
حظيت شهادة قدمها عماد الطرابلسي، أحد أصهار الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، أدلى بها في إطار جلسة استماع علنية نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة بمتابعة واسعة في تونس. وأعلن الطرابلسي، الذي يقضي أحكاما بالسجن في قضايا فساد، عن تورط موظفين كبار بالدولة في أعمال وملفات لصالحه.
أكدت مصادر رسمية أن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أذن الاثنين، ببدء تحقيقات في ملابسات وظروف تصريحات عماد الطرابلسي أحد أصهار الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي أدلى بها في إطار جلسة استماع علنية نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة.
وأذن الشاهد لوزير العدل بإعلام النيابة العمومية بفتح تحقيقات في شهادة الطرابلسي وفق ما تحدده أحكام مجلة الإجراءات الجزائية في تونس. واجتمع الشاهد الاثنين، بقصر الحكومة في العاصمة التونسية بوزيري العدل والداخلية وكاتب الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية.
وأدلى الطرابلسي أحد رموز الفساد في عهد بن علي، مساء الجمعة، بشهادة حول تغلغل الفساد خلال حكم الرئيس الأسبق وقدم اعتذارا إلى الشعب طالبا إنهاء سجنه. والطرابلسي المولود في أغسطس 1974 هو ابن محمد الناصر شقيق ليلى الطرابلسي زوجة بن علي الثانية.
وقد تم توقيفه في مطار تونس مع العشرات من أفراد عائلة الطرابلسي بعد وقت وجيز من هروب بن علي وزوجته إلى السعودية في 14 يناير 2011.ومساء الجمعة، بثت هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بتفعيل قانون العدالة الانتقالية شهادة مسجلة للطرابلسي المحبوس في سجن المرناقية قرب تونس.
وقال خالد الكريشي رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة، قبل بث الشهادة، إن الطرابلسي قدم في 26 يناير 2015 إلى اللجنة عبر محاميه ملفا يطلب فيه “الصلح” مع الدولة والشعب مثلما يخوله قانون العدالة الانتقالية.
وأكد أن ملف الطرابلسي استوفى في 14 يونيو 2016 كل الشروط القانونية. وأضاف الكريشي أن الطرابلسي دخل عالم الأعمال عام 1997 واستثمر في “العقارات واستخراج المواد الأولية وتوريد وتصدير مختلف البضائع”.
ويتهم الطرابلسي بحرصه على المساهمة في رأس مال شركات كبرى والحصول على عقود تمثيل شركات أجنبية، مستغلا نفوذه ومجندا مختلف المصالح الإدارية لخدمة مصالحه والحصول على منافع غير شرعية مما مكنه من تحقيق أرباح طائلة.
ولا تدين تصريحات الطرابلسي المتورطين في ملفات فساد مالي وإداري زمن حكم النظام السابق لكنها أيضا تشير إلى تورط المنظومة الحالية في محاولات التلاعب بالرأي العام من خلال زعمها كشف الحقائق.
وتسعى هيئة الحقيقة والكرامة إلى استغلال ملفات التحكيم والمصالحة المقدمة لها لتطويع تطورات أحداث لصالح غايات تخدم أجندات أطراف حزبية كانت سببا في تعيين سهام بن سدرين لرئاسة هيئة مكلفة بملف العدالة الانتقالية.
ووصف نزار عياد محامي رئيس مدير عام الخطوط التونسية العقيد إلياس المنكبي في برنامج إذاعي الاثنين، توقيت بث الشهادة بـ”الاختيار غير البريء” خاصة في ظل وضع متأزم تعيشه تونس مع تواصل الاحتجاجات. وكان المنكبي قبل تعيينه على رأس شركة الخطوط الجوية التونسية أواخر ديسمبر الماضي، ضابطا بالجيش التونسي وقد شغل منصب مساعد آمر القاعدة الجوية بالعوينة.
وانتقد عياد هيئة الحقيقة والكرامة، وقال إنها تسعى للتشكيك وضرب المؤسسة العسكرية في شخص العقيد إلياس المنكبي واتهامه بمساعدة عائلة ليلى بن علي، زوجة الرئيس التونسي الأسبق، للهروب خارج البلاد مع اندلاع الثورة.
وقال “أدعو من يضعون أيديهم على سهام بن سدرين (رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة) إلى رفعها خاصة حركة النهضة بالأساس”، مشيرا إلى أن “هناك توجها من أطراف سياسية لإثارة الفوضى في البلاد من خلال طرح ملفات مشبوهة في أوقات غير مناسبة لتحويل الانتباه عمّا يقع في الجنوب التونسي”.
وأكد عياد عدم صحة ما صرح به الطرابلسي حول اقتراح المنكبي عليه توفير طائرة لنقله خارج البلاد في 14 يناير 2011، مشيرا إلى ضوابط العمل العسكري التي تفرض الالتزام بأوامر قيادات المؤسسة العسكرية.
وانتقد مراقبون عمل هيئة الحرية والكرامة ورأوا أن تنظيم جلسات علنية للاستماع إلى أشخاص ينتمون إلى النظام السابق في تونس “أمر مخالف للقانون”، لأن السلطات التونسية لم تصدر قرارات أو قوانين تفيد بإمكانية اللجوء إلى الصلح كأحد مقومات العدالة الانتقالي.
وكتب منير بن صالحة على صفحته على موقع فيسبوك “الدولة التونسية لم تقبل بعد مبدأ الصلح مع عماد الطرابلسي، وبالتالي لا يحق لسهام بن سدرين عقد هذه الجلسة العلنية”.
وشككت دوائر سياسية ومدنية تونسية في مدى صحة شهادة الطرابلسي. ورجح البعض فرضية تزييف الطرابلسي لتصريحاته بسبب تعرضه لضغوط باعتباره لا يزال مسجونا، متهمين الهيئة بمحاولة توظيف الشهادة لغايات تخدم أطرافا حزبية معينة.
وأرجع منتقدو هيئة الحقيقة والكرامة أسباب محاولات توظيف الهيئة لشهادة الطرابلسي إلى عدم استقلالية الهيئة عن تيارات سياسية بارزة في البلاد، أبرزها حركة النهضة الإسلامية.
وفي مناسبات عديدة، وجهت اتهامات لسهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بقربها من حركة النهضة وتيارات أخرى تشاركها المواقف، والعمل لصالح أجندة حركة النهضة السياسية.
ونشر بن صالحة توضيح بن علي بخصوص تصريحات الطرابلسي. وقال بن علي إن “بن سدرين تستغل توق عماد الطرابلسي إلى الحرية لتبتزه بانتزاع تصريحات تخدم أجنداتها السياسية”.
المصدر: العرب، العدد 10641، 2017/05/23، ص4.