
تجري في الجزائر يوم 4أيار/مايو المقبل ،الانتخابات التشريعية الجزائرية ، وفق ما نقله بيان للرئاسة الجزائرية، ليأتي الموعد متوافقًا مع نهاية ولاية نواب المجلس الشعبي الوطني المحددة في خمس سنوات. وسادت مخاوف في الجزائر من إمكانية تأجيل الانتخابات، مما جعل وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، يؤكد قبل أشهر أن الانتخابات ستُجرى في موعدها، وأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة هو الوحيد المخوّل له دستوريا تحديد موعدها بالتدقيق. وأنشأت الجزائر الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، وتتكون من أعضاء نصفهم قضاة، هدفها السهر على مرور الانتخابات في أجواء نزيهة.
وكانت الجزائر شهدت حراكاً سياسياً واجتماعياً منذ بداية سنة 2011،انطلاقا من ما بات يعرف في الخطاب السياسي العربي ب«ربيع الثورات العربية»، لكن الأحزاب التي رفعت شعار «إسقاط النظام»، لم تحقق التعبئة الشعبية الكافية، في حين ظهرت مطالب اجتماعية كثيرة تجسدت في اعتصامات ومسيرات شملت جميع القطاعات .ولامت الصحافة الجزائرية الرئيس بوتفليقة بشدة عن عدم إبدائه رأياً واضحاً في شأن المطالب السياسية المرفوعة. وقرر الرئيس رفع حالة الطوارئ تحت الضغط، لكن المعارضة كانت تطالب بحريات سياسية وإعلامية أوسع.
وكان حليفان كبيران للرئيس عبد العزيز بوتفليقة روجا لفكرة الإصلاحات الدستورية ، وهما عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني (الغالبية) وأحمد أويحي، الأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي. وكان لافتاً أن كلاهما مهد «للإصلاحات» من باب أنها «لا تتم تحت الضغط»، وهي الرسالة التي أرادت الحكومة تمريرها قبل أي خروج محتمل لبوتفليقة لإعلانها.
وكان الرئيس الجزائري يرغب في مراجعة الدستور بالشكل الذي تخرج صورة النظام القائم في شكل نظام رئاسي. ويوصف النظام الساري المفعول بغير المفهوم والذي تتداخل فيه الصلاحيات، فالوزير الأول، رئيس الوزراء، مسؤول أمام البرلمان وأيضاً أمام الرئيس، ورغم التعديلات الخمسة التي أدرجت في 2008 والتي سمحت لبوتفليقة الترشح لولاية ثالثة، فإن السلطة التنفيذية يبدو أنها لا تزال تحت سلطة رأسين، هما رئيس الجمهورية والوزير الأول، مع أن تصريف شؤون الدولة حولت تماماً لمجلس الوزراء الذي يرأسه بوتفليقة.
واستقر الرأي داخل أجنحة النظام، على أن «ناتج الطبقة السياسية الموجودة في الساحة اليوم لا يمكنها تحمل نظام برلماني»،لا سيما أن مسؤولاً كبيراً قال في اجتماع رفيع في بداية سنة 2011«لو نذهب إلى نظام برلماني أتوقع أن تسقط الحكومة كل شهر».
وتفادياً لتداعيات «ربيع الثورات العربية »على تغيير بنية الدولة الجزائرية،أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 15 أبريل/نيسان 2011،السير على نهج إصلاحي جديد في مختلف جوانب الحياة العام في الجزائر سياسياً وإعلامياً واجتماعياً وإدارياً.فقام بإجراء تعديلات في الدستور الجزائري الحالي الذي أقر في سنة 1996،حيث يتيح الدستورإجراء التعديلات، بعرض التعديلات بالحصول على موافقة ثلاثة أرباع البرلمان (وفقا لمادة 176من نص الدستور).
وليس خافياً أنّ بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم في ربيع 1999 لم يدخر جهدا في تغيير القاعدة التي تحكم النظام السياسي الجزائري، وجعل الرئاسة المؤسسة الأم وبقية المؤسسات تابعة لها بما في ذلك العسكر.و يشعر الرئيس بوتفليقة اليوم أنه في وضع قوي كفاية لكي يفرض رؤيته ورجاله ، في محاولة واضحة تستهدف أخذ مسافة من الأجهزة الأمنية ، و التحرر من وصايتها ، بعد أن استغرقت مهمات تطويع المؤسسة العسكرية أو التطبيع معها جانباً من انشغالات الولاية الأولى للرئيس …
وجرت آخر انتخابات تشريعية في الجزائر يوم 10 آيار/مايو 2012 ، في جو ساد فيه الخوف من الامتناع عن التصويت، باعتبارأن «حزب المقاطعة » أصبح الحزب الأول في الجزائر، حسب آراء المحللين الجزائريين .فالظاهرة الجديدة التي باتت تسيطر على المشهد السياسي الجزائري ، وباتت تقلق أركان الدولة الجزائرية و بقية الأحزاب السياسية سواء المؤيدة للسلطة أو المعارضة ، تكمن في العزوف الشعبي عن المشاركةالانتخابية، حيث أصبحت فئات واسعة من الشعب الجزائري تتعامل تجاه الا ستحقاقات الانتخابية بنوع من السلبية القاتلة، واللامبالاة ،ليقينها التام بأن كل مظاهر المشاركة السياسية لم تعد تحقق الأهداف المرجوة ،لاسيما عملية التغيير الحقيقية في البنية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة الجزائرية.
و كان الناخبون الجزائريون الرازحون تحت وطأة غلاء المعيشة، يعبرون عن معارضتهم للطبقة السياسية الحاكمة من خلال الصمت ومقاطعة الانتخابات التشريعية .وهم يظهرون أكثر انشغالاً بالتعليق على الانتخابات الرئاسية الفرنسية منهم بالانتخابات الجزائرية.
وشارك في تلك الانتخابات 44 حزباً منها 21 حزباً جديداً للتنافس على 462 مقعداً في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري)، كما شارك أيضاً حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي قاطع انتخابات عامي 2002، و2007، وستة أحزاب إسلامية.غير أن إسلاميي «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، و تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»دعوا إلى مقاطعة الانتخابات.
في الانتخابات التشريعية التي جرت في آيار/مايو 2012، حقق حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر فوزاً كبيراً بنيله 220 مقعداً منها 68 للنساء، من أصل 462 يتألف منها المجلس الشعبي الوطني )البرلمان). و حلّ في المرتبة الثانية، حزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، 68 مقعداً (32 إمرأة)، ولم تحصل الأحزاب الإسلامية مجتمعة سوى على 59 مقعدا، من بينها 48 مقعداً (15 إمرأة)لتجمع «الجزائر الخضراء»(الذي يضم حركة مجتمع السلم «الإخوان المسلمون»التي كانت تشغل 59مقعداً في المجلس المنتهية ولايته ما سمح لها بالمشاركة في الحكومة بأربعة وزراء ،ويقودها أبو جرة سلطاني ، وحركة الإصلاح بقيادة حملاوي عكوشي، وحركة النهضة بقيادة فاتح ربيعي) ، وجبهة القوى الاشتراكية (21 مقعداً)، وحزب العمال 20 مقعداً (10 نساء). وجبهة العدالة والبناء لعبدالله جاب الله 7 مقاعد، الحركة الشعبية 6 مقاعد، الفجر 5 مقاعد، جبهة التغيير 4 مقاعد، التضامن والتنمية 4. ونالت أحزاب صغيرة أخرى أقل من 3 مقاعد لكل منها، فيما نال المستقلون 19 مقعداً.
ومُنِيَ الإسلاميون الجزائريون بهزيمة حقيقية في هذه الانتخابات ،رغم أنهم كانوا يعتقدون أنهم سيحققون فوزاً كبيراً في تلك الانتخابات التشريعية ،على غرار ما حققته الأحزاب الإسلامية في كل من تونس ومصر و المغرب. و يجمع المحللون الجزائريون أن تحقيق الأحزاب الإسلامية بالجزائر فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة كان شبه منعدم لأنها منقسمة في ما بينها ومنغلقة على نفسها.ورغم إجراء تلك الانتخابات التشريعية في الجزائر، فلا يوجد أي حزب جزائري(سواء في السلطة أو في المعارضة ) مستثني من التداعيات الخطيرة للأزمة البنيوية العميقة التي يعيشها المجتمع الجزائري.
ومن الواضح أن «الربيع العربي» لم تكن له تداعيات تذكر على المشهد السياسي الجزائري، يكشف على ذلك نتائج الانتخابات التي جرت في آيار/مايو2012،والتي تكاد تكون مماثلة للانتخابات التي جرت في سنة 2007.إذ لايزال حزب جبهة التحرير الوطني يسيطر على الحياة السياسية بعد الاستقلال،فضلاً عن إن حزب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة هو المسيطر على المجلس الشعبي الوطني (البرلمان ).
وفي الانتخابات التشريعية الجزائرية التي ستجرى يوم 4 أيار المقبل ،أعلنت الأحزاب الإسلامية الجزائرية عن تشكيل تكتلين، وذلك بعد تشرذم امتد سنوات .ويتشكل القطب الأول من تحالف يسمى الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، ويضم ثلاثة أحزاب، هي:حركة النهضة،وجبهة العدالة و التنمية، وحركة البناء الوطني.أما القطب الثاني فهو عبارة عن تحالف انتخابي ينتهي بوحدة اندماجية بين حركة مجتمع السلم،وجبهة التغيير التي انشقت عنها في 2008.ويرى المحللون الجزائريون أن حظوظ الإسلاميين في هذه الانتخابات ،مرتبطة بمدى نزاهة الاقتراع وحجم الإقبال الشعبي على التصويت.
تعيش الجزائر في خضم تموجات ما بات يعرف بـ «الربيع العربي» وتداعياته الخطيرة على صعيد إسقاط النظم التسلطية العربية في عدد من البلدان العربية، وعجز الحركات الإسلامية التي استلمت السلطة عن بناء السلطة الديموقراطية البديلة، ما جعل الشعوب العربية تعيش حالة من الارتباك السياسي والحيرة من الإسقاطات المدمرة لـ «ثوراتها». وهذا الوضع هو ما يدفع الآن بالعديد من الأحزاب السياسية في الجزائر، لا سيما الأحزاب المشاركة بالسلطة ، إضافة إلى المؤسسة العسكرية إلى التمسك بالنظام الحالي، خوفاً من حدوث فراغ كبير يؤدي إلى تفجير الوضع في الجزائر، في ظل تنامي الإرهاب في معظم العالم العربي.
توفيق المديني
المصدر: صحيفة الحياة اللندنية، قضاياوتحقيقات،الخميس27/4/2017