تقاريرتونس

وزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين: الاصلاح الثقافي في الدول العربية ضرورة حتمية

 

 

تحدث وزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين في هذا الحوار مع «القدس العربي» عن مختلف التحديات التي تواجه المسألة الثقافية في تونس في خضم الانتقال والتحول الديمقراطي. وقال ان مشروع مدن الفنون ينطلق أساسا من استراتيجية تقوم على جعل الثقافة أمرا حياتيا يوميا لدى المواطنين ونقلها إلى الساحات العامة. مشيرا إلى ان تشجيع الشباب التونسي على خلق الفضاءات الخاصة في الأحياء هو مشروع ثوري.

وأوضح انه بعد كانون الثاني/يناير 2011 غابت الثقافة الرسمية في تونس وحلت محلها ثقافة الشارع والمبادرة والجمعيات.

تحدث الوزير التونسي أيضا عن أطر التعاون بين وزارات الثقافة العربية وعن امكانيات مواجهة العنف والإرهاب من خلال دعم الفكر والثقافة. يشار إلى ان محمد زين العابدين حصل على درجة الأستاذية في الموسيقى من المعهد العالي للموسيقى في تونس وعلى الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي والثقافي من جامعة السوربون سنة 1998 وعلى الدكتوراه في الجماليات والجغرافيا السياسية من الجامعة نفسها سنة 2004.

وشغل منصب خبير لدى اليونسكو وكان مديرا للمعهد العالي للموسيقى في تونس والمعهد العالي للموسيقى في سوسة قبل أن يتولى منصب مدير مهرجان قرطاج الدولي سنة 2016، ورصيده سلسلة إصدارات وبحوث علمية. وهنا نص الحوار:
○ تشهد تونس خلال هذه الأيام حركة ثقافية كبيرة في إطار فعاليات صفاقس عاصمة للثقافة العربية ومعرض تونس الدولي للكتاب وما رافقه من ندوات ولقاءات فكرية، إلى أي مدى تنعكس هذه الحركة على وضع البلاد وهل تبث هذه التظاهرات القليل من الروح في الوضع الصعب الذي تعيشه تونس؟
• الثقافة جزء مهم من حياة المواطنة بشكل عام، أحد ملامح تطلع الإنسان التونسي وانشغاله اليومي. فحاجياته لا يمكن ان تكون فقط يومية من حيث الأكل واللباس، بل هي إبداعية وثقافية تمس الروح. اعتقد ان السياسة التي ننتهجها منذ سبعة أشهر هي إعطاء الثقافة هذا الموقع الذي تستحق، وخاصة البريق الذي فقدناه في مستوى عمل وزارة الثقافة خلال الأعوام الماضية. انطلقنا أولا من مبدأ عام وهو الثقافة للجميع وفي كل مكان، الثقافة التي تؤسس للمعنى يعني ليست فقط العابرة أو السطحية، أي الثقافة التي تعطي للموضوع والمعنى سياقا من الاهتمام والتواصل وتعني كل التونسيين وذلك بتفعيل الجهات وتحفيز الحياة الثقافية داخلها، ولكن كما يراها أهل الجهة من صناع القرار والمبادرين، وكذلك الجمعيات الثقافية والمجتمع المدني بصفة عامة لكي يساهم في كل ما يمكن أن يكون من التزام مبدئي ومباشر في محيطه الثقافي الاجتماعي السياسي. وهذه حقيقة انطلقنا بها منذ سبعة أشهر وبنتائج مهمة جدا. ضاعفنا الميزانيات، وتواصلنا مع الجهات، وذهبنا إلى أصحاب المبادرات. لأن لا تفعيل للثقافة في غياب هذه الصلة المباشرة مع الجهات مع تدشين لساحات الفنون واعلان الجهات مدنا للفنون والحضارات وتحفيز الجمعيات واعطائها السند المادي لكي تكون هي الصانعة للثقافة لا وزارة شؤون الثقافة وغيرها من المشاريع والأهم ننتقل من التوجه من ثقافة المواطنة والمشاركة والديمقراطية والمبادرة وهو أمر صعب لان التمويلات التي لدينا لا يمكن ان تلبي الحاجات ولكن المهم بالنسبة لنا ان يكون لدينا تطلع حقيقي في هذا الشأن.
○ مشروع «مدن الفنون» كيف يمكن ان يساهم في إدخال الجهات المحرومة إلى قلب المشهد الثقافي؟
• اعتبر ان «مدن الفنون» و«ساحات الفنون» ومدن الحضارات وتشجيع الشباب لخلق الفضاءات الثقافية الخاصة في الأحياء هو مشروع ثوري. لأننا نتحدث عن ثقافة القرب والأحياء، وثقافة الحياة والمبادرة والحرية، ونتحدث عن ثقافة اكتساح الفضاء الخارجي والذي هو الفضاء العام، لكي يصبح فضاء إبداع يتم تملكه من قبل أصحاب الفكر والجمال وكل من يريد ان يعتبر هذا الفضاء فضاء للثقافة والإبداع والمبادرة وللحياة بصفة عامة. لذلك فنحن نتحدث عن ثقافة الشارع والحياة والفضاء العام، هذا الإطار المحفز على المبادرة والفعل وكتابة الحياة والمستقبل والإرادة في هذه الحياة ونحت المستقبل وهذا كله يولد اهتماما أساسيا لمتابعة هذه الأغراض. فالقضية ليست شعارات ترفع وليست إرادات مطلقة، بل هي هذه التوجهات وكيف يمكن لوزارة الشؤون الثقافية ان تعطي هذه التشريعات والميزانيات الممكنة لكي تمكن الجهات والشباب من استرجاع الفضاء وملكات الإبداع ويصبح لهذه الجمعيات، والثقافة المواطنية والجمعياتية، كلها سياق من الالتزام ومن المعنى والعمل الجماعي والاجتماعي. هذا هو هدفنا منذ انطلقنا في عمل حكومة الوحدة الوطنية وأول لقاء قمنا به كان في القصرين ونعرف ان هذه الجهة لديها رمزية قوية. لأول مرة في العالم العربي وزارة الشؤون الثقافية بكل أطيافها تذهب مباشرة إلى الشارع. وكانت القصرين جهة مشتعلة بالإضرابات ورغم ذلك انطلقنا مع تدشين ساحة الفنون في المكان نفسه الذي كان يوجد فيه تحرك فوضوي فأصبح فضاء للفنون التشكيلية والرقص. القضية اننا ندشن هذه الساحات ونعلن هذه الأماكن مدنا للفنون ولكن العمل المتواصل هو الأهم، والآن لدينا 800 ملف مقدم من جمعيات وهيئات ثقافية داخل الجهات لتطوير الحياة الثقافية ونحن في صدد دعمها وتشجيعها واسنادها ماليا.

○ هناك عبء كبير يلقى على وزارتكم خلال السنوات الأخيرة خاصة مع انتشار الفكر المتطرف لدى الشباب، كيف يمكن مواجهة الإرهاب بالثقافة وهل ميزانية وزارتكم تكفي ذلك؟
• عندما نرسم إمكانيات الحياة نرسم مجالا للثقافة لكي نعطي الحرية والأريحية للمواطن لكي يعبر عن مواقفه وتطلعه لهذه الحياة، وفي كل هذه الاعتبارات لا بد ان تلعب هذه الوزارة دورها الحقيقي في إسناد هذا المنبر الخاص بالحرية والفكر والجمال بصفة عامة. عندما نغرس هذه القيم في المواطن والمجتمع فنحن نتحدث عن ثقافة الأحياء والمبادرة والساحات، ونغزو الحياة بهذه الأريحية ونعادي الفكر المتطرف والانغلاق والتقوقع لأن الثقافة تدعو للحياة والأمل في هذا الأفق.
كان لوزارة الشؤون الثقافية توجه وآليات واضحة فيما يتعلق بإعطاء الشأن والمسألة الثقافية حضورا حياتيا في المدينة لتهزم بالفكر وبالاستراتيجيات التنموية الثقافية هذا التصور الذي لا يملأ الفراغ فحسب، بل يؤسس لمعنى أساسي مهم بصفة عامة.

○ هنا نحيلكم إلى سؤال الثقافة والمثقف بعد ست سنوات من «الثورة» ماذا قدمت النخبة المثقفة للبلاد، وهل يجب أن تتغير رؤية المثقفين لدورهم في الحياة اليوم؟
• بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011 حقيقة تمكن المجتمع المدني بصفة عامة من حرية أساسية للتعبير عن تموقع وأفكار ورؤى وطروحات مهمة جدا بصفة عامة. وغابت الثقافة الرسمية بعد 14 كانون الثاني/يناير وحلت محلها ثقافة الشارع والمبادرة والجمعيات من نوع معين ولكنها كلها تشدو بقيم الثورة والتحرر ومكاسب مواطنيها.

وزارة الثقافة غيب فيها للأسف، وفي هذه السنوات، هذا التطلع الحقيقي نحو ثقافة الحياة. فدور الثقافة هو إسناد هذه الثورة لكي تصل إلى الجهات والأحياء وكل من في استطاعته ان يعبر عن الأمل. انطلاقا من ذلك أرى ان النخبة اليوم لا بد ان تقوم بدورها أكثر فأكثر، بما يمكن ان يعطينا الأمل لأن لا تكون هذه الفترات التاريخية الثورية سياقات فيها اهتزاز للشعوب وتأسيس لمضامين ثقافية وفكرية، لا بد في خضم هذه التحولات لشعوبنا ان نسترجع ما لديها من امكانيات من خلال الثقافة والفكر. واعتقد ان وزارة الشؤون الثقافية دورها ينصب في هذا التوجه.

○ احتضنت تونس مؤخرا لقاء وزراء الثقافة العرب، في رأيكم هل هناك إرادة حقيقية لوضع استراتيجية ثقافية عربية موحدة؟
• منذ كانون الأول/ديسمبر 2016 نظمنا مؤتمر وزراء الثقافة العرب وتونس ترأس المؤتمر لسنتين من 2016 إلى 2018 ولنا برنامج توحيد رؤى بين وزراء الثقافة العرب. كما نظمنا في تونس لقاء مهما جدا هو 5 + 5 لوزراء الثقافة للضفتين الغربيتين للمتوسط. وبمناسبة صفاقس عاصمة للثقافة العربية استدعينا عددا من وزراء الثقافة العرب لنقاش وطرح مسألة الميثاق العربي للحق في الثقافة. في آخر هذا الشهر لدينا لقاء في مستوى حقوق التأليف والحقوق الثقافية بما في ذلك الملكية الفكرية والأدبية والفنية، ولدينا مبادرات عديدة والأهم في هذا السياق ان نستطيع تحسين الوضع من خلال وضع استراتيجيات تكامل للقضاء على الإرهاب ومقاومة الفكر المتطرف من خلال إرساء مفهوم الثقافة المواطنية الاجتماعية وان نؤسس في مجتمعاتنا لمسألة ثقافية متحررة مستنيرة وقادرة على ان تعطي للفكر والمعرفة والاجتهاد أسباب النجاح. وهذا لا يمكن ان يكون إلا في إطار المراجعات الخاصة بالسياسات الثقافية، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والوزارات المعنية في الشأن التكنولوجي في مستوى المرافق الرقمية الجديدة، وفي مستوى تصور عام لقضايا الفكر والكتاب والمطالعة ولقضايا التراث والموروث وكذا تموقع الثقافة العربية أمام الثقافة الكونية. نحن غائبون في هذا السياق والفكر العربي ليس له حضور للأسف وهذا ليس معقولا ولا بد من ريادة حقيقية في هذا المضمار ولا يمكن ان يتم ذلك إلا إذا عقدنا العزم على المضي قدما لإعطاء مضمون حقيقي لسياسات الثقافة العربية وإلى حد الآن هذا غير واضح بصورة جدية.

اعتبر ان التربية والثقافة والمعارف والعلوم، من المراجع الأساسية التي تمّكن المجتمعات العربية بصفة عامة من ان تتوق لطرح جديد لمسائل الفكر وتأويل مسائل الدين والدنيا. وهذه مسائل لا بد من مراجعتها ومقاربتها بما يعطينا مجالا حقيقيا لإمكانية المراجعة والإصلاح، الاصلاح الثقافي اليوم في الدول العربية هو ضرورة حتمية. نراجع أنفسنا لكي نعطي للثقافة بعدها الإبداعي ولجمال الإبداع ما يمكن ان يعطي للثقافة توجها جديدا وهذا كله من باب الاجتهاد الذي لا يعني ربما جميع الدول العربية. ونحن في سياق رئاسة تونس لمؤتمر الوزراء العرب سنواصل سعينا في إطار تعزيز العمل المشترك من أجل تفعيل دور الثقافة في المجتمع العربي.

 روعة قاسم 

المصدر: القدس العربي، العدد 8789، 9 أفريل 2017، ص14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق