
خرج عشية يوم الخميس 2017/05/18، آلاف المحتجين في مدينة الحسيمة شمال المغرب، للمشاركة في مسيرة «الغضب»، تحت شعار «لسنا انفصاليين»، رداً على تصريحات احزاب الأغلبية الحكومية، الذين اتهموا نشطاء حراك الريف بالترويج لأطروحة الانفصال، والمس بثوابت المملكة.
ورفع المحتجون، من سكان المدينة والقادمين من المناطق المجاورة لإقليم الحسيمة، من بني بوعياش وإمزرون والناظور، وتماسينت وبوكيدران وأجدير، وغيرها من المناطق، شعارات من قبيل «عاش الريف لا عاش من خانه»، و»لا للعسكرة لا للعسكرة» ولوحظ عدم رفع المتظاهرين الأعلام الوطنية في المسيرة الحاشدة، واكتفى بعض المحتجين برفع الأعلام الأمازيغية وأخرى تمثل «الجمهورية الريفية» مع صور للشخصية الريفية الوطنية والتاريخية محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وانتقد ناصر الزفزافي، الناطق الرسمي باسم الحراك الشعبي بالحسيمة، تقلب مواقف الأغلبية الحكومية، بعدما اتهمت حراك الريف بالانفصال وتلقي أموال من الخارج، وهو ما اعتبره دليلاً قاطعاً على تحكم وزارة الداخلية في باقي المؤسسات، مشدداً على أن اعتماد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على تقرير عبد الوافي الفتيت، دليل على أن الداخلية هي من تتحكم وقال ان العثماني «أحمق ولا يمكن أن أعتمد على بروفيسور متخصص في الحمقى لأنه ربما تأثر بهم بل هو أحمق».
مطالب اجتماعية:
وأكد على أن مطالب ساكنة الريف هي مطالب اجتماعية، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لحدود الساعة لم يتوصل نشطاء الحراك بأي دعوة للحوار، مشيراً إلى أنهم مستعدون للحوار مع الدولة بشرط أن يكون جدياً ومسؤولاً.
وقال ان «حضور الجماهير الشعبية بهذه الكثافة اليوم رد صريح على بلطجية الحكومة التي جمعها وزير الداخلية..وهو الاجتماع الذي يؤكد أن عهد البصري مازال في حكومة فاشلة خرجت باتهامات خطيرة لنا، في محاولة لتصفية صراعات سياسية ضيقة على حساب الحراك الشعبي لأبناء الريف».
وأشار إلى أن مشروع المنارة المتوسطي كان من المفروض أن ينطلق قبل 2015، لكن تم نهب ميزانيته وتأخر موعد انطلاقته ولكن لما أحسوا بحرارة الاحتجاجات قاموا ببعض الإصلاحات الترقيعية»، مضيفاً أن «الوالي (المحافظ) اليعقوبي جاء بأكثر من 300 مقاولة من خارج الريف ومن المقربين من عائلته للاستثمار فيها تلك المشاريع المزمع إنجازها»، منتقداً غياب البطاقة التقنية لتلك المشاريع. وحاولت الحكومة المغربية وقبل بدء الإضراب العام والمسيرة الاحتجاجية، وبعد التصريحات النارية التي أطلقها زعماء الأغلبية تجاه الحراك الشعبي الذي تعرفه منطقة الريف، والتي اتهموا من خلالها المحتجين بخدمة أجندات خارجية وتلقي أموال من الخارج، تهدئة الاجواء والاعلان عن مواقف مخالفة لما جاءت به الأغلبية، معلنة التزامها بتنمية المناطق التي تعرف احتجاجات منذ قرابة نصف سنة.
محاولة حكومية لتهدئة الأجواء:
وقال الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في ندوة صحافية عقب المجلس الحكومي، إن المجلس الحكومي «أبدى حرص جميع القطاعات الحكومية، في إطار واجباتها تجاه المواطنين، على اتخاذ الاجراءات الضرورية لتسريع تنفيذ المشاريع المبرمجة في المنطقة»، مشدداً على ضرورة القيام بكل ما يلزم لتحسين جودة الخدمات العمومية على غرار باقي مناطق البلاد.
وأن المجلس أكد «إذا كان الحق في الاحتجاج السلمي مكفولاً للجميع، فمن واجب السلطات العمومية القيام بواجبها الطبيعي في حفظ الأمن والاستقرار وحماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة في احترام تام للقانون وتحت رقابة القضاء». وأن وزير الداخلية، عبد الوافي الفتيت، قدم عرضاً حول جهود الدولة في الحسيمة لتأكيد التزامها بمسار تنمية المنطقة والمطالب الموضوعية والمشروعة للمواطنين، التي ترتبط أغلبها بحياتهم اليومية وتندرج في عمومها ضمن التصور التنموي الذي خص به الملك ساكنة المنطقة، و»ضرورة الاحتياط من بعض التصرفات التي تسعى إلى خلق حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي».
وقال ان وزير الداخلية استغرب السعي إلى هذا الاحتقان رغم مبادرات الحوار التي تقودها السلطات وهيئات سياسية، وحملات التحسيس بأهمية المشاريع التنموية المبرمجة في المنطقة واستجابتها لأغلب المطالب الاجتماعية المعبر عنها، مؤكداً أن «مجلس الحكومة أبدى تفهم الحكومة للمطالب المشروعة لعموم الساكنة» و«حرص الدولة على حفظ أمن واستقرار المنطقة يوازيه وعي كامل بمسؤوليتها في توفير ظروف العيش الكريم للمواطنين والوفاء بجميع الالتزامات التنموية التي أخذتها على عاتقها لصالح الساكنة وضرورة الرفع من وتيرة إنجاز المشاريع التنموية».
وقال عبد الرزاق امحمدي، أحد نشطاء الحراك من مدينة الناظور بـ»القدس العربي» «خرجنا اليوم لنؤكد مرة أخرى على أن مطالبنا هي مطالب ذات طبيعة اجتماعية اقتصادية، وفي قائمتها، استحداث مستشفيات وتجهيزها بالموارد البشرية الكفوءة، مع توفير المعدات والتجهيزات الضرورية واستحداث مركز لعلاج السرطانو توفير فرص الشغل وفك العزلة عن العالم القروي، عبر ربطه بالماء الصالح للشرب والكهرياء. إضافة للمطلب الحقوقي، المتعلق برفع ظهير العسكرة عن منطقة الحسيمة باعتبارها منطقة عسكرية، ومحاكمة المتورطين في مقتل الشهيد محسن فكري بطبيعة الحال. مضيفا، هذه هي مطالبنا وكفى من المزايدات وتحويل الحراك إلى صراعي سياسوي».
الحراك الشعبي مستمر:
وأكد خميس بتكمنت، لـ«القدس العربي» من مدينة الحسيمة، على أن المسيرة كانت رسالة مباشرة للدولة والحكومة في الآن، وهي بمثابة إجماع الريفيات والريفيين على المضي قدماً في هذا الحراك الشعبي السلمي حتى تحقيق مطالبه كاملة، نحن مدركون ان الدولة تسعى للمناورة ونهج سياسة الهروب للامام كي لا تستجيب لمطالبنا الاجتماعية والاقتصادية، تارة باستخدام تكتيك الاستنزاف والمراهنة على تعب المحتجين وتارة عبر الإنزال العسكري للقوات الى الريف لترهيب الناس وإشاعة الارهاب النفسي، ومع اصرارنا على المواصلة ارتأت الى محاولة شيطنتنا رسمياً عبر بلاغ لامعقول لاحزاب الاغلبية الحكومية التي اتهمتنا بالانفصال والعمالة وتلقي دعم خارجي ، فكان الرد اليوم عبر النزول بقوة للشارع لتفنيد الطرح الرسمي جماهيرياً، وأعربنا عن عدالة مطالبنا ورفضنا القاطع لاي مزايدة سياسية على حساب حبنا وإخلاصنا لهذا الريف والوطن، فالجماهير التي لبت النداء أعربت عن شجبها وتبرئها من اية حكومة تعمد الى التآمر وإشاعة نظرية المؤامرة على مواطنين يطالبون بأدنى شروط العيش الكريم كالحق في التعليم والتشغيل والتطبيب، والمسيرة في آخر المطاف رسالة مباشرة للمخزن مفادها عدم نجاحه في أي مسعى غير الإسراع في الاستجابة لما نطالب به.
المظاهرات تمتد لعدد من المدن المغربية:
ولتأكيد تضامنهم مع مسيرة الريف، خرج مئات المحتجين في مدن مغربية عدة ، وشهدت العاصمة الرباط وقفة حاشدة، أمام مقر البرلمان، للتنديد بتخوين الحراك الشعبي بالريف، مستنكرة الاتهامات التي كالتها أحزاب الأغلبية لقياداته، واصفين من يتماطل في تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية بالخائن والمنفصل الحقيقي.
ورفع المتظاهرون يافطات، كتبت على صدرها شعارات «لا لتخوين حراك الريف»، «الريف يطالب بالمستشفيات والجامعات والمعامل، وبالعيش الكريم إذن الشعب الريفي إنفصالي»، «القمع لا يرهبنا، والقتل لا يفنينا»، «هل أنتم حكومة أم عصابة، «الأحزاب المشبوهة الجماهير كايرفضوها»، «الي حاكمينا مافيا شعلوا فينا العافية»، «يا مخزن يا ملعون الحسيمة في العيون».
وشملت مطالب المتظاهرين في الرباط، رفع مظاهر العسكرة عن الحسيمة ونواحيها والحوار مع نشطاء الحراك الريفي لتنفيذ مطالبهم والتنديد بمواقف أحزاب الأغلبية التي وزعت اتهامات بالانفصال على نشطاء الريف الغاضبين. وحمل المحتجون لافتات تعبر عن تلك المواقف، من قبيل: «وفاءً لمحسن، ولكي لا يتكرر ما حدث، نريد دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان».
وأعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبر لجنته الجهوية بإقليم الحسيمة والناظور، عن استعداده للوساطة بين مكونات الحراك ممثلاً في لجنته، وبين من تكلفه السلطات العمومية، مع تعهدها بفتح أبوابها للتنسيق وعقد لقاءات بين الطرفين في أي مكان يختارونه.
وطالب المجلس في بيان له، الذي صدر تزامناً مع مسيرة الغضب، قوات الأمن والمحتجين بالحفاظ على السلم وعدم اللجوء إلى استخدام القوة. منبهاً إلى أن الوضع ينذر «بالأسوأ» في ظل التراجع عن الاحتكام إلى العقل والتبصر وأضاف أن «الوضع المتأزم» في الحسيمة جاء بعدما لم تنجح تجاهه محاولات الوصول إلى حل، مناشداً الجهات المسؤولة بالشروع في تفعيل سياسة التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة للمنطقة مبنية على الحوار.
وعبرت فيدرالية اليسار عن «شجبها لكل التصريحات الرعناء واللامسؤولة لممثلي الأحزاب الستة في الائتلاف الحكومي الرامية إلى شيطنة «حراك الريف» وقذف المتظاهرين بشتى النعوت والتشكيك في وطنيتهم واتهامهم بالانفصال وتلقي الدعم الخارجي، مع ما يحمل ذلك من خلفيات المغرب في غنى عنها».
وجاء في بيان لفدرالية اليسار الديمقراطي المكونة من الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي انه أمام التصريحات الأخيرة، غير الموزونة وغير المحسوبة العواقب، والظالمة التي أدلت بها أحزاب الأغلبية خلال اجتماعها بوزير الداخلية، في حق الحراك الشعبي السلمي العادل بالحسيمة، فإن الفيدرالية تعلن مجدداً تضامنها مع مواطناتنا ومواطنينا في الحسيمة وتؤكد «دعوتها الدولة وكل المسؤولين للتحلي بالحكمة والجدية في التعامل مع الحراك واستبعاد منطق استعمال سلاح الترهيب والاتهامات الخطيرة بدون دليل وتجنب المقاربة الأمنية وترجيح كفة الحوار البناء والتعاطي الإيجابي مع المطالب المشروعة. محذرة وبشدة من مغبة الإقدام على كل ما من شأنه أن يعصف بالاستقرار ويزيد من احتقان الوضع في المنطقة».
وتحركت هيئات تناهض الحراك واصدرت بياناً تنديدياً، بـ«الفوضى العارمة» التي تعرفها مدينة الحسيمة «على جميع الأصعدة والتي أثرت سلباً على اقتصاد المنطقة». وقال بيان لهيئات قالت إنها من المجتمع المدني انها «تتبرأ من جميع المناورات التي تهدف إلى المساس بوحدة المملكة» من قبل أشخاص «يخدمون أجندات مضادة لمصلحة الساكنة».
المصدر: القدس العربي، 2017/05/19