وصيرورة كل الثورات التي حدثت عبر تاريخنا الحديث من الثورة البورجوازية إلى الثورة الإشتركية لنتأكّد بأنّ هناك صراع بين طبقتين متضادّتين (الإقطاع والرأسمالية في الحالة الأولى والطبقة العاملة والرأسمالية في الحالة الثانية) وكل طبقة يعبّر عنها ويمثّلها حزب أو جبهة سياسية (ما سميناه بـ “القيادة السياسية”).
وتكون أهداف “القيادة” إمّا القضاء على الإقطاع وبالتالي التحرّر من العلاقات الإقطاعيّة وتغييرها بعلاقات إنتاج رأسمالية يكون السوق هو محرّكها الأساسي من أجل تصريف منتوجات المصانع الرأسمالية في حالة الثورة البورجوازية أو القضاء على الإستغلال الطبقي عبر إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ونقل ملكيتها إلى الطبقة العاملة في حالة الثورة الإشتراكية (وهذا ما سميناه البرنامج).
لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك فإنّه ما من ثورة إجتماعية حصلت عبر التاريخ ولم يقدها حزب منظّم ومسلّح بنظريّة ثورية ، “لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثوريّة”. أمّا تنفيذ البرنامج الذي تحدثنا عنه – أي القضاء على سيطرة الطبقة الرأسمالية على وسائل الإنتاج عبر القضاء على الدولة البرجوازية – فإنّه مرتبط أيضا بإعتماد العنف الثوري كوسيلة لتحقيق ذلك الهدف وليس كغاية في حدّ ذاته بإعتبار وأنّ الطبقة/الطبقات الحاكمة لن تتنازل بسهولة عن إمتلاكها لوسائل الإنتاج وعن إمتيازاتها وعن سلطتها بل ستستشرس في الدفاع عن ذلك ولو سال حمّام من الدمّ (أنظر ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن). لكنّ الطبقة/الطبقات الحاكمة يمكن ان تقدّم – بتوصيات أو تحت ضغط القوى الإمبريالية التي تتحكّم فيها – بعض التنازلات لإمتصاص غضب المنتفضين من ناحية ومن اجل قطع الطريق أمام ذلك الحراك الشعبي حتى لا يتحوّل إلى ثورة كلّ ذلك طبعا دون المساس من جوهر السياسات المرتهنة بالدوائر الإمبريالية التي تتحكّم في مصائر الشعوب والامم المضطهدة وهو ما حصل فعلا في تونس حيث تخلّى رأس النظام العميل عن السلطة دون أن تتغيّر تركيبة التحالف الطبقي الحاكم.
فلا وجود لثورة إذا بدون “هدم القديم وبناء الجديد” أي بدون ظهور علاقات إنتاج جديدة تخدم مصلحة الطبقة العاملة والفلاحين (برنامج ثوري) ولا وجود لثورة بدون حزب نوعي قادر على الإطاحة بالنظام القديم والإستلاء على السلطة عبر العنف الثوري (قيادة ثورية). وهذا يعني بالضرورة أنّ هناك إنتقال من نظام إجتماعي إلى نظام إجتماعي آخر وهو ما لم يحصل في تونس.
بعد أن حدّدنا طبيعة ما حدث في تونس وبيّنا بأنّها إنتفاضة وليست بثورة ، فإننا نؤكّد بأنّ منوال التنمية هو أقصى ما يمكن أن تنجزه الإنتفاضة أمّا الإختيارات الإقتصادية الجديدة فهي نتيجة حتمية للثورة التي وكما سبق وأن قلنا تؤدّي بالضرورة إلى التغيير الجذري للأوضاع وقلبها رأسا على عقب. إذا أقصى ما يمكن أن يحدث ، في ظل هذا الوضع ، هو بعض الإصلاحات التي لن تخرج عن الإطار العام للإختيارات الإقتصادية والإجتماعية اللاوطنية واللاشعبية المملاة من طرف دوائر النهب الإمبريالي أي في نهاية الأمر مجرّد بعض التزويقات للمنوال التنموي السّائد.
فكما بيّنا آنفا فإنّ النظام مرتبط عضويا بالدول الإمبريالية وبالتالي بالإحتكارات العالمية المالية منها والإقتصادية ممّا يجعل شعبنا وطبقاته الكادحة لا يتحكّم في مصيره ويعيش الإستغلال الطبقي والإضطهاد الإمبريالي اللّذان نغّصا عيشه على جميع المستويات وتسببا ولا يزالان في بؤسه وشقائه وفقره.
فالإقتصاد التونسي مرتبط ومتشابك مع الإقتصاد الإمبريالي المعولم عبر البرامج والإتفاقيات المملاة من طرف الدول والدوائر الإمبريالية (مؤسسات بريتون وودز ، المنظمة العالمية للتجارة ، مجموعة الدول الثمانية ، مؤتمر دافوس …) التي يمكن أن نذكر منها برنامج الإصلاح الهيكلي للإقتصاد (الذي تسبّب في مآسي لا تحصى ولا تعدّ للقطاع الإقتصادي) وإتفاق الشراكة الشامل والمعمّق مع الإتحاد الأوروبي الذي سيمثّل فرصة للإنقضاض على القطاعين المتبقيين “الفلاحة والخدمات” إضافة إلى تركيز مناطق للتبادل الحر (ZLE)ومناطق التجارة الحرّة (ZFE) .
2. الحجم الحقيقي للأراضي الدوليّة وأهمّ إشكاليّاتها
في البداية يجب التأكيد على ضرورة التفريق بين الأراضي الدولية في المطلق والأراضي الدولية الفلاحية. فمن ناحية الكم تعتبر حوالي نصف مساحة تونس (حوالي 8 ملايين هك) أراض دوليّة موزّعة كما يلي :
– حوالي 6 ملايين هك صحاري وسباخ وجبال
– حوالي 1 مليون هك غابات
– حوالي 1 مليون هك أراض فلاحية وغير فلاحية منها حوالي 500 ألف هك أراض تحت تصرّف أو إشراف ديوان الأراضي الدولية والبقيّة إمّا مسندة إلى الإدارات المحلّية والجهوية والمركزية أو يقع التصرّف فيها دون تسوية (أراض غير فلاحية وتعدّ ببضعة الآلاف من الهكتارات) أو مسندة إلى الخواص حسب أمر سنة 1948 وقانون سنة 1970 (عشرات الآلاف من الهكتارات) أو مستغلّة بطريقة عشوائيّة من الخواص (مئات الآلاف من الهكتارات).
وإذا خصّصنا على الأراضي الفلاحية ومن خلال ما سبق فإنّ الأراضي الدولية مثّلت بعد خروج الإستعمار مساحة تساوي حوالي 828 ألف هكتار (حوالي 745 ألف هكتار “متونسة” وحوالي 83 ألف هك من أراضي الأحباس) وقع التفويت أو البيع في حوالي 40 % منها من طرف نظام بورقيبة سنة 1970 وبالتالي لم يتبقّى إلاّ حوالي 500 ألف هكتار (497 ألف هك بالضبط حسب أرقام وزارة الفلاحة) موزّعة كما يلي :
– 90 الف هك شركات احياء وتنمية فلاحية
– 68 الف هك مسترجعة وفي عهدة ديوان الاراضي الدولية بصفة ظرفية
– 54 الف هك مقاسم فنية موزّعة على 866 مهندس فلاحي
– 30 الف هك مقاسم فلاحين شبان ومتعاضدين موزّعة على 5900 فلاح
– 32 الف هك قطع مشتتة مسوغة للخواص
– 33 الف هك غابات وأراضي تعويضات ومتفرقات
– 157 الف هك تحت تصرف ديوان الاراضي الدولية منها 54 في المائة مراعي وغابات
– 18 الف هك تحت تصرف الوحدات التعاضدية للانتاج الفلاحي
– 15 الف هك تحت تصرف هياكل البحث والارشاد والتكوين المهني الفلاحي والتعاضديات المركزية
لكنّ الشيء الذي يجب التأكيد عليه أنّ كلّ هذه الأرقام هي أرقام تقريبية لأنّه لم يقع إلى حدّ اليوم التأكّد من الحجم الحقيقي لملك الدولة الخاص إضافة إلى تضارب الأرقام بين وزارتي الفلاحة وأملاك الدولة وهذا يطرح إشكالية أخرى تتعلّق بإزدواجية الإشراف على المسائل العقارية (أنظر مقالنا بعنوان “كيف السبيل لإعادة هيكلة الأراضي الدولية خدمة لجماهير الكادحين في الريف التونسي ؟” الصادر بجريدة الشعب بالعددين 1354 و1355 لشهر نوفمبر 2015). إضافة إلى ذلك فإنّه يجب التأكيد على أنّ ملك الدولة الخاص يحتوي على وضعيات جدّ متشعّبة تتمثّل خاصّة في :
– أراض على الشياع بين الدولة والخواص في عديد الجهات مثل أرض شط الفريك بقابس.
– أراض دولية غير مشمولة بالجرد ولم تكتشف الدولة أنّها على ملكها إلاّ بعد إنتفاضة 17 ديسمبر/14 جانفي مثل هنشير سيدي الهاني بسوسة.
– أراض دولية غير مسجّلة ومستغلّة من طرف الخواص مثل القطعة رقم 10 بقفصة التي تمسح 17 ألف هك.
– أراض دولية لم يتمكّن ديوان الأراضي الدولية من التحوّز بها إلى اليوم مثل هنشير راس المرج بالمنستير بسبب إستغلاله عشوائيا من طرف الخواص.
– أراض دولية مسجّلة ومستحوذ عليها من طرف الخواص دون تسوية سواء بالبناء (آلاف الهكتارات بكل المدن التونسية تقريبا) أو بالإستغلال الفلاحي (مئات الآلاف من الهكتارات منها على سبيل الذكر لا الحصر 80 ألف هك بصفاقس تعرف بأرض السيالين).
– ولاية توزر التي تمسح 287 559 هكتار (منها 061 326 هك أراضي صالحة للزراعة و226 233 هك صحاري وسباخ) تمثّل فيها الأراضي الدولية حوالي 97 % بالتمام والكمال أي أنّ الأراضي الخاصة بها لا تمثّل إلاّ حوالي 17 ألف هك فقط منها 9000 هك واحات ولم يقع إلى اليوم حلّ هذا الإشكال العويص الذي يعيق التنمية بالجهة وهي وضعية تدعو إلى الإستغراب الشديد. وللتذكير فإنّ وجود ملك دولة غير مسجّل هو ممارسة واعية كرّسها النظام العميل عن سوء نيّة ليسهل له التصرّف فيه إمّا بالتفويت في تلك العقارات لكسب الأنصار مثلما فعل بورقيبة سنة 1970 أو لتوزيعه على العائلة المافيوزية مثلما فعل بن علي فيما بعد.
3. الدور الإستراتيجي لديوان الأراضي الدوليّة : ساهم ويساهم في توفير الغذاء الأساسي وإنتاج البذور الممتازة وتعديل الأسعار
ديوان الأراضي الدولية هو منشأة عمومية محدثة بمقتضى المرسوم عدد 61-15 بتاريخ 30 سبتمبر 1961 والمنقّح بالقانون عدد 2 المؤرّخ في 9 جانفي 1962 وكذلك القانون عدد 26 المؤرّخ في 7 ماي 1973 وهي تخضع لإشراف وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري. وتتمثّل مهام الديوان في :
– التصرف في الأراضي الموضوعة على ذمّته وإحيائها وفقا لمتطلبات الإستغلال الأمثل
– تنويع الإنتاج الفلاحي وإدخال التقنيات الحديثة
– تنمية الإنتاج الفلاحي وإكسابه القدرة التنافسية داخليا وخارجيا
– دفع التصدير بتنويع الأسواق الخارجية وإستقطاب الإستثمار الخارجي ودعم االشراكة
يتصرّف ديوان الأراضي الدولية بصفة مباشرة في مساحة تقدّر بحوالي 157 ألف هكتار موزعة على 13 ولاية ومقسّمة إلى 30 وحدة إنتاج موزّعة كما يلي : 25 مركبا فلاحيا وثلاث (3) مراكز لتربية الدواجن ووحدتان صناعيتان (2).
جدول توزيع وحدات الإنتاج حسب الجهات
إسم المركّب/الوحدة المعتمدية/
الولاية المساحة/ طاقة الإنتاج
1. مركز إنتاج الخمور والمقطّرات تيبار باجة 7 آلاف هكتولتر في السنة
2. المركّب الفلاحي تيبار تيبار باجة 2704 هكتار
3. معمل العلف بالنفيضة النفيضة سوسة 20 ألف طن في الساعة
4. مركز الدواجن بالنفيضة النفيضة سوسة – دجاج اللحم : 200 ألف دجاجة في الدورة الواحدة
– دجاج البيض : 20 ألف دجاجة في السنة
– مذبح للدجاج : 1000 دجاجة في الساعة
5. المركّب الفلاحي بالنفيضة النفيضة سوسة 8894 هكتار
6. مركز الدواجن قبّة النور قرمبالية نابل 300 ألف طير لحم في الدورة الواحدة
7. المركّب الفلاحي مريسة تاكلسة نابل 594 هكتار
8. المركّب الفلاحي الإنطلاقة بني خلاد نابل 1534 هكتار
9. المركّب الفلاحي بتاكلسة تاكلسة نابل 3891 هكتار
10. المركّب الفلاحي خيام حشاد قرمبالية نابل 507 هكتار
11. المركّب الفلاحي واد الدرب سبيطلة القصرين 4030 هكتار
12. المركّب الفلاحي الخضراء سبيطلة القصرين 940 10 هكتار
13. المركّب الفلاحي جلمة جلمة سيدي بوزيد 3588 هكتار
14. المركّب الفلاحي الطويلة سيدي بوزيد 039 14 هكتار
15. المركّب الفلاحي الإعتزاز منزل بوزيان سيدي بوزيد 1786 هكتار
16. المركّب الفلاحي الشعّال الغريّبة صفاقس 829 31 هكتار
17. المركّب الفلاحي بوزويتة منزل شاكر صفاقس 001 15 هكتار
18. المركّب الفلاحي السلامة منزل شاكر صفاقس 667 18 هكتار
19. المركّب الفلاحي بئر علي بئر علي بن خليفة صفاقس 4052 هكتار
20. المركّب الفلاحي الغزالة ماطر بنزرت 5572 هكتار
21. مركز الدواجن راس العين ماطر بنزرت – 20 مدجنة لطيور البيض ذات سعة 400 ألف طير
– وحدة تبريد سعة 3 ملايين بيضة
22. المركّب الفلاحي العلم السبيخة القيروان 8386 هكتار
23. المركّب الفلاحي بدرونة بوسالم جندوبة 1724 هكتار
24. المركّب الفلاحي الكدية بوسالم جندوبة 2831 هكتار
25. المركّب الفلاحي شمتو غار الدماء جندوبة 434 هكتار
26. المركّب الفلاحي محسن ليمام الكريب سليانة 2618 هكتار
27. المركّب الفلاحي الرمليّة سليانة 2750 هكتار
28. المركّب الفلاحي السند السند قفصة 2905 هكتار
29. المركّب الفلاحي سيدي شمّاخ جرجيس مدنين 5213 هك
30. المركّب الفلاحي برج العامري برج العامري منوبة 1093 هكتار
في المحصلة الثلاثين وحدة إنتاج التي يحويها الديوان تتعاطى مختلف الأنشطة الفلاحية النباتية منها والحيوانية كما تتولّى عمليات خزن وتحويل وتسويق وتصدير المنتوجات الفلاحية. طاقة إنتاج هذه الوحدات تحتوي على :
– 500 18 هكتار من الزراعات الكبرى (7000 هك حبوب ، 10500 هك زراعات علفيّة و1000 هك بقوليات) حيث يساهم الديوان في تنمية وتطوير قطاع الحبوب بإنتاج البذور الممتازة ذات الإنتاجية العالية إذ يوفّر حوالي 30 % من حاجيات الفلاحين في القطر
– 000 68 هكتار أشجار مثمرة (60000 هك زيتون و8000 هك أنواع أخرى مثل اللوز والفستق والتفاح والخوخ والقوارص). وللذكر لا الحصر يساهم الديوان بحوالي 8000 طن من الزيت (ذو الجودة العالية) في السنة أي ما يقارب 10 % من الإنتاج الوطني.
– 500 هكتار خضروات
– 000 70 هكتار مراعي وغابات
أمّا وسائل الإنتاج فهي موزّعة كما يلي :
– 5000 بقرة حلوب
– 1300 عجل تسمين
– 34000 نعجة
– 1.250 مليون طير لحم
– 500 ألف طير بيض
– 96 بئر سطحية
– 65 بئر عميقة
– 2 بحيرات جبلية
– 25 معصرة زيتون (منها معصرة من أحدث المعاصر في القطر)
– 1 مذبح دواجن
– 1 محطة لف وتكييف
– 2 محطات تجفيف الطماطم
– 2 مجابن
– 4 معامل علف
– 1 معصرة خمور
– 30 ورشة ومركز صيانة
– 11 بيوت تبريد
– 410 بيوت محمية
كل هذه الإمكانيات تجعل من ديوان الأراضي الدوليّة يقوم بأدوار عدّة :
– دور إقتصادي وإجتماعي هام خاصة فيما يتعلّق بتشغيل اليد العاملة في المناطق الداخلية حيث يشغّل الديوان 9928 عونا من بينهم 700 مهندس وفني فلاحي أي بنسبة تأطير تساوي أكثر من 14 % وهي نسبة هامّة جدّا لم يحصل أن حققها أي مستثمر خاص
– مركز إشعاع على المحيط المجاور للمركبات الفلاحية
– مساهمته بنسبة 30 % من الإنتاج الوطني لبذور الحبوب الممتازة بالإضافة إلى مساهمته بشكل فعّال في البرنامج الوطني لإكثار وتكثيف إنتاج بذور مادّة البطاطا وبعض الأصناف من البذور العلفيّة
– مساهمته في معاضدة مجهود الدولة في تعديل السوق من خلال تكوين مخزونات من المواد الفلاحية الحسّاسة كالبطاطا والبيض واللحوم البيضاء والحمراء
– دوره في تعهّد وإستغلال الضيعات والمقاسم المسترجعة (حوالي 70 الف هكتار).
طبعا هذه الأدوار مجتمعة لا تعني المستثمرين الخواص تونسيين كانوا أم أجانب ولن يلتزموا مطلقا بها.
4. قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص آلية ليبرالية لن تزيد إلاّ في تعميق العجز الذي يعيشه الميزان التجاري
تطبيقا للقانون عدد 49 لسنة 2015 المؤرّخ في 27 نوفمبر 2015 والمتعلّق بعقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، أمضى يوم 25 أفريل 2017 وزير الفلاحة وكاتب الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية “كراس الشروط الخاص بكراء المركّبات الفلاحيّة لبعث مشاريع فلاحيّة في إطار شراكة بين مستثمرين خواص تونسيين وأجانب وديوان الأراضي الدولية”.
لن نأتي بجديد إذا قلنا بأنّ هذا القانون هو ليس سوى آليّة من الآليات الليبرالية المستعملة من أجل الإجهاض على ما تبقّى من المنشآت والمؤسسات العمومية وما تجربة شركات الإحياء والتنمية الفلاحية (التي سنتعرّض لها لاحقا) والتي على أساسها وقعت هيكلة ديوان الأراضي الدولية منذ سنة 1982 وبلغت أوجها بعد صدور قانون 1988 إلاّ دليل على ما نقول رغم أنّ تقنين هاته الآلية لم يحصل إلاّ أخيرا بإصدار القانون المذكور. طبعا المنظّرون لهذا القانون ، وكعادتهم في محاولة تمرير القوانين الليبرالية الشرسة ، يعمدون إلى المغالطة والكذب واللف والدوران لمحاولة إقناعنا بصواب رؤاهم وبرامجهم.
غير أنني أريد أن أبيّن أنّ هذا القرار وقع إتخاذه تطبيقا لإحدى الفرضيات الثلاث التي إقترحتها الدراسة المنجزة من طرف المركز الوطني للدراسات الفلاحية حول تطوير أداء الأراضي الدولية التابعة للديوان والتي كانت كالتالي :
– الفرضيّة الأولى : المحافضة على المهام الحالية للديوان مع إدخال تعديلات وإصلاحات تعنى بالتصرّف المحوكم مع دعم اللامركزية في التصرف من خلال إعطاء المزيد من الإستقلالية لوحدات الإنتاج (أي مواصلة الديوان التصرّف في كلّ وحدات الإنتاج الموجودة تحت تصرّفه مع إحكام الحوكمة والحدّ من المركزية الحالية)
– الفرضيّة الثانية : إعتماد آلية الشراكة كصيغة جديدة للإستغلال والتصرّف في مختلف وحدات الإنتاج بين الديوان ومستثمرين خواص تونسيين وأجانب (أي تخلّي الديوان عن التصرّف في كلّ الوحدات الإنتاجية لصالح الخواص)
– الفرضيّة الثالثة : إعادة تنظيم هيكلية الديوان مع تحديد مهامّه في إتجاه لعب دورين :
* أولا كمتدخّل إقتصادي من خلال الإستغلال المباشر لمجموعة من وحدات الإنتاج خاصة منها ذات القدرة التنافسية الكافية (علما وأنّ الدراسة أبرزت أنّه من جملة 25 مركّب فلاحي لا توجد إلاّ أربعة مركّبات ذات قدرة تنافسيّة ضعيفة بصفة هيكلية.
* ثانيا كشريك ومراقب فني على مستوى بعض وحدات الإنتاج الأخرى أو الأنشطة الإقتصادية داخلها (أي موصلة الديوان التصرّف في أغلب الوحدات الإنتاجية والتخلي عن البعض منها فقط للخواص)
طبعا وقع الإختيار على الفرضيّة الأسهل أي وضع كل وحدات الإنتاج للديوان (وعددها 30) لقمة سائغة للرأس مال الجشع. لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك لم يفصح أصحاب هذا المشروع الليبرالي عن الدوافع التي جعلتهم يختارون الفرضيّة الثانية سيّئة الذكر.
كرّاس الشروط المذكور أعلاه والملاحق التابعة له إضافة إلى محضر الدورة الأولى لمجلس إدارة الديوان لموسم 2015/2016 ليوم 5 نوفمبر 2015 فضحا الرؤية الليبرالية الشرسة التي تقود واضعيه. وسنأخذ بعض الأمثلة لتبيان ذلك :
– أوّلا ، تغوّل المستثمرين الخواص : فيما يتعلّق بالشركة التي ستحدث المشروع ، نصّ الملحق عدد 7 المتعلّق بـ “إتفاقية شراكة بهدف إحداث شركة خفيّة الإسم لبعث مشروع فلاحي مندمج على مركّب فلاحي تابع لديوان الأراضي الدوليّة” على أنّ رأس مال الشركة متكوّن من أسهم إسميّة يمسك منها الشريك (أي المستثمر التونسي أو الأجنبي) 66 % والديوان 34 % فقط. هكذا !!!
علاقة الشراكة هذه المختلّة لفائدة المستثمر الخاص تجعله يتصرّف بكلّ حرّية ودون قيد أو شرط في تسيير الشركة تماما مثلما يحدث في كلّ الشركات خفيّة الإسم. وطبعا لن يلتزم المستثمر الذي يبحث عن الربح الأقصى بكراس الشروط ولا بمخطّط الإنتاج ولنا في تجربة شركات الإحياء والتنمية الفلاحية خير دليل على ما نقول. وأول ما سيقوم به المستثمر الخاص هو الضغط على التكلفة (أي تجسيد العقلية البورجوازية المتمثّلة في الربح الأقصى مقابل التكلفة الدنيا) وطبعا الحل السهل هو طرد العمّال والفنّيين وعدم التقيّد بالمعايير الفنّية المتعلّقة بالعدد اللازم للعمّال في الهكتار الواحد السقوي (4 عمّال) والهكتار البعلي (عامل واحد). أمّا من تبقّى منهم (أي الحدّ الأدنى) وإضافة إلى الإستغلال الفاحش الذي سيتعرّضون له فيما تعلّق بحجم العمل فإنّهم لن يحصلوا على نفس الأجور والإمتيازات التي كان يوفّرها لهم الديوان. علما وأنّ ما قلناه أعلاه يؤكّده ما ورد بالدراسة المذكورة التي لم تتعرّض للإنعكاس المالي للفرضيّة الثانية (التي وقع إختيارها) – خلافا للفرضيّة الأولى والثالثة اللّتان وقع تقييم إنعكاسهما المالي – وإذا عرفنا السبب بطل العجب كما يقال إذ ورد في محضر الدورة الأولى لمجلس إدارة الديوان ما يلي : «تجدر الإشارة أنّه بالنسبة للفرضيّة الثانية لم يتمّ تقييم الإنعكاس المالي والإجتماعي لها بإعتبار أنّ هذا التمشّي مرتبط بإقرار ضوابط ومقاييس واضحة ومتّفق عليها لعمليّة التطهير أو الإدماج الإجتماعي في القطاع الخاص تقوم على مبدأ تشاركي وتوافق واسع بين جميع الأطراف المتدخّلة في اخذ القرار». فهل هناك وضوح أكثر من هذا على أنّ النيّة مبيّتة لطرد العمّال ؟ وإلاّ فماذا تعني كلمة تطهير غير الطرد الذي يجب أن توافق عليه الأطراف المتدخّلة والمقصود هنا الإتحاد العام التونسي للشغل حسب منطق أصحاب هذا المشروع الليبرالي ؟
ثانيا ، فتح الباب واسعا أمام المحاباة والرشوة والفساد : فيما يتعلّق بتقييم الدراسات الفنّية والإقتصاديّة ، نصّ الفصل 18 من كراس الشروط على تولّي لجنة فنّية محدثة بمقتضى مقرّر مشترك من قبل الوزيرين المكلفين بالفلاحة وأملاك الدولة تقييم الدراسات الفنّية والإقتصاديّة وتمنح النقاط حسب المعايير التالية :
المعايير العدد الأقصى
ملائمة المكونات المادية للمشروع مع التوجهات الإنمائيّة 35
حجم الإستثمار 20
تثمين وترويج وتصدير المنتوجات 20
التشغيل 15
إعتماد تكنولوجيا حديثة 10
إنّ الذي يتمعّن في هذا الجدول بعد أن يقرأ ما جاء بالصفحة الأولى من كراس الشروط والواردة تحت إسم “الإطار العام” يصاب بالذهول والتعجّب.
فالأهداف التي وقع التأكيد عليها في الإطار العام تتمثل في :
1. تطوير أداء المركبات الفلاحية من خلال التركيز على خصوصيات كل مركّب فلاحي
2. جلب التقنيات الحديثة وتطوير وسائل العمل وأساليب الإنتاج
3. إستقطاب الإستثمار الخاص المباشر قصد المساهمة في تنفيذ الإستراتجيات الوطنية
4. الإستفادة من كفاءة المستثمرين الخواص في التصرف والتسيير والترويج بالأسواق الخارجية
5. بعث مشاريع مبتكرة وذات قيمة مضافة عالية
يعني أنّ ثلاث أهداف من الأهداف الخمسة المذكورة أعلاه (الأهداف 1 و2 و5) مرتبطة بـ “إعتماد التكنلوجيا الحديثة” التي أسند لها عدد 10 من 100 فقط في جدول المعايير بينما أسند أكثر عدد (35 من 100) إلى شيء مبهم إسمه ” ملائمة المكونات المادية للمشروع مع التوجهات الإنمائيّة”.فعن أيّة “توجهات إنمائيّة” يتحدّث المشرّع الهمام ؟ وهل يمكن تحديد هاته التوجّهات بسهولة ؟ نحن لا نرى في هذا المعيار غير مدخل للفساد والرشوة بمواصلة توزيع الأراضي الدوليّة على أصحاب النفوذ والمقرّبين من الأحزاب الحاكمة خاصّة.
ثالثا ، فضيحة حرمان ميزانيّة الدولة من مداخيل هامّة وتحويلها للحسابات البنكيّة للمستثمرين الخواص : فيما يتعلّق بتمويل برنامج الإستثمار ، قدّرت الدراسة التي تحدثنا عنها برنامج الإستثمار الذي يجب تنفيذه “لإنقاذ” الديوان بمبلغ يساوي 125 مليون دينار أي نعم 125 مليار من المليمات فقط. فهل عجزت الدولة عن توفير هذا المبلغ الزهيد لإنقاذ الديوان بينما دفعت للقطاع الخاص في إطار قانون إنقاذ المؤسسات التي تشكو صعوبات إقتصاديّة منذ سنة 2008 آلاف المليارات ؟ قطعا لا لكنّ شريحة البيروقراطيّة التي تسيّر دواليب الدولة تريد خدمة الطبقات الرجعية الحاكمة وليس خدمة الشعب.
فالذي يقرأ الإنعكاسات الماليّة للفرضية الأولى الواردة في الدراسة المذكورة يصاب بصدمة ما بعدها صدمة. تصوّروا أنّ تنفيذ الفرضيّة (أي مواصلة الديوان التصرّف في وحدات الإنتاج مع إتخاذ بعض القرارات ذات الطابع الإجرائي والتي لا تتطلّب تدخّلا ماليّا كبيرا مثل الحوكمة واللامركزية) يمكّن من تطوّر مداخيل الديوان بمبالغ تتراوح بين 216 و243 مليون دينار سنويّا مع هامش ربح خام سنوي يترواح بين 50 و62 مليون دينار (علما وأنّ مداخيل الديوان الحاليّة تساوي حوالي 120 مليون دينار). والسؤال الذي يطرح نفسه بكلّ إلحاح هو “لماذا كلّ هذا الإصرار على إختيار الفرضيّة الثانية (التي ستمكّن المستثمرين الخواص الذين سيربحون أكثر بكثير من المبلغ المذكور لأنهم سيقومون بالضغط على المصاريف عبر طرد العمّال والتقليص من مكتسباتهم) وتحويل هذه المبالغ الماليّة الهامّة للحسابات البنكية للمستثمرين الخواص” ؟ علما وأنّ هؤلاء لن يدفعوا للدولة سوى مبلغ كراء زهيد جدّا.
تصوّروا أنّ كراء هكتار واحد من المراعي والغابات لا يفوق دينار واحد فقط في السنة (أي نعم دينار واحد للهكتار في السنة) وإذا علمنا بأنّ هناك 78 ألف هكتار مراعي وغابات فإنّ معلوم كراء حوالي نصف المساحة لن يفوق 78 ألف دينار في السنة. هكذا !!! علما وأنّ كراء هكتار أرض صالحة للزراعة (أرض بعلية أو أشجار مثمرة) يختلف من تواجد الأرض في مناخ رطب أو جاف ويتراوح بين ما يوازي ثمن قنطار واحد وعشرة قناطير قمح صلب في السنة (ثمن قنطار ق ص يبلغ 53 دينار).
هذا إذا إلتزموا بالدفع لكنّ تجربة شركات الإحياء تؤكّد عكس ذلك إذ يتعامل المستثمرين الخواص مع ملك الدولة بعقليّة “رزق البيليك”. فشتّان بين ما كانت ستجنيه الدولة من مواصلة الديوان التصرّف في الأراضي وبين التفريط فيها للمستثمرين الخواص. علما وأنّ الديوان يدفع حاليّا لميزانيّة الدولة ما قدره 600 ألف دينار شهريّا بعنوان التصريح الشهري للضرائب وقسط الديون المجدولة أي ما يساوي 7.2 مليون دينار بالتمام والكمال سنويّا فهل هناك أي وجه للمقارنة بين إحتفاظ الدولة بالأراضي الدولية وبين التفريط فيها للمستثمرين الخواص ؟
5. لماذا لم تستخلص الدولة الدروس من فشل تجربة شركات الإحياء والتنمية الفلاحية (SMVDA) ؟
لقد أكّدنا في دراسات سابقة بأنّ إصدار القانون الخاص ببعث شركات الإحياء والتنمية الفلاحيّة حوّل الأراضي الدوليّة من خدمة الشعب إلى فريسة سهلة للمافيا فلماذا تصرّ الحكومة الحاليّة على مواصلة هذا النهج الذي أثبت فشله الذريع.
فرغم أنّ بعث أوّل شركة للإحياء والتنمية الفلاحية حصل سنة 1982 تطبيقا لمجلة الإستثمارات الفلاحية مثلما أشرنا سابقا فإنّ الإطار القانوني لبعث مثل تلك الشركات لم يظهر إلاّ بصدور الأمر عدد 226 المؤرّخ في 4 مارس 1983 المتعلّق بضبط شروط إحياء الأراضي الدولية الفلاحية من طرف شركات الإحياء والتنمية الفلاحية لكنّ النقلة النوعية حصلت بعد إصدار الأمر عدد 1172 المؤرّخ في 18 جوان 1988 والمتعلّق بشروط إستغلال الأراضي الدولية من طرف شركات الإحياء والتنمية الفلاحية والذي أعطى إمتيازات جديدة للمستثمرين وسهّل في إجراءات الإنتصاب وهو ما إستغّله نظام العميل بن علي ليوزّع الأراضي الدولية على حاشيته والعائلات المافيوزية التي كانت تحيط به حيث كان يشرف بنفسه على عمليات الإسناد تلك وقد وضعت المافيا يدها على 30 شركة من ضمن 240 شركة سنة 2010 على مساحة تقدّر بـ 12000 هك. ومرّت بذلك مساحة الأراضي الدولية الموضوعة على ذمة شركات الإحياء من حوالي 87 ألف هك سنة 1995 إلى أكثر من 250 ألف هك سنة 2010. ويمكن القول أنّ أكبر إجرام حصل للأراضي الدولية هو عند بعث تلك الشركات التي إستفاد منها كبار الموظفين المدنيين والعسكريين وأفراد العائلة المالكة والباحثين عن الربح السهل والذين لا شيء يربطهم البتّة بالفلاحة ولا يملكون أدنى خبرة زراعية.
فشل تام لتجربة شركات الإحياء والتنمية الفلاحية:
لقد مثّل التطبيق الدغمائي للسياسات الليبرالية المملاة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بعد تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي “سيّء الصيت” دليلا آخر على عمالة النظام وإستخفافه بالملك العمومي. فبعد أن كانت الأراضي الدولية تمثّل دخلا قارّا للدولة وتلعب دور المعدّل لأسعار الغذاء الأساسي بالإنتاج الذي كانت توفّره (لحوم بيضاء وحمراء ، زيوت ، حبوب ، حليب ، بطاطا…) أصبحت اليوم عبئا كبيرا على الدولة فلا الدخل أصبح مضمونا (ديون كبيرة جدّا متخلّدة بذمّة أصحاب تلك الشركات) ولا الإنتاج ظلّ متوفّرا بل لا تنتج الشركات التي بقيت نشيطة إلاّ ما هو معدّ للتصدير (بعض أعوان الخضر والغلال والورود…) وهو ما أدّى إلى إرتفاع مهول في أسعار الخضر والغلال خاصة في السنوات الأخيرة. كما لا يجب أن ننسى بأنّ “خوصصة” تعاضديات الإنتاج بتحويلها إلى شركات إحياء تسبّب أيضا في طرد عشرات الآلاف من المتعاضدين والعمّال الفلاحيين وهو ما حصل تماما للمؤسسات العمومية التي وقعت خوصصتها بداية من سنة 1986. وقد شهد بهذا الفشل شاهد من أهلها كما يقال إذ أعلن الناطق الرسمي بإسم الحكومة يوم 20 ماي 1995 بعد مصادقة مجلس الوزراء على قانون جدولة ديون المتسوّغين لعقارات دولية فلاحية أنّ عدد شركات الإحياء والتنمية الفلاحية النشيطة اليوم يبلغ 180 شركة فقط من جملة 366 شركة أي 49 % فقط.
لكن لكي تتّضح أكثر الصورة حول الوضعية الحقيقية لهذه الشركات التي دمّرت الأراضي الدوليّة وأبعدتها عن دورها الحقيقي في خدمة جماهير شعبنا الكادح بتوفير الغذاء الأساسي بأسعار مقبولة ولكي نبيّن لأصحاب القرار الذين لا زالوا يصرّون على جدواها فشل خياراتهم ، فسأقدّم في ما يلي من الأسطر ملخّصا لدراسة قمت بها سنة 2009 لعيّنة من هذه الشركات تمثّلت في 46 شركة (حوالي 25 % من الشركات الموجودة آنذاك) موزّعة على 5 ولايات (نابل ، أريانة ، زغوان ، بن عروس والقيروان).
فقد بلغت المساحة الجملية لهذه الشركات 42801 هك أي بمعدّل 930 هك لكل شركة أمّا المساحة المروية فقد بلغت 10190 هك أي ما يمثّل حوالي 25 %.
النتائج بيّنت أيضا أنّ 64 % من هذه الشركات هي شركات عائليّة وأنّ 58 % منها لا تملك مخطّطا فلاحيّا سنويا و28 % منها لا تملك موازنة مالية بالمرّة. وبالنسبة للشركات التي تملك موازنة مالية فإنّ 57 % منها لها موازنة سلبيّة وهو ما يعني بأنّ هذه الشركات لم تحقّق أيّا من أهدافها الإقتصاديّة لا في التنمية ولا في إحياء الأراضي. لكنّ الأخطر من كلّ ذلك هو أنّ كلّ الشركات بدون إستثناء (100 %) لم تلتزم بمخطّط التنمية المضمّن بكراس الشروط دون أن تقوم الإدارة بأي إجراء ضدّها ولا حتّى التنبيه عليها بإحترام إلتزاماتها وهذا السكوت عن تطبيق القانون دليل على أنّ أصحاب تلك الشركات هم من المقربين من النظام الذين لا يجب الإلتفات إليهم مهما أجرموا. مسألة أخرى يجب الإشارة لها وتتعلّق بغياب النشاط الخدماتي لدى 63 % من الشركات وهو ما يعني عدم تحقيق أحد أهمّ الأهداف المرسومة لها (النقطة 3 من الفصل 2 من الأمر عدد 1172 لسنة 1988) والمتمثّل في الإشعاع على الفلاحين المجاورين ولعب دور الدافع للقطاع الفلاحي في الجهات التي تتواجد بها. أمّا عن مردوديّة الإنتاج فحدّث ولا حرج حيث أنّها ضعيفة لدى 41 % من الشركات ومتوسّطة لدى 37 % وممتازة لدى 22 % فقط. مع العلم أنّ مستوى المردودية قورن بمردودية الإنتاج على المستوى الوطني وهو ما يعني بأنّ المردودية المسجّلة تعتبر ضعيفة جدّا لمثل هذه الشركات بالنظر إلى الإمكانيات الموضوعة على ذمّتها والمواصفات العصرية التي تتمتّع بها.
بالنسبة للتشغيل لم تحقّق الشركات المعنية إلاّ نسبة 72 % من تشغيل اليد العاملة الفنّية (مهندسون أو تقنيون) المبرمجة (101 إنتداب مقابل 141 مبرمجة) كما لم تحقّق إلاّ نسبة 53 % من اليد العاملة الفلاحية المبرمجة (488 إنتداب مقابل 920 مبرمجة). ونختم بالمسألة الماليّة لنكتشف حجم الجريمة التي إرتكبها من إبتدع مثل هذه الشركات فقد بلغ معلوم الكراء للشركات المشمولة بالدراسة مبلغ 10,752 مليون دينار لم يقع خلاص إلاّ مبلغ 2,4 مليون دينار (أي 22 % فقط) ووقع إسقاط مبلغ 0,9 مليون دينار (حوالي 8 %) ليكون المعلوم الذي لم يقع خلاصه وأصبح دينا لدى تلك الشركات يساوي 7,452 مليون دينار. لكن إذا إحتسبنا أنّ هذا الدّين هو دين ربع الشركات فقط (المشمولة بالدراسة) فمعنى ذلك أنّ دين كلّ الشركات يمكن أن يصل أو يفوق 30 مليون دينار بالتمام والكمال ، فماذا ربحت الدولة من هذه الشركات غير الخسائر المالية والخسائر في الإنتاج ؟ هذا من ناحية الكم أمّا من ناحية الكيف فإنّ أهمّ ما يجب التأكيد عليه هو قيام هذه الشركات بالإستغلال المفرط للأراضي وتلويثها بإستعمال المبيدات والأدوية الفتاكة وتدمير الموروث الجيني المحلّي بالتركيز على الأصناف المستوردة وإستنزاف الموارد المائية دون التفكير مطلقا في مستقبلها فالذي يهمّ المستثمر هو الإنتاج الوفير وبكل الطرق والوسائل دون التفكير في مستقبل تلك الأرض.
ويمكن هنا أن أستشهد بمستثمر فرنسي كان يستغلّ 400 هك من الاراضي الدولية في النفيضة بها حوالي 10 آبار ويقوم بإنتاج “السلطة” المعدّة كلّيا للتصدير. علما وأنّ هذا النوع من الخضراوات يحتوي على 90 % من الماء أي أنّ هذا المستثمر لم يقم إلاّ بإستخراج ملايين الأمتار المكعّبة من الماء من باطن الأراض (الذي نحن في حاجة أكيدة إليه) ليصدّرها إلى أوروبا أمام مرأى ومسمع من مسؤولينا الميامين. فهل بعد هذه الأرقام والحقائق يمكن أن نعلّق بشيء ما ؟ قطعا لا.
6. ما العمل ؟ نعم لإعادة هيكلة ديوان الأراضي الدولية لمزيد دعمه وإشعاعه لكنّ خوصصته هي خطّ أحمر لن نقبل به
نحن مع إعادة هيكلة ديوان الأراضي الدولية لمزيد دعمه وإشعاعه حتى يلعب الدور المناط بعهدته ويعود لخدمة أبناء الشعب الكادح.
فبالنسبة لنا وجب تغيير إسمه ليصبح “ديوان الأرضي الدوليّة والإصلاح الزراعي”. فإضافة إلى إستصلاح وإستغلال الأرضي الدوليّة تتوسّع مهامّه لتشمل الفلاحين الصغار وذلك بالعمل على التقليل من تشتّت الملكيّة ومن حجم القطع الصغيرة بتشجيع الفلاحين على تجميع قطعهم (Remembrement) وهي العملية التي لم تلقى طريقها إلى التنفيذ رغم التشريعات المتوفّرة وذلك بسب عدم وجود هيكل مختص في ذلك (في البرازيل على سبيل المثال هناك وزارتان للفلاحة منهما وزراة تهتمّ فقط بصغار الفلاحين وبالفلاحين بدون أرض Les sans terres). أمّا النشاط الثالث الهام للديوان فيتمثّل في التطبيق الفعلي للقانون عدد 48 لسنة 1959 والمتعلّق بحجز العقارات الفلاحية المهملة أو الناقصة إستغلالا حيث يمكّن هذا القانون الدولة من إئتمان تلك الأراضي المهملة من أجل إستغلالها. وبذلك يمكن الرفع من المساحات المستغلّة بصفة فعلية وتمكين صغار الفلاحين عبر الكراء من مساحات إضافية تمكّنهم من الوصول إلى المساحات الدنيا أي 50 هك للفلاح الذي يعتمد على الفلاحة المطريّة (Superficie Agricole Economiquement Viable SAEV). لأنّه ليس من المعقول ولا من المقبول في دولة تستورد حوالي 50 % من حاجياتها من الغذاء الأساسي أن تبقى مساحات شاسعة بدون إستغلال لمجرّد أنّ الإقطاعي صاحب تلك الأرض لا يعنيه تكثيف الإنتاج بها. وإذا عدنا إلى الإحصائيات نجد بأنّ 4000 إقطاعي في تونس (يملكون أكثر من 100 هك) وهم يمثّلون 1 % فقط من الفلاحين يملكون 1 مليون و127 ألف هك من الأراضي بينما لا يملك 281 ألف فلاّح مفقّر (يملكون أقل من 5 هك) وهم يمثّلون 54 % من الفلاحين إلاّ 556 ألف هك.
فهل يعقل أن يتواصل هذا الأمر وقانون الحجز موجود منذ سنة 1959 ولا يطبّق ؟ (علما وأنّ هذا القانون لا يؤدّي إلى نزع ملكيّة المالك الأصلي وإنّما إلى إستثمار الأرض حتى تصبح منتجة خدمة للصالح العام).
ونظرا لكلّ ما تقدّم فإنّنا نؤكّد أنّ إعتماد آلية الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بتمكين المستثمرين الخواص من التصرّف في المركّبات الفلاحية لديوان الأراضي الدوليّة هي ليست سوى مقدّمة لخوصصة الديوان في قادم الأيام.
فالكل يعلم بأنّ الخيارات السياسية الكبرى لهاته الحكومة الرجعية العميلة ترتكز على التخلّص ممّا تبقّى من المنشآت والمؤسسات العمومية وذلك تطبيقا لتوصيات صندوق النقد الدولي على إثر إمضاء إتفاقية القرض الإئتماني يوم 7 جوان 2013 من طرف علي العريّض (أو علي رش كما يحلو للتونسيين مناداته). فقد ذكرت في مقال سابق نشرته بتاريخ 20 جويلية 2013 تحت عنوان “القرض الإئتماني يخفي وراءه برنامجا جديدا للإصلاح الهيكلي : نهاية حلم إسمه الثورة” (front-populair.org/ ?p=2303) أنّ هناك إتفاقية سرّية صاحبت إمضاء الإتفاق للحصول على القرض أهمّ بنودها هي : (1) بالنسبة للوظيفة العمومية : النزول من مستوى التشغيل الحالي للوظيفة العمومية إلى الحدود الدنيا وهو فعلا ما بدأ العمل عليه بعد إصدار القانون المتعلّق بالإحالة المبكّرة على التقاعد(2) بالنسبة للقطاع العمومي : خوصصة أهمّ المؤسسات العمومية المتبقّية مثل البنوك العمومية وهو فعلا ما أعلن عنه الوزير الأول في آخر خطاب له (3) بالنسبة للخدمات الإجتماعية : العمل على الإغاء التدريجي لصندوق الدعم وهو ما بدأ تنفيذه منذ سنة 2014 (4) بالنسبة لمنظومة التغطية الإجتماعية : مراجعة نظام التقاعد بالترفيع في السن الحالي للتقاعد وهو فعلا ما تقع مناقشته حاليا بين الحكومة والإتحاد (5) فرض مجلة جديدة للإستثمار وهو فعلا ما حصل خلال السنة الفارطة بإصدار المجلة الجديدة التي وقع بمقتضاها رفع كلّ الحواجز المتبقّية ومزيد فتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام نهب المستثمرين الأجانب ووكلائهم المحليين إلخ.
هذه إذا رؤيتنا لحلّ مشكل الأراضي الدولية لا من موقع الإختصاصي في الميدان الذي قضّى أكثر من 37 سنة في الخدمة وإنّما أيضا من موقع الوطني الغيّور على تركيز برامج خاصة بالتنمية الفلاحية الشعبيّة خدمة لمصالح الشعب الكادح في القطر لتحقيق ولو القليل من العدالة الإجتماعية في ظلّ نظام لم يتغيّر منذ سنة 1956 ولم تفعل إنتفاضة 17 ديسمبر/14 جانفي إلاّ تغيير الوجوه وأسماء الأحزاب الحاكمة لكنّ الطبقات الرجعية بقيت مسيطرة على دواليب الدولة./.
“أمامنا أهدافهم ومشاريعهم وأمامهم صمودنا ومقاومتنا فإمّا إشتراكيّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة أوبربريّة”.
تونس في 12 ماي 2017
عبد الله بن سعد
المصدر: الصفحة الشخصية للكاتب