
وجدت الدولة المغربية نفسها في عزلة بعد اعتقالها ناشطي حراك الريف وتوجيه اتهامات ثقيلة لهم فيما غابت الأحزاب السياسية القريبة منها عن المشهد في مظهر للوهن وعدم المصداقية وعدم الاحترام، كانت سماته قد ثبتت بعد جمع وزير الداخلية لزعماء أحزاب الأغلبية ليدينوا الحراك ويتهموا الناشطين بالانفصالية والارتباط بالخارج ثم يعودوا بعد أسبوع ليقولوا في مجلس حكومي بشرعية مطالب الحراك ومشروعيته.
وتحاول الدولة التي لا تجد من يدافع عن تدبيرها لأزمة الريف، المندلعة منذ نهاية تشرين الاول/ أكتوبر الماضي، أن تنتصر على الريف عبر جمعيات وناشطين أو وسائط الاتصال الحديث لكن هذه المحاولات تنقلب ضدها لمخالفتها القانون ثم لا تلبث أن تعلن البراءة منها.
ولا زالت مدن الريف وخاصة الحسيمة والناظور، مع مدن مغربية عديدة تشهد ساعات ما بعد صلاة التراويح وقفات واحتجاجات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق مطالبهم وتتحاشى السلطات مواجهة هذه الاحتجاجات بالعنف لكنها تمنع تحولها الى مسيرات.
وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بقانونية الاعتقالات ونشر فيديوهات وصور للاحتجاجات وسارعت السلطات لنفي صور وفيديوهات للمعتقلين بعد حملة إدانة واسعة إلى جانب نشر مناهضين للحراك لصور قديمة للناشطين خاصة زعيمهم ناصر الزفزافي وعائلته للإساءة إليه، في وقت لا زال التحقيق معهم مجهول المصير مع تسريبات وإشاعات هنا او هناك وإن كانت مصادر حقوقية أشارت إلى أن أولى جلسات الاستنطاق للمعتقلين انطلقت مساء أول أمس الإثنين في المحكمة الابتدائية بالحسيمة حيث تم تقديم المعتقلين من طرف النيابة العامة.
وأكد محمد حداش (محام عن هيئة الدفاع عن المعتقلين) أنه تم استنطاق 38 شخصاً كلهم راشدون ذكور، يتحدر أغلبيتهم من مدينة الحسيمة، وقليل منهم يتابع الدراسة، فأغلبهم يشتغلون في القطاع الخاص و»أن أغلب المتابعين ينكرون التهم الموجهة إليهم في المحاضر، وهي تهم تتعلق بالتجمهر غير القانوني ومقاومة القوات العمومية وإهانة الأمن بالرشق بالحجارة»، وأن «أغلبيتهم اعتقلوا بعيداً عن مكان تواجد ناصر الزفزافي، وأنهم ليسوا بقادة في الحراك الشعبي بالريف».
وقال إن هيئة الدفاع، بعد معاينتها لأثر الضرب والتعذيب على المعتقلين، قررت تقديم ملتمس للنيابة العامة لإجراء خبرة طبية عليهم، بالإضافة إلى ملتمس حفظ الملف لانعدام العناصر الجرمية، واحتياطاً تم تقديم ملتمس المتابعة في حالة سراح و»أن المعتقلين أجمعوا كلهم على أنهم تعرضوا لجل أنواع السب والإهانة وتم وصفهم بأبناء العاهرات وبالانفصاليين وتعرضوا للضرب والتنكيل».
وقسم المعتقلون إلى ثلاثة أصناف، هناك من تم نقله إلى الدار البيضاء وهناك من سيعرض على أنظار محكمة الاستئناف وهناك من سيعرض على المحكمة الابتدائية بالحسيمة، ومنهم من تم نقله إلى الدار البيضاء.
وأكدت هيئة المحامين في الناظور ضرورة احترام الضمانات الممنوحة للمعتقلين والمشتبه فيهم الموضوعين تحت الحراسة النظرية، وضرورة احترام المدد الزمنية للحراسة النظرية المحددة في قانون الاجراءات الجنائية، وأن مدة الحراسة تبتدئ فور إلقاء القبض على الشخص والحد من حريته.
وعبّرت الهيئة في بلاغ لنقيب هيئة محاميي الناظور، عبد القادر البنيحياتي، عن قلقها من منع بعض المحامين من التواصل مع موكليهم رغم تقدمهم طلبات في الموضوع للنيابة العامة في الحسيمة، داعين إلى احترام الضمانات كافة المقررة قانونا وعرفا للمحاكمة العادلة، وخصوصاً قرينة البراءة، وكون الاعتقال الاحتياطي تدبيراً استثنائياً وليس أصلاً.
ونددت اللجنة التحضيرية لدعم الحراك الشعبي بالريف، بـ«الاختطافات والاعتقالات السياسية التي أقدم عليها «النظام المخزني» في حق نشطاء الحراك الشعبي السلمي، مؤكدة على ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين على رأسهم ناصر الزفزافي ومحمد جلول».
ودعت اللجنة ذاتها في بلاغ أرسل لـ«القدس العربي» إلى «إسقاط كل التهم القضائية في حقهم وفي حق جميع النشطاء، معبرة عن رفضها «للمقاربة الأمنية» التي تكرس مزيدا من الاحتقان الشعبي بالريف وكل مظاهر العسكرة والحصار» ودعت اللجنة في بيانها الدولة إلى فتح حوار جدي ومسؤول مع ممثلي الحراك الشعبي السلمي والتعامل الإيجابي مع ملفهم المطلبي ذي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعزمها على اتخاذ جميع الأشكال النضالية الاحتجاجية الميدانية السلمية وكافة الوسائل الترافعية بتنسيق مع الجهات غير الحكومية على المستوى الوطني الدولي من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وتحقيق مطالب الحراك الشعبي بالريف».
وانطلقت حملة استنكار واسعة لتدبير السلطات أزمة الريف وخلقت تباينا وخلخلة داخل قواعد الأحزاب المشاركة في الحكومة لتجد نفسها ضد قيادتها وجددت أحزاب «الاستقلال» و»الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، و«»العدالة والتنمية» في الحسيمة، مطالبتها بنهج مقاربة تنموية مندمجة في الإقليم، بدل المقاربة الأمنية الصرفة، منددة بما خلفه التفعيل المكثف للمقاربة الأمنية من مطاردات ومداهمات للمنازل واعتقالات واسعة طالت حتى القاصرين ولازالت مستمرة إلى حدود الآن.
وعبّرت الأحزاب السياسية في بلاغ لها، عن قلقها الشديد ورفضها للمقاربة الأمنية التي تنهجها الدولة حيال المنطقة، أدانت «التضليل الإعلامي الذي تمارسه القنوات العمومية بنشر صور وفيديوهات لأحداث معزولة لا علاقة لها بالحراك ومصاحبتها ببلاغ وكيل الملك لتغليط الرأي العام الوطني والدولي». وحملت الأحزاب الثلاثة «الدولة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة بسبب تبخيس دور الأحزاب الوطنية وإفساد الحياة السياسية في الإقليم»، وكما حملت عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية «مسؤولية جر المنطقة والبلاد إلى المجهول» وقالت إن «الرأي العام المحلي فوجئ بخطبة الجمعة معممة إقليمياً حول موضوع الفتنة والمساس باستقرار البلد ترتب عنه تأجيج الوضع واستفزاز مشاعر الساكنة بشكل عام وشباب الحراك الاجتماعي بشكل خاص، وما صاحب ذلك من تفعيل مكثف للمقاربة الأمنية، وما خلفته من مطاردات ومداهمات للمنازل واعتقالات واسعة طالت حتى القاصرين ولا زالت مستمرة إلى حدود الآن».
ودعت أمينة ماء العينين، البرلمانية عن حزب «العدالة والتنمية»، إلى وضع الإصبع على الأسباب العميقة الباعثة لحراك الحسيمة، وتقديم جواب جماعي مقنع يعيد زرع الثقة بالدولة بدل الخوف من انتقامها، لأن ما يحدث هو بمثابة حصاد لما تم زرعه، ويجب أن يدفع إلى إجراء تقييم شجاع يحمل المسؤوليات، ويعاود تصويب البوصلة نحو الاقتناع بالديمقراطية كسبيل للتنمية والاستقرار.
وسجلت البرلمانية، أن حراك الريف، يعد جواباً طبيعياً على اختيارات تدبير المرحلة السابقة، مشيرة إلى أن المسؤولين لم يكونوا في مستوى انتظارات أبناء الريف الذين وثقوا في إمكانية فتح صفحة جديدة تطوي مرحلة تاريخية مشوبة بالتوتر مع الدولة المركزية.
وأوضحت ماء العينين، في حوار صحافي أن إغراق المنطقة بنخب فاقدة للمصداقية ومصادرة إرادة الناس بسياسة أنهكت المؤسسات المنتخبة وجعلتها خارج الشرعية، فضلاً عن بطء المشاريع التنموية وتعثرها وعدم ملامسة المواطن البسيط لأثرها على واقعه كل ذلك أدى إلى تفجر الغضب بعد الحادثة المؤلمة التي أودت بحياة الشاب محسن فكري.
ودعا حزب النهج الديمقراطي اليساري إلى توسيع الحراك الشعبي ليشمل مختلف مناطق المغرب، واعتبر ذلك «أحسن رد لصد الهجمة القمعية المسعورة ضد جماهيرنا المناضلة في الريف». وقال إن الصراع في الريف هو «صراع حاد بين إرادتين: من جهة، إرادة المخزن الذي كشف من جديد عن جوهره القمعي ساطعاً حيث سخر آلته القمعية لمطاردة واعتقال العشرات من نشطاء هذا الحراك وتعنيف المتظاهرين منتهكا طابعه السلمي وترويع وترهيب سائر الجماهير المنتفضة أو المتعاطفة معه». ومن جهة ثانية، «إرادة شعبنا الكادح وشبابه المناضل باستماتته في هذه المنطقة وبتضامنه مع الحراك وإطلاق هبات وحركات مماثلة له في عدد كبير من المناطق». واعتبر الحزب في بيان له أن الحراك الشعبي «الذي يمتد ويتسع بسرعة، يعد طوراً جديداً في السيرورة الثورية لشعبنا واستمراراً نضالياً لحركة 20 فبراير المجيدة، التي جعلت الجماهير تنبذ الخوف وأكدت أن معركة التغيير والتخلص من الاستبداد والفساد تنطلق من الشارع». وأدان «بكل قوة حملات القمع المسعورة وأعمال البلطجة ومختلف الأبواق المأجورة، بما في ذلك استعمال الأئمة لتكسير حراك جماهير الريف» وطالب بـ»إطلاق سراح المعتقلين كافة على خلفية الحراك وإلغاء المتابعات والملاحقات ضد نشطاء الحراك ووقف جميع مظاهر العسكرة». و»فتح حوار مع نشطاء الحراك في الريف حول مطالب سكان المنطقة».
وانتقدت فرق الأغلبية والمعارضة، عدم استجابة رئاسة البرلمان إلى طلباتها، والمتعلقة بأسئلة شفوية وطلبات انعقاد لجنة الداخلية، وتناول الكلمة في إطار المادة 104 من النظام الداخلي للمجلس حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة الحسيمة وبعض المدن المغربية.
ودعا رئيس فريق حزب «العدالة والتنمية»، في مجلس النواب، إدريس الأزمي الإدريسي، الحكومة إلى التجاوب مع أسئلة النواب بخصوص احتجاجات الحسيمة، وأحداث العنف التي عرفتها بعض المدن المغربية، التي خرجت للتضامن مع حراك الريف، نهاية الأسبوع الماضي وسجّل تغييب البرلمان من النقاش حول قضية الحسيمة باعتبارها قضية رأي عام وطني، مبرزاً «أن الفريق كما باقي الفرق راسل الحكومة عن طريق رئاسة مجلس النواب، من أجل إدراج الحديث في هذا الموضوع من خلال المادة 104 من النظام الداخلي، دون أن ينتظر موافقة الحكومة». وقالت «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، إن عدد المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة بلغ 45 معتقلا، في الوقت الذي ذكرت فيه النيابة العامة بنفس المدينة أن عدد الموقوفين بلغ 40 شخصا تم تقديم 25 منهم للمحاكمة في حالة اعتقال، ومتابعة 15 آخرين في حالة سراح، وحفظ ملفات 7 وتقديم قاصر واحد أمام قاضي التحقيق.
ووفقاً للبيان الذي نشرته «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» التي تعتبر أكبر جمعية حقوقية في المغرب، فإن اللائحة الأولية لمعتقلي «حراك الريف» في الحسيمة التي توصل بها المكتب المركزي من مسؤولي ومسؤولات الجمعية في المنطقة بلغ إلى حدود مساء يوم الأحد 45 معتقلاً.
وأدان بيان الجمعية «بشدة، توظيف الدولة لخطباء المساجد من أجل التحريض ضد حراك الريف وتصفية حساباتها مع نشطائه وقادته، مجدداً مطالبة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بفصل الدين عن السياسة وعن الدولة».
ودعا «الدولة إلى احترام حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، وحقهم في التظاهر السلمي، والتقيّد بأحكام القانون وبالالتزامات الواقعة على عاتقها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، في كل ما تقوم به السلطات من عمليات وإجراءات وتدابير أمنية أو قضائية». وطالب البيان بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وإسقاط المتابعة في حقهم، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين في المغرب.
وحمّل البيان «الدولة المغربية المسؤولية الكاملة في الاحتقان الخطير الذي أوصلت إليه منطقة الريف، بنهجها سياسة قمعية في التعاطي مع حراك شعبي سلمي وحضاري مؤطر بمطالب اقتصادية واجتماعية وحقوقية وثقافية عادلة ومشروعة». كما احتجت الجمعية «بقوة، على لجوء الحكومة والأحزاب الموالية لها، والمنابر الإعلامية التابعة والمؤسسات الإعلامية الرسمية إلى تخوين نشطاء وقادة حراك الريف، واتهامهم بخدمة أجندات خارجية ذات طبيعة انفصالية، محذرا من خطورة هذا الاتهام ومن انعكاساته على حراك شعبي سلمي له مطالب مشروعة».
محمود معروف
المصدر: القدس العربي، 2017/05/31