المغرب: الصدفة تقود إلى اكتشاف تاريخي يعود للقرن الـ 12

الصدفة وحدها قادت عمال ورش بناء مشروع مبنى ثقافي في دار البارود، بوسط مدينة سلا (غربي المغرب) إلى اكتشاف موقع أثري مهم، عندما عثروا على مجموعة من الخزفيات وبقايا أفران، تعود إلى عصر دولة الموحدين في القرن الثاني عشر للميلاد.
تم إشعار وزارة الثقافة التي تدخلت، وكلفت أساتذة وباحثين مختصين من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط، للقيام بحفريات في الموقع لمدة شهر واحد لتحديد القيمة التاريخية للخزف المكتشف.
وقد أنهى فريق الباحثين، الذي يضم أربعة أساتذة من معهد الآثار عمليات الحفر والتنقيب في الثالث عشر من أبريل/ نيسان 2017، فيما لم تتجاوز هذه الحفريات في الموقع الشاسع نسبة 5% من مجموع المساحة التي يفترض أن تشملها حفريات الفريق.
أول خطوة… إيقاف الورش:
وقال أحمد العلوي، مدير مديرية التراث الثقافي في وزارة الثقافة المغربية إن “الموقع الذي تم اكتشافه في دار البارود مهم جداً”، مضيفاً في اتصال بـ”هاف بوست عربي”، إنه عبارة عن “مصنع لصناعة الخزف، يعود إلى الفترة بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، وهو الأول من نوعه على مستوى شمال إفريقيا إلى الآن”، على حد قول المسؤول المغربي.
وأوضح العلوي أن “الخطوة الأساسية التي قامت بها الوزارة، هي مسارعته إلى وقف أعمال الحفر والبناء بخصوص إنشاء المبنى الثقافي، ثم حددت فريقاً من الأساتذة والباحثين في مجال المباني التاريخية والتراث للعمل والبحث في الموقع”.
وحول تخوّفات بعض الباحثين والمهتمين من توقيف البحوث والحفريات في الموقع، أشار إلى أن “الحفريات استكملت مرحلتها الأولى وسيقدم فريق البحث تقريره عن ذلك، وإذا كانت هناك مراحل أخرى في البحث تستدعي استئناف عملية الحفريات”.
وأضاف العلوي أن الوزارة “تتفاوض مع بقية المشاركين في مشروع المركب الثقافي المزمع تشييده، لإيجاد صيغة مناسبة لنقل الورش إلى المكان المجاور للموقع الأثري كي لا يتضرر هذا الأخير”.
أفران الأعمدة.. اكتشاف فريد:
من جانبه، قال حسن ليمان، الأستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، إن “الموقع يضمّ أفراناً خاصة يتم الكشف عنها للمرة الأولى في المغرب، وتدعى أفران الأعمدة، تعود للقرنين 11 و12، إضافة إلى أفران أخرى تعود للقرن 17، وإذا تمكنا من مواصلة الحفريات بشكل شامل، ربما ستتبيّن فترات أخرى”.
ويضيف المتحدث نفسه، في حديث لـ”هاف بوست عربي”، أن “الموقع الأثري المكتَشف فريد من نوعه في المغرب العربي عامة، لكونه أول حيٍّ حرفي يتم اكتشافه، كما أنه يمثِّل جزءاً من ذاكرة مدينة سلا، ويبرز أهمية الخزف الإسلامي”.
ودعا الأستاذ بالمعهد الوطني للآثار، وعضو فريق الحفريات في موقع دار البارود “المسؤولين إلى السماح لهم بالاستمرار في عمليات الحفر والتنقيب حتى يبرزوا أكثر خصوصية الموقع التراثية ومميزاته التاريخية”.
وحول التكتم الذي صاحب اكتشاف الموقع في البداية، قال ليمان إنه “لم يكن بالإمكان الخروج في سابق الأيام إلى الرأي العام والإعلان عن اكتشاف هذا الموقع الأثري، لأن فريق الحفريات والبحث لم يكن قد توصّل ساعتها إلى نتائج علمية تمكنه من تقييم الموقع، ولذلك كان الحرص على أخذ الفرصة الكاملة والوقت الكافي للتقييم”.
وأضاف أن لديهم الآن دلائل أثرية وتاريخية تبرز خصوصية الموقع، المرتبط بالذاكرة الوطنية، والتاريخ الإنساني ككل، واقترح ليمان إدماج الموقع الأثري المكتشف ضمن المشروع الثقافي المزمع إنجازه بموقع دار البارود.
دار البارود… ذاكرة سلا:
ويشير الأستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث إلى أن موقع دار البارود له أهميته التاريخية المهمة، “فقد تم تأسيسه في عهد السلطان عبد الرحمن بن هشام، كمستودع لتخزين الذخيرة والأسلحة والعتاد العسكري في العام 1846”. مضيفاً أن هذا الموقع التاريخي “يشهد على الازدهار العمراني والحضاري لمدينة سلا وذاكرتها الجماعية منذ العصر الوسيط حتى الوقت الراهن، كما يجسِّد على المستوى الفني استمرارية فن إنتاج الخزف (الرقيق المصبوغ والعادي والمزجج)، والآجر، والزليج وفوهات الآبار، وغيرها”.
عبد الكريم موسى
عن هاف بوست،2017/05/07