
أقدم المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التابع لمجموعة البنك الدولي، تقريرا حديثا يتناول موضوع “اقتصاديات إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، كما تم طرح بعض النقاط التي تضمنها لنقاش مستفيض حضرته شخصيات مغربية ودولية وازنة.
التقرير، الذي نوقشت نتائجه مساء الثلاثاء في ندوة بالرباط، أفاد بأن معدل النشاط الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقي منخفضا بين سنتي 2013 و2015 بنسبة 2.4 في المائة في المتوسط، أي ما يعادل نصف معدل النمو السنوي الذي تحقق خلال العقد الأول من القرن الحالي.
في مقابل ذلك، كشف التقرير أن هذا الوضع يرتقب أن يتحسن بعد سنة 2017، بارتفاع معدل النمو إلى أكثر من 3 في المائة في سنتي 2018 و2019، مضيفا أن هذا “النمو وإن كان يقل عن إمكانات المنطقة، فإنه يبعث على الأمل”.
وأبرز المصدر نفسه أن ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب والنساء، هي عوامل ضمن أخرى أدت إلى اندلاع ثورات الربيع العربي بالمنطقة، تعود بالأساس إلى إنفاق جزء كبير من الفائض الإجمالي المقدر بحوالي 110 مليارات دولار في دعم المواد الأساسية والمحروقات (حوالي 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي) إضافة إلى تسديد الفاتورة الكبيرة لأجور القطاع العام، مقابل إنفاق أقل من ذلك بكثير في مجال الاستثمار.
وتفاعلا مع نتائج التقرير، قال فتح الله ولعلو، وزير المالية الأسبق، في اللقاء نفسه، إن “المغرب يبقى استثناء مقارنة بعدد من دول المنطقة التي أضعفتها ثورات الربيع العربي”، مضيفا أن “الجواب المغربي على هذه الاحتجاجات كان متميزا، كما أن التعديل الدستوري الذي جاء مباشرة بعد الحراك أسهم في استقرار الوضع”.
وربط ولعلو أسباب اندلاع الربيع العربي بحدثين بارزين؛ الأول يتعلق بتدهور الأداء الاقتصادي الأوروبي منذ سنة 2000، قبل أن يتفاقم الوضع بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، وهو انعكس سلبا على عدد كبير من دول المنطقة ومنها المغرب؛ فيما يتعلق الحدث الثاني بارتفاع أسعار البترول وانعكاسته الاقتصادية على الدول غير المنتجة للنفط.
وفي السياق نفسه، شدد شانطا ديفاراجان، رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي بجهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أن خيار دعم المحروقات ليس حلا لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها بطالة الشباب والنساء، داعيا إلى التفكير في حلول أكثر واقعية لتجاوز ذلك.
مضيفا أن واحدا من هذه الحلول يبقى إعطاء الأهمية الكافية للقطاع الخاص، قبل أن يزيد في التوضيح: “الناس تعتقد أن القطاع العام هو أفضل فرصة لضمان عمل؛ الشيء الذي يدفعهم إلى الهروب من القطاع الخاص، وهذا أمر لا يساعد على تنمية الاقتصاد.
من جهته، قال عبد الله ساعف، وزير التعليم الأسبق، جوابا عن هذه النقطة، إن القطاع الخاص لا يزال ضعيفا بالمغرب، مضيفا أن الدولة لا يزال دورها كبيرا في قطاعات كالتعليم.
واعتبر ساعف أن التعليم بهذه الدول التي شملها التقرير لا يتلاءم مع سوق الشغل، منبها إلى أن هناك جدلية بين هذا الأخير وبين قطاع التعليم، على اعتبار أنه كلما كان الاقتصاد قويا يكون التعليم في وضعية جيدة وتكون فرص العمل متوفرة.
وذكّر ساعف بأن المغرب سنة 2008 كان يخرج حوالي 120 ألف حامل لشهادات عليا، إلا أن نصفهم فقط من يستوعبهم سوق الشغل، مقابل هجرة جزء من المتبقين وعطالة السواد الأعظم منهم، مؤكدا أن هذه الفئة كان لها دور كبير في تغذية احتجاجات 20 فبراير.
وفي علاقة بتأثير المشاكل الكبيرة التي تعيشها دول المنطقة التي أنهكتها الثورة على دول الجوار، أفاد ولعلو بأن هذا التأثير لا يمكن أن يكون مباشرا، معتبرا أن الفضاء المتوسطي منذ 10 سنوات تأثر بالأزمة الاقتصادية التي ضربت أوروبا، وبعد ذلك بسبب الثورات.
ولتتجاوز هذا الوضع بالدول التي تضررت اقتصاداتها بشكل كبير بفعل الثورات، اقترح المتحدث نفسه 3 تعاقدات أساسية؛ أولها تعاقد بين الدول الكبيرة لوقف نزيف الحروب بسوريا وليبيا واليمن، وثانيها تعاقد إقليمي لتطويق المواجهات الطائفية، وثالثها تعاقد وطني بهذه الدول يدافع عن الوحدة والهوية الوطنية لخلق قوة تفاوضية تقنع الدول الكبرى بجلب الاستثمارات والمساعدات من أجل إعادة الإعمار.
من جهته، ديفاراجان عاد وأكد أن هذه الدول تحتاج إلى مئات الملايير من الدولارات لإعادة إعمارها، منبها إلى أن ليس هذا هو الجزء الأصعب من العملية، بحيث يجب تكيف هذه التمويلات مع القدرة الاكتفائية لهذه الدول، مشيرا إلى أن العراق حصلت بعد الحرب التي اندلعت فيها على 60 مليار دولار؛ وهو المبلغ الذي اعتبره كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي كافيا، قبل أن يكشف أن 1.8 فقط منها ما تم استعماله في بناء المؤسسات.
المهدي هنان
المصدر: هسبريس ،18/04/2017