تقاريرتونس

هل عاد التعذيب في تونس بعد 6 سنوات من الثورة؟

 

نظم مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية ندوة حول عودة  التعذيب في تونس بعد ست سنوات من الثورة،إحساسا من القائمين على المركز بضرورة كشف الحقيقة و معرفة حجم الظاهرة من أجل تضافر الجهود لتركيز الآليات التي تضمن الحفاظ عى حقوق الإنسان. وشارك في الندوة التي ترأسها السيد رضوان المصمودي كلٌ من السيدة آمنة القلالي مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش والسيد لطفي عز الدين عضو الهيأة الوطنية للوقاية من التعذيب والسيدة هبة مورايف مديرة البحوث بمنظمة العفو الدولية مكتب تونس الإقليمي.

في بداية الندوة، أكَد السيد رضوان المصمودي على أن كشف الغطاء عن جريمة التعذيب والتفكير جديًا في الآليات التي تتصدى لها، مسؤولية الجميع.
المداخلة الأولى كانت للسيدة آمنة القلالي التي اكدت في مداخلتها أنَ التعذيب لم ينقطع منذ تكوين الدولة التونسية ما بعد الاستقلال إلى الآن ولم تقم الثورة إلا بتخفيض نسبة التعذيب من خلال زيارات ميدانية لمنظمة هيومن رايتس واتش لعشرة مراكز إيقاف والحديث إلى العديد من المساجين ،70% من الموقوفين تعرضوا إلى سوء المعاملة والتعذيب أثناء الإيقاف والبحث. وفي سياق ورقتها، عرضت السيدة آمنة القلالي العوامل المؤدية إلى ترسيخ ظاهرة التعذيب على الرغم من التغيرات السياسية .
أولا، نقص الضمانات القانونية للتصدي للتعذيب في القانون التونسي.فقانون عدد 5 المؤرخ في سنة 2016، المنقح لمجلة الإجراءات الجزائية ،قلص في فترة الاحتفاظ وأرسى حق الموقوف في تواجد محامي منذ إيقافه.كما نصَ على استثناءات تعطى لوكيل الجمهورية و قاضي التحقيق إرجاء الاتصال بمحامي إلى ما بعد 48 ساعة في قضايا تتعلق بالإرهاب.غير أن هذه الوسيلة أصبحت ذريعة بيد السلطة القضائية للتمكن من القيام بانتهاكات ضد الموقوفين قصد انتزاع الاعترافات (قضية حمادي الخليفي/ معز الجمني).
ثانيا،الخطاب المهيمن الذي يبرر التعذيب.برزت في الآونة الأخيرة حملات ممنهجة ضد القضاة الذين ينظرون في الملفات الإرهابية و ضد المنظمات الحقوقية التي تتصدى للتعذيب في السجون و اتهامها بتبييض الإرهاب.و الدليل على ذلك تبرير وزارة الداخلية للموت المستراب لمحمد على السنوسي الذي توفي تحت التعذيب في شهر أكتوبر 2016. أيضا تبرير السياسي لزهر العكرمي لتعذيب سبعة أشخاص متهمين في قضايا إرهاب معتبرا أنهم تعرضوا لسوء معاملة لم يبلغ درجة التعذيب .
ثالثا، البطء في إثارة المسألة عدليا و انتظار الأشهر و السنوات ممَا يؤدي إلى اندثار آثار التعذيب وغلق ملفات التعذيب لعدم وجود و توفر أركان الجريمة. لذك من الضروري التسريع في المحاسبة و المحاكمات القضائية و منع الإفلات من العقاب .
رابعا، اللجوء شبه الآلي من قبل حكام التحقيق للإنابة العدلية بحيث تعطى الصلاحية لرجال الشرطة و الضابطة العدلية إمكانية القيام بالتحقيق علما و أنه نفس الجهاز المتورط في عملية التعذيب وبالتالي تنتفي المصداقية والشفافية وتتعرقل الإجراءات .
خامسا، تهديد و هرسلة الشهود وأهالي الضحايا.كما يتم تلفيق قضايا كيدية لعائلة الضحية للتسريع في غلق القضية .
سادسا، القرارات القضائية لا تتطبق مساندة لزملائهم .و قد تساءلت السيدة آمنة القلالي عن ماهية ظاهرة التعذيب، هل هي سياسة ممنهجة؟ أم نابعة عن تصرفات فردية؟ مع الأسف تعتبر السلطة أن التعذيب ناتج عن تصرفات فردية. وقد اعتبرت السيدة آمنة القلالي أنه لا يمكن قبول هذا التبرير لأن حالات التعذيب ليست فردية مؤكدة على أن السلطة متواطئة في مسألة التعذيب.
المداخلة الثانية كانت للسيد لطفي عز الدين الذي اعتبر أن فكرة التعذيب ترسخت في المخيلة الشعبية نتيجة النظرة الدونية للآخر وتاريخيا، قديما كان يقع التعذيب على العبيد والأجانب وغير الأحرار الذين يمكن المس بكرامتهم والاعتداء وفي الحضارة اليونانية كان لا يقع تنفيذ العقاب على الحر وإنما على أحد عبيده.
 ورغم مصادقة تونس على المعاهدة الدولية ضد التعذيب منذ 1988 ورغم تعدد المنظمات الدولية الحقوقية إلا أن تبرير التعذيب متواصل.
 وقد أجبرت تونس على وضع نص قانوني يجرم التعذيب، وبعد سنة 2011 تم تشديد العقوبات في الفصل 101 مكرر. ولكن في فترة لاحقة تخلى المشرع التونسي عن التعذيب كجريمة تتطلب العقاب وحذف عبارة التمييز وتم الإقتصار على التمييز العنصر فقط وهو ما يخالف محتوى المعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس كما افاد السيد لطفي عز الدين أن الهيأة الوطنية للوقاية من التعذيب أسست بصفة مستقلة، نتيجة بروتوكول مناهضة التعذيب قصد رقابة السلطات ومواكبة الدولة في الإصلاح التشريعي والميداني المتعلق بالسجون.
بحيث تقوم بالتقصي بالإعتماد على نفس الوسائل والآليات القضائية.كما أشار السيد لطفي عز الدين إلى أن وفق إحصائيات شهر ديسمبر 2016 بلغ عدد المساجين 43543 سجين، منهم 1 % من الأحداث، حيث أن على كل 100 ألف ساكن نجد 24 ألف سجين.كما بلغ عدد السجون سنة 2015 ،27 سجنا لم تبنى لهذا الغرض ويقع تحويلها من مزارع ومنشآت للسكن إلى سجون.
أما المداخلة الثالثة فكانت للسيدة هبة موراييف التي اكدت أن التعذيب لم يختف بعد الثورة، وذلك يعود لغياب إصلاح جذري في تونس والتصدي لهذه الظاهرة ومحاسبة الفاعلين. ومن خلال 73 مقابلة، قامت بها منظمة العفو الدولية بين ولايتي تونس وبن قردان، تم تسجيل 19 حالة اعتقال بدون وجه حق بسبب الانتماءات الدينية، وعديد حالات القبض العشوائي، 15    حالة جبرية تعسفية، القبض على أفراد من عائلة واحدة لتوفير معلومات حول المقبوض عليه في السجن وتكرر المداهمات للمنازل من دون إذن قضائي. وكل هذه التجاوزات عززت من ممارسة التعذيب داخل السجون وذلك لإحساس رجال الأمن بالقوة والسلطة. كما أكدت السيدة هبة على وجود 23 حالة تعذيب لم يبلغ منهم سوى شخص واحد خوفا من رجال الأمن الذين يعتمدون كل الوسائل لانتزاع المعلومات من الموقوفين (الضرب بالعصي/الإجبار على الوقوف/ الصعق بالكهرباء/ الحرمان من النوم/ التعرية/التعذيب الجنسي).
 ودعت السيدة هبة موراييف الى ضرورة اعتراف الدولة بأن سياسات التعذيب ممنهجة وليست فردية وأن الجهاز الأمني لم يتم إصلاحه رغم الانتعاش الديمقراطي واتساع المساحة السياسية، بالإضافة إلى تكريس المزيد من الشفافية لوزارة الداخلية على مستوى المعلومات والإحصائيات المتعلقة بأحداث التعذيب ورفع الحصانة عن رجال الأمن.
وقد تواجدت بالقاعة السيدة صالحة الجليدي والدة المسجون أحمد بن عثمان لتدلي بشهادتها ولتخبر عن الحالة الصحية المتدهورة (شلل تام) لابنها السجين نتيجة التعذيب وسوء المعاملة. وقد حملت السيدة صالحة المسؤولية لأعوان الأمن الذين عذبوه في السجن.
 وقد تفاجئ الحضور من الوضع الكارثي للسجون التونسية ودرجة التعذيب المهولة التي اعتقد أغلب التونسيون بانتفاء ممارساته. وفي هذا الإطار اتجه تفاعل أغلب الحاضرين إلى ضرورة تأهيل الجهاز الأمني واصلاحه وترسيخ ثقافة احترام حقوق الإنسان ودعم الدولة لمجهودات منظمات المجتمع المدني الاستقصائية لتعزيز حماية الحقوق والحريات من أجل تأمين الانتقال الديمقراطي في أفضل الظروف. وأشار الأستاذ الجامعي مراد الرويسي على أن التعذيب لا يقتصر على فضاءات السجون وإنما تشمل التعذيب المعنوي الذي يتعرض له المواطن طيلة حياته اليومية في جميع المجالات وعلى جميع المستويات وذلك يعود إلى غياب إرادة سياسية حقيقية تهدف للقضاء على ظاهرة التعذيب.
وللتفاعل، اعتبر السيد لطفي عزالدين أنه من الخطأ النظر إلى ظاهرة التعذيب من زاوية قانونية بل يجب تناولها من زاوية حق كل فرد في الكرامة. وأكدت السيدة آمنة القلالي على أن فترة الانتقال الديمقراطي قترة قصيرة لا يمكن استيعاب كل الإصلاحات الجوهرية في كل المجالات ولكن يكفي أن تكون السلطات واعية بمخاطر التعذيب وأن ترسل رسالة واضحة بأن هذه الظاهرة غير مقبولة بالأساس وأنها ليست حالات فردية شاذة.كما أشارت السيدة هبة مورايف إلى أن مطلب محاسبة مرتكبي جريمة التعذيب هو مطلب شعبي بالأساس قبل أن يكون مطلبا حقوقيا.  
المصدر: مركز دراسة الإسلام والديمقراطية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق