
نظّم مركز دراسة الإسلام والدّيمقراطيّة ندوة حول آليات حثّ الشباب على المشاركة في الحياة السياسيّة، وذلك يوم الخميس 4 ماي 2017 بمقرّ مداد بمونبليزير. وقد أثّث الحوار كلّ من السيد محسن حسن الوزير السابق والقيادي بحزب نداء تونس، السيد لطفي زيتون القيادي بحركة النّهضة، السيد مولدي الرّياحي القيادي بحزب التكتّل من أجل العمل والحرّيات، السيد مصعب بن عمّار عضو المكتب السياسي لحزب البناء الوطني والناشط الإجتماعي الصغير شامخ.
أكّد رئيس الجلسة السيد صلاح الدّين الجورشي على أنّ عزوف الشباب عن الحياة السياسيّة هي مسألة وطنيّة مصيريّة، لأن الحياة السياسية من دون شباب، هي عبارة عن حلقة مفرغة يتصارع فيها ذوي القوّة والسلطة والمال. علما وأنّ الشباب هو الذي خلق الحراك الأوّل للثورة التي كانت نقطة تحوّل فارقة في البلاد التونسية. أشار السيد الجورشي إلى أنّ اتّساع الهوة بين خطاب السّياسيّين وممارساتهم أدّى إلى خيبة أمل قاسية للشباب التونسي، فانسحب من الحياة السياسية وهو ما ترجمته الانتخابات الرئاسيّة لسنة 2014، ودخل في حالة قطيعة مع الشأن العام والاهتمام بمستقبل تونس.
أمّا السيد محسن حسن فقد سلّط الضّوء على إحصائيات الشباب في علاقته بالسياسة وهي الآتية: نسبة انخراط الشباب في الحياة السياسيّة لا تتجاوز 2.7 %، نسبة حضور الشباب في الإجتماعات الحزبيّة بلغ 22% ، نسبة ترشيح الشباب ضمن القائمات الحزبيّة لا تتجاوز 3 % من جملة الترشّحات في المرحلة الأولى والثانية على مستوى القوائم الانتخابيّة.
أمّا فيما يتعلّق بالأسباب التي أدّت إلى عزوف الشباب عن الحياة السياسيّة، فقد أشار السيد حسن الأسباب التّالية. أوّلا، ضبابيّة المشهد السياسي نتيجة الإنشقاقات والإختلافات. ثانيا، محافظة جلّ الأحزاب، سواء كانت في الحكم أو في المعارضة، على تركيبة هياكلها الحزبيّة حيث لم تُعقد مؤتمراتها منذ تأسيسها إلى الآن. ثالثا، تأثير البيروقراطيّة على المشهد السياسي. رابعا، تطرّف وازدواجيّة الخطاب لعديد السياسيّين.
رابعا، إهمال الجانب الإتّصالي وعدم اعتماد عديد الأحزاب خطّة اتّصاليّة تتماشى وووسائل الشباب الحديثة.
خامسا، تدهور الوضع الإقتصادي و الإجتماعي وارتفاع نسبة البطالة. وأخيرا، اختلال المنظومة الترّبويّة وتراجع الفكر التنويري والنّقدي. أمّا بالنّسبة للحلول، قفد ذكر السيد حسن النّقاط الّتالية: أوّلا، ضرورة إرساء آليّة الحوار وتعميق الحوار العقلاني مع الشباب من أجل الإنتفاع بالطاقات اللإ يجابيّة التي لديهم. ثانيا، تطوير الجانب التكويني والتّدريبي السياسي داخل الأحزاب. ثالثا، إرساء لغة تواصل حقيقيّة شبابيّة وعلميّة.
سادسا، وضع الأحزاب السياسيّة برامج انتخابيّة واقعيّة للتمكّن من تنفيذ الوعود الإنتخابيّة. خامسا، ضرورة دفع المبادرة الخاصّة للشباب على المستوى الإقتصادي في كلّ الجهات، ومساعدتهم على الإستثمار.
و في بداية مداخلته، اعتبرالسيد لطفي زيتون أنّ عزوف الشّباب عن الحياة السّياسيّة، ليست معضلة خاصّة بشباب تونس، وإنّما هي إشكاليّة عامّة تهم العديد من المجتمعات التي تعاني من محدوديّة انفتاحها على العالم الخارجي وقلّة وعيها بالمتغيّرات الإقليميّة والعالميّة. وبالتالي عني “الشباب الّذين غاب عنهم النّظر الفسيح” على حدّ تعبيره.
وبالنسبة للأسباب عرض السيد زيتون النّقاط التّالية. أوّلا، الإختلاف الفكري بين الأجيال، فالشباب الحالي نشأ في مجال أوسع (مواقع التواصل الإجتماعي) من الّذي نشأت فيه الأجيال السّابقة (الحيّ). وهذه الحريّة تعوق انخراطه في الاحزاب السياسيّة التي يعتبرها محيطا ضيّقا. ثانيا، ظهور أحزاب سياسيّة غير قادرة على الاستقطاب والإقناع نتيجة هشاشة قانون الأحزاب الذي أهمل العديد من المعطيات السياسيّة الهامّة. ثالثا، صورة السياسي التّقليدي وضبابيّة مواقفه.
وفي سياق ورقته، سلّط السيد زيتون الضّوء على صفات جيل اليوم: شباب منصرف عن الحياة السياسيّة بمفهومها التّقليدي. يميل للإستقلاليّة ولا يعذي ولاءات طويلة المدى. يميل للجانب العملي البراغماتي. يبحث عن الشفافيّة وسرعة الإستجابة لطموحاته من صنّاع القرار. هو شباب محافظ في أفكاره، ليبيرالي في سلوكه أكثر من الجيل الّذي سبقه.
أمّا بالنّسبة للحلول، فقد نوّه السيّد زيتون إلى ضرورة التوقّف عن الجدل السياسي وإعادة تدوير الثروات في البلاد، رغم أنّ الدّولة هي أكبر رأسمال وفي نفس الوقت هي المنافس الأهمّ بالأساس. كما أشار إلى مراجعة القطاع العامّ الذي اعتبره قطاعا متخلّفا وخاسرا لا يمكن أن يكون للشباب أي دور فيه.
وفي سياق ورقته، اعتبر السيد مولدي الرياحي أنّ تشخيص عزوف الشباب عن الحياة السياسيّة الّذين يمثلون 27.9 % من مجموع السكّان، لا يقوم فقط على الحفر بل يجب الوصول إلى حلول ومعالجات.
وفي مستوى أوّل قام السيّد الرياحي بطرح الأسباب وهي التالية. أوّلا، الشعور بالتّهميش. ثانيا، انغلاق المجالات التي يمكن أن يكون للشباب دور فيها. ثالثا، يعتبر الشباب نفسه صاحب الثّورة في حين يجد نفسه أمام سلطة وأحزاب مخدّرة. رابعا، عدم تحقيق الحكومات المتلاحقة أهداف الثّورة ومطالب الشباب. وأخيرا، مشاركة نسبيّة للشباب في الهياكل الحزبيّة.
أمّا بالنسبة للحلول، اعتبر السيد الرياحي أنّه من الضروري أن يكون للتّنظيم الشبابي الحرّية في التفكير والإبداع. ثانيا، ضرورة رسم سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة تعيد الأمل للشباب. ثالثا، توفير الشغل من أجل تعزيز الشّعور بالمواطنة. رابعا، ضرورة القطع مع الممارسات الوصائيّة وفتح المجال للشباب للمشاركة الفعليّة في الحياة السياسيّة. خامسا، ضرورة المصادقة على مجلّة الجماعات المحلّيّة للتمكّن من القيام بالإنتخابات البلديّة كما هو مقرّر في 17 ديسمبر 2017. سادسا، تركيز اصلاح تربويّ وجامعيّ حقيقيّ يقطع مع حشو الأدمغة وإرساء الفكر النّقدي والقدرة على التّحليل.
وفي نفس السّياق، اعتبر السيد مصعب بن عمّار أنّ عزوف الشباب عن الحياة السياسيّة ناجم عن شعور بالإحباط تعود أسبابه إلى العوامل التّالية. أوّلا، طول انتظارالشباب للإصلاحات وارتفاع سقف المطالب الإجتماعيّة. ثانيا، تعثّر الانتقال السياسي الذي لم يسحبه انتقال ديمقراطي داخل الأحزاب. ثالثا، ممارسات السياسيّين التي تقوم على الإزدواجيّة وغياب النّزاهة السياسيّة وأشار إلى الانتقال المتكرّر بين مختلف العائلات السياسيّة. رابعا، فشل الأحزاب السياسيّة في استقطاب العنصر الشبابي.
وبالنّسبة للحلول، دعا السيّد بن عمّارالأحزاب السياسيّة إلى ضرورة التحرّك والقيام بنقد ذاتيّ ليكون لذلك تبعات إيجابيّة على صورة السياسيين.
كما وجّه النّداء إلى الشباب للتحرّك والتصدّي للإحباط والدّخول إلى معترك الحياة السياسيّة ليكون لهم دورا في نسج المستقبل الواعد الّذي يريدونه لهم وللأجيال اللّاحقة.
أمّا السيّد الصغير الشّامخ فقد انطلق بعرض أربع مؤشّرات تحيل إلى عزوف الشباب عن الشأن العامّ. أوّلا، ضمور الحضور الشبابي في هذه النّدوة. ثانيا، استعمال عبارة ثورة الشباب التي تعدّ في حدّ ذاتها تسمية مهينة لكلّ من الشباب والثورة في نفس الوقت.
علما وأنّ ثورة الشباب تعني حراكا اجتماعيّا بمطالب غير عقلانيّة تنشأ على هامش مرحلة تاريخيّة. ثالثا، ما الّذي في أذهان الشباب من فعّاليّات المؤتمر الوطني للشباب؟ رابعا، تبعيّة الشباب الموجود في البرلمان والحكومة ومحدوديّة دوره. أمّا بالنّسبة للأسباب فهي الآتية.
أوّلا، تذبذبات المواقف والقرارات السياسيّة. ثانيا، ضياع الشباب خلال بحثه عن ذواتهم السياسيّة، الثقافيّة، الإحتماعيّة والإقتصاديّة. وفي حال عدم وجود ذاته، يحاول البحث عنها خارج الوطن محاولا إعادة انتاجها. ثالثا، كلّ التّنظيمات المدنيّة والسياسيّة نشأت على مقولة الأبويّة (نُحدث، نُكوّن،..) وهو أكبر دليل على طبيعة الأزمة في المخيال العامّ. رابعا، مرّت تونس بستّين عاما من الموت السياسي، ممّا أثّر على درجة وعي هذا الجيل وجعله يعبّر عن نفسه بالإحتجاج والإحتفاظ والإنتماء إلى حركات راديكاليّة. خامسا، غياب أكاديميّات سياسيّة داخل الأحزاب لتكوين الشباب في التّنظير وليس التنفيذ.
وخلال النّقاش،أشار الباحث مراد الرويسي إلى ضرورة قراءة مقاطعة الشباب للإنتخابات، قراءة سياسيّة، مؤكّدا على أنّ انخفاض مشاركة الشباب في الانتخابات لا يعني مقاطعته للحياة السياسيّة وإنّما هو نوع من أنواع التّعبير عن موقف سياسي. كما نّوه إلى أنّ تفاصيل المشهد السياسي تعود إلى عقليّة القبليّة التي رغم تفكّكها ظاهريّا إلّا أنّها باقية في المخيال التونسي وبالتالي نجد معظم رؤساء الأحزاب من شيوخ القبيلة (كبار السنّ). فيما اتّفق مختلف المتدخّلين على أنّ الصّراع على السلطة وتداخل مصالح الفرقاء السياسيّين، وتشنّج الخطاب السّائد في المنابر السياسيّة أدّى إلى حالة الإحباط والعزوف التي بلغها الشباب التونسي.
وفي إطار التفاعل أكّد السيد لطفي زيتون إلى عدم وجود أدبيّات في المجال السياسي، مشيرا إلى أنّ السياسة هي البراغماتيّة والبحث عن مصالح الناس، حيث اعتبر أنّ التّحدّي الرّاهن لدى الشباب التونسي هو أن يكون على نفس درجة المعارف والإطّلاع والقدرة على الإحاطة بالمشاكل الوطنيّة، التي بلغها غيره من شباب بقية المجتمعات المتطوّرة علما وأنّ الجانب الإيديولوجي لم يعد يهيمن على الفكر الشبابي . أمّا السيد مولدي الرّياحي فقد أشار إلى أنّه من غير المعقول نفي المعقوليّة عن الشباب التونسي، الّذي يجب أن يكون في قلب الرّحى في حاضر البلاد ومستقبلها. وبالنّسبة للسيّد مصعب بن عمّار فقد أكّد على أنّ الشباب الذي يعدّ وقود الحركات الإحتجاجيّة العامّة لاهتمامه الأكيد بشؤون بلاده، ينتظر تفاعل الحكومة مع طلباته وعدم تجاهله من أجل استقرار الوضع الوطني. أمّا السيّد الصغير الشّامخ فقد أكّد على ضرورة التخلي عن التسميات المهينة للشباب التونسي كما سبق أن بيّن. وفي آخر النّدوة، أكّد السيد صلاح الدّين الجو رشي على أنّ الحياة السياسيّة أشمل من الأحزاب، حيث أنّه على الرّغم من تعطّل الأحزاب السياسيّة، فالحياة السياسيّة لا تتوقّف عن التقدّم والتنوّع في إطار استمراريّة الدّولة. لذلك على الشباب عدم الإنعزال وعدم الإيمان بدوره ممّا يهدّد المجتمع ويقسّمه.
المصدر: مركز دراسة الإسلام والديمقراطية.