
أنهى قرار اتخذته النيابة العامة في ولاية الترارزة (جنوب موريتانيا)، أمس بإطلاق سراح البرلماني محمد ولد غده الموقوف منذ الجمعة الماضي إثر دهسه سيدة وطفلاً في حادث سير، إحدى جولات الصراع المشتعل منذ شهرين، بين مجلس الشيوخ الموريتاني ونظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وأعلن السيناتور محمد ولد غده لدى عودته أمس إلى العاصمة «أن هواتفه التي حجزتها السلطات الأمنية تعرضت للتجسس، وأنه بصدد تقديم شكوى قضائية حول الموضوع»، مبرزاً «أنه إذا لم تجد شكواه صداها في القضاء الموريتاني فإنه سيتوجه بها للقضاء الدولي».
وكانت النيابة العامة قد أعلنت في بيان وزعته أمس أنها «تلقت ملتمساً من مجلس الشيوخ يطلب تعليق توقيف عضو المجلس المتهم محمد ولد أحمد ولد غده المتابع وفق مسطرة التلبس بتهم القتل والجرح الخطأ والسياقة دون تأمين».
«وبناء على الطلب، تضيف النيابة، واستصحابا لمقتضيات المادة 50 من الدستور المشار إليها، وتأسيسا على المادة 27 من قانون الإجراءات الجنائية تقدمت النيابة العامة بطلب تعليق توقيف المتهم محمد أحمد غدة إلى الغرفة الجزائية بمحكمة ولاية التــرارزه».
وأكدت النيابة «أن السيناتور لم يتعرض لأي إجراء يخالف القانون، ولم يسأ لمركزه القانوني مطلقاً، وككل موقوف يوضع قيد الحراسة النظرية تسحب منه الأشياء التي يخالف وجودها بحوزته مصلحة البحث الابتدائي ويوقع على ذلك، وتوضع في أحراز لحين ارتفاع موجب سحبها منه، ولم تتعرض أغراضه الشخصية لأي تفتيش، ولم يحرم من زيارة من تحق له زيارته».
وقبل أن يحرر البرلماني ولد غده، انتقد محاميه أحمد سالم بوحبيني المسار الذي اتخذته قضيته، حيث أكد «أن موكله خضع لتفتيش مهين ومخالف للقانون، بدءا بثيابه وحقائبه، وصناديق سيارته، ثم تم حجز وثائقه وأوراقه وهواتفه وحتى مذكراته الشخصية دون أن يسمح القانون بذلك».
وأضاف « إن توقيف ومتابعة السيناتور خرقت مبادئ الحصانة البرلمانية في إهانة واضحة لمكانة التمثيل البرلماني ولمجلس الشيوخ وللمؤسسات وللدستور، وإذ لم تمنع الحصانة عضو مجلس الشيوخ من المتابعة، فعلى الأقل تمنعه من التفتيش المهين ومن انتهاك خصوصياته وحرمة مراسلاته، فقد تحولت الحصانة بفعل النيابة العامة وأعوانها من حام ومحصن تمنع صاحبها من التوقيف في الظروف التي يوقف فيها غيره من غير ذوي الحصانة، إلى ظرف مشدد يعرض صاحبه للتوقيف في الظروف التي لا يوقف فيها غيره، بل وتعرضه لانتهاك حقوقه وحرمة حياته الشخصية ومراسلاته، فقد انتهك الدرك خصوصية وحرمة مراسلات السيناتور، وذلك من خلال تجسس فرقة الدرك على هواتفه، التي صادرتها».
وأكد المحامي «أن الدفاع عن السيناتور محمد ولد أحمد ولد غده في هذه المسطرة هو دفاع عن المؤسسات في البلد، وعن حصانة هذه المؤسسات وشرفها، وعن دولة القانون، حتى لا تسخر سلطات الدولة لصالح الموالاة أو أصحاب النفوذ والمال والحماية وتسلط سيفاً على رقاب المعارضة أو الفقراء والطبقات الهشة من غير ذوي النفوذ في انتهاك لأبسط أبجديات أسس دولة القانون والمؤسسات، ولتكون هذه المسطرة آخر المساطر التي يستغل فيها القضاء سياسياً، فلقد آن الأوان لفرض دولة القانون والحريات والمؤسسات، وصيانة استقلالية القضاء، وحماية حقوق الناس».
ودعا المحامي ولد بوحبيني «الرأي العام إلى التضامن معه في هذه القضية لتكون انطلاقة لترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وحماية للحقوق والأعراض، وتطبيقاً للقوانين على المواطنين على حد سواء، وقطيعة مع الممارسات البائدة والمتخلفة، وحفاظاً على حقوق الأفراد وعلى العدالة التي هي صمام الأمان الوحيد للأمن والسلم الاجتماعي، وبدونها لن تدور عجلة التنمية الاقتصادية، ولن يقضى على أمراض الدولة والمجتمع».
يذكر أن قضية توقيف السيناتور محمد ولد غده قد زادت من عمق الصراع المشتعل بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومجلس الشيوخ بسبب تصويت هذه الغرفة ضد تعديلات دستورية يسعى الرئيس لتمريرها.
وهذا ما جعل أعضاء المجلس المناوئين للنظام وأحزاب المعارضة يعتبرون أن قرار النيابة المتعلق بتوقيف السيناتور محمد ولد غده وإحالته للسجن، مشوب بالتسييس ومحاولة من السلطات لاستغلال هذه القضية للانتقام من السيناتور غده الذي هو من أشرس معارضي نظام الرئيس ولد عبد العزيز.
المصدر: القدس العربي، 2017/05/19