
كانت البداية الأولى لبروز اليسار بالمغرب فى سنة 1936 مع تأسيس الحزب الشيوعى المغربي، ثم مع الاتحاد الوطنى للقوات الشعبية الذى جاء نتيجة لاحتدام الصراع بين التيار اليمينى المحافظ داخل حزب الاستقلال، بقيادة علال الفاسى والتيار التقدمى اليسارى بقيادة الشهيد المهدى بنبركة، والذى تحول إلى الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية. حيث اتسمت هذه المرحلة بالصراع بين اليسار وحكم الراحل الملك الحسن الثاني، حيث شكل مطلب الملكية البرلمانية خيارا سياسيا لنضال اليسار المغربى والعدالة الاجتماعية والمساواة كأفق اجتماعي.
ويضيف المغربى د.رضا حموز الحاصل على دكتوراه الدولة فى القانون العام:
فى ظل هذه الظروف تبنى الاتحاد الاشتراكى كحزب فى طليعة اليسار المغربى إستراتيجية النضال الديمقراطى بقيادة الراحل عبد الرحيم بوعبيد، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى قيادته لحكومة التناوب التوافقي، هذه الحكومة التى نجحت فى إخراج المغرب من السكتة القلبية، ويسَّرت انتقال السلطة إلى الملك محمد السادس بعد وفاة الحسن الثاني. غير أنه سرعان ما سيتم الانقلاب على تجربة الاتحاد الاشتراكى فى سنة 2002 بعد حصوله على المرتبة الأولى فى الانتخابات البرلمانية، وتعيين رجل تكنوقراطي.
ولقد أعادت النتائج التى حصلت عليها أحزاب اليسار فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة لـ 7 أكتوبر سؤالاً عن مستقبل اليسار وحقيقة قدرته على الاستمرار داخل المشهد السياسى المغربى كقوة مؤثرة ومعبرة عن انتظارات الطبقات الكادحة والفئات المتوسطة التى ظلت مصدر قوته وإشعاعه ومن هنا، خرجت بعض الآراء الحزبية والأكاديمية التى ذهبت إلى الإعلان عن بداية انتهاء القوى اليسارية لصالح قطبية ثنائية بين حزبى العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وهو ما لا نرى له أى اعتبار واقعى ولا سياسى لمجموعة من الاعتبارات:
أولها أن نشأة اليسار فى المغرب، كان نتاج لضرورة مجتمعية تستجيب لتطلعات الشعب لتحقيق الحرية والكرامة والعيش الكريم، وهو الأمر الذى كان يجد تجليه فى قوى اليسار الحاملة لقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وثانيا- لأن أياً من الحزبين، العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، لم يحصل على أغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، وبالتالى نكون بصدد حزبين منتصرين ومحتلين للمرتبة الأولى والثانية .وثالثا أنه إذا كانت نتائج العدالة والتنمية، تجد تفسيرها فى اعتمادها على الخطاب الدينى القادر على اختراق واستمالة أصوات المغاربة، فإن الأصالة والمعاصرة هى محصلة لدعم رجال السلطة واستقطاب مرشحين من أحزاب أخرى وتأثير المال الذى يتوافر عليه الكثير من مرشحيه، ورابعا أن نتائج اليسار تعود بأساس إلى احتواء قيادته من قبل قوى مخزنية وتبعيتها المطلقة إلى أحد طرفى القطبية المصطنعة، ناهيك عن صراعاته الداخلية وابتعاده عن هموم ومشاكل المواطنين.
ويعلق المحلل السياسى محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية:
إن المتتبع لمسار اليسار بالمغرب، يتبين له بجلاء وضع الشتات الكبير الذى يتخبط فيه اليسار المغربي، فضلا عن انقسام اليسار إلى يسار حكومى “حزب التقدم والاشتراكية”، ويسار معارض “الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية”وهو يسار موجه خارج المؤسسات الذى يسمى بـ”فيدرالية اليسار المغربي”، وبعض الأحزاب اليسارية الصغرى، بل وحتى حزب الأصالة والمعاصرة، اعتبر نفسه حزبا يساريا وسطيا وهو توجه اختطه الحزب فى مؤتمره الثالث. اذن السؤال الذى يطرح هو هل نحن أمام يسار تعددى فعلا أم أننا أمام توجهات يسارية متباعدة؟.
ومن هنا تكون الإجابة إن غياب توجه يسارى محكم، جعل أحزاب اليسار أمام باب شبه مغلق فيما يتعلق ببناء التيارات النافعة والوفاء للخيارين الإصلاحى والديمقراطي، ويظهر للبعض فى أحيان عدة، أن بعض الأحزاب المحسوبة سواء على اليسار “المعتدل” أم اليسار الراديكالي، لم تعد ترضى من الناحية السيكولوجية بالامتدادات اليسارية، وهذا المعطى ظهرت له مؤشرات سواء فى البرامج والممارسة الانتخابية أم فى اللحظة الانتخابية التى جاءت نتائجها مطابقة لمستوى تدنى الفكر اليسارى فى المشهد السياسى المغربي.
أقطاب متعددة:
ويضيف بودن قائلا: إن التذبذب السياسى والمذهبى يطبع الممارسة السياسية لأحزاب اليسار التى تبحث بشغف عن مكان تحت قبة البرلمان أو فى تركيبة الحكومة، مهما كانت الكلفة المرتبطة بالمذهب السياسي، وهذا انحراف واضح تجاه تبنى الطرح الأصلى وهنا نذكر مثلا الجدل الذى خلفته مؤخرا تصريحات نبيلة منيب الأمينة العام لحزب اليسار الاشتراكي بشأن رغبتها فى ولوج البرلمان عن طريق نظام الكوتا أو التحصيص، وكذا تصريحات إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكى بشأن العتبة الانتخابية.
ويؤكد المحلل السياسى أن الأحزاب السياسية المغربية هى سليلة الفكر اليسارى وتختلف كثيرا لتلتقى نادرا فى موقف موحد، وهو الأمر الذى يرميها غالبا فى قوقعة التفكير المصلحى والزعاماتى وعيوب التنظيم.
ويضيف قائلا: يظل أفق القوى اليسارية مرتبطا من جهة بصعود قوى جديدة فى الساحة السياسية، ومن جهة أخرى يرتبط بواقع حزبى مغربى تعددي، تتحكم فيه التحالفات الانتخابية وهو ما يرمى باستحالة تجميع الأحزاب اليسارية فى قطب واحد، لكن الملاحظ هو أن الحاجة الملحة فى تجديد الخطاب والبرامج أصبحت أولى الأولويات الموضوعة على طاولة الملفات المستعجلة التى يجب أن تباشرها أحزاب اليسار.
ويذكر أنه فى بداية تأسيس الحزب آنذاك ،اختير د محمد فارس منسقا عاما للحزب، وقد أعلن عن أهداف الحزب، وهى تعميم جودة التعليم وتعزيز التفكير النقدى فى المناهج الدراسية وتثقيف الشباب على روح المواطنة والمبادرة، وكذلك تعزيز مشاركة المواطنين فى الشئون العامة، وأيضا توسيع نطاق المشاركة السياسية فى الحياة العامة ولا سيما لدى النساء والشباب من خلال سلوكيات وخطوات جادة لتأكيد مصداقية وأمانة الحزب كما كانت أهدافه أيضا.
تهذيب الممارسة السياسة عن طريق إدخال التعديلات اللازمة على القوانين المتعلقة بالانتخابات والأحزاب السياسية، وتثمين تنوع التراث الثقافى الوطنى لدولة المغرب وأعلن آنذاك عن هدفه بالوصول والانفتاح على العالمية ومن هنا كان عليه الأخذ بعين الاعتبار حماية البيئة فى السياسات العامة على أساس نموذج تنموى مستدام، وكذلك التركيز على العنصر البشرى عند تنفيذ برامج التنمية الوطنية ذات البعد البيئي، وأشار فى أحاديث مطولة بأن على السلطات أن تتخذ خطوات لإدارة فاعلة ومستدامة للموارد الطبيعية بسبب ندرة هذه الموارد وكذلك تشجيع الطاقات المتجددة من خلال الأبحاث العلمية والإعفاءات الضريبية، وتوسيع الوعى بالقضايا البيئية ذات البعد الدولى فى مجملها.
كانت الديناميكية الجديدة لحزب اليسار الأخضر المغربي، تتجلى فى ممارسة سياسة مختلفة لكى يهدف إلى جعل حل الرهانات والإشكالات البيئية مشروعاً تنموياً مستداماً يسيره ويستفيد منه المجتمع.
وقد كانت قيم حزب اليسار الأخضر المغربي المدونة بين أحزاب الخضر حول العالم قيما ومبادئ مشتركة كما وردت فى “ميثاق الخضر العالمي”وهى أن يستند تشكيل حزب اليسار الأخضر المغربى إلى ستة مبادئ رئيسية:
أولها كانت الحكمة البيئية، حيث أدرك الحزب أن الكائن البشرى هو جزء من العالم الطبيعي، ومن هنا وصى على اللاعنف فى التعامل مع المغاربة وأعلن بشكل صريح التزامه بنبذ العنف والسعى لخلق ثقافة للسلام والتعاون بين الدول، كما أكد أهمية العدالة الاجتماعية وذلك من خلال التوزيع العادل للموارد الاجتماعية والطبيعية.
وكذلك التنمية المستدامة إدراكا منه بأن نطاق التوسع المادى للمجتمع البشرى ضمن المحيط الحيوى محدود، وذلك أيضا للحفاظ على التنوع البيولوجى من خلال الاستخدام المستدام للموارد المتجددة.
(الديمقراطية أولا):
ومن هنا سعى الحزب لتكون الديمقراطية التشاركية، والتي تضمن للمواطنين الحق فى التعبير عن آرائهم والمشاركة فى اتخاذ القرارات التى تؤثر بشكل مباشر على حياتهم موجودة بالفعل ويتم تطبيقها بشكل جاد فى المجتمع .
وفى عام 2015 أعلن الحزب خوضه للانتخابية البرلمانية المختلفة (محلية، برلمانية)، وبرغم هذا الإعلان المبدئى فإن المشاركة ظلت محل شكوك كبيرة إلى حين موافقة قانون “الأحزاب السياسية” الجديد الذى أقره المجلس الوزارى الذى يرأسه الملك فى 15 مايو على مشاركة اتحادات الأحزاب بقوائم مشتركة فى الانتخابات، وهو مطلب ظلت فيدرالية اليسار الديمقراطى تشدد عليه لتأكيد المشاركة.لكن على الرغم من أن هذه الخطوة تضع حداً لمقاطعة أحزاب اليسار الراديكالى للانتخابات المغربية فى تلك المرحلة، فإنه كان من غير المرجح أن تحقق هذه الأحزاب مكاسب مهمة من خلال مشاركتها فى الانتخابات.
زينب هاشم
المصدر: الأهرام الاقتصادي، 2017/05/14