
أعاد الخطاب المعادي لحركة «النهضة» الذي انتهجه مؤسسو جبهة «الإنقاذ والتقدم» في تونس، إلى الأذهان الخطاب السابق لحزب «نداء تونس» الذي دأب على مهاجمة الحركة الإسلامية قبل أن يلجأ لاحقاً إلى التحالف معها في الحكم، وهو ما اعتبره بعض المراقبين محاولة من الجبهة الجديدة المشكلة أساساً من بعض «بقايا» النداء والذين طالب أغلبهم في وقت سابق بالتحالف مع «النهضة» قبل أن يغيروا خطابهم لاحقاً بهدف تحقيق مكاسب سياسية جديدة.
ويبدو أن مهاجمة الإسلاميين في تونس، والممثلين أساساً بحركة «النهضة»، باتت «وصفة جاهزة» للنجاح لدى أغلب الأحزاب أو التكتلات السياسية الجديدة الباحثة عن تحقيق نجاح سريع أو شعبية مؤقتة قد لا تتمكن من الحفاظ عليها طويلاً، وهذا ما يتجلى لدى عدد من الأحزاب التي نجحت أخيراً بالوصول إلى السلطة كـ»نداء تونس» أو التي بدلت خطابها لاحقاً بعد خروجها منها على غرار «الاتحاد الوطني الحر» و»مشروع تونس» وبعض أحزاب الترويكا وغيرها.
ويرى الصحبي عتيق النائب والقيادي في حركة «النهضة» وجود تشابه كبير بين خطاب جهة «الإنقاذ والتقدم» والخطاب السابق لحزب «نداء تونس»، دون أن يستبعد إمكانية تغيير الجبهة لاحقاً لخطابها السياسي القائم على معاداة «النهضة»، لكنه يرى أن الحديث عن إمكانية التحالف معها «ما زال سابقاً لأوانه».
ويضيف لـ«القدس العربي»: «كنت رئيس كتلة حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي (2011ـ 2014)، وبالفعل كان هناك اختلال في الحياة السياسية وفي التوازنات داخل البلاد، حيث كانت النهضة متقدمة بـ89 نائب ويأتي بعدها في المرتبة الثانية حزب آخر لديه فقط 12 نائباً (بقايا حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) وكان هناك سياحة حزبية وانقسامات في الأحزاب حتى ضمن أحزاب الترويكا، وبالفعل كانت البلاد بحاجة إلى التوازن، وهذا التوازن تمثل لاحقاً بـ»نداء تونس»، جاء النداء وجمع كل الأطراف واستخدم الخطاب المعادي لنهضة (من ليس معي فهو ضدي)، ولكن حتى هذا الأمر جُرّب فانتهى إلى أن هذا الحزب أحدث توازناً ولكنه لا يستطيع أن يحكم بمفرده، ولذلك أدرك أخيراً أنه لا يمكن إلا أن يتحالف مع النهضة، لأنه لا يمكن أن يمر أي قانون في المجلس دون مشاركة النهضة».
وأوضاح أكثر بقوله «في تونس لا يمكن أن تُحكم بحزب واحد، حتى أن النداء لم يعد الآن هو الكتلة الأولى في المجلس، فالنهضة هي الكتلة الأولى الآن، ورغم ذلك نحن نتعاون وننسق مع الجميع وفلمشاريع الكبرى في البلاد لا بد أن تمر بالتوافق، وليس هناك حزب في تونس يملك وصفة سحرية لإنقاذ البلاد من الإرهاب والفقر وكل المشاكل التي تعيشها، إذا لا بد أن تتضافر جهود كل الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني لمعالجة هذا الأمر».
ويشكك في إمكانية تفوق جبهة «الإنقاذ والتقدم» على حركة النهضة في الانتخابات المقبلة، مضيفاً «إذا كان (خطاب الجبهة المعادي للنهضة) عملية انتهازية لجلب الأصوات فالانتخابات التشريعية والرئاسية ما زالت بعيدة والرئاسية أيضاً. ويقول المحلل السياسي عبد الله العبيدي: «في تونس اليوم ثمة أزمة، ملامحها تظهر يوماً بعد آخر وتهدد باختلال التوازن المختل أصلاً في البلاد، فالرئيس لم يعد له حزب يعتد به، فلذلك هم (مؤسسو جبهة الإنقاذ والتقم) يقولون إن الحاكم الحقيقي للبلاد هي النهضة، ويعتبرون أن النهضة هي التي تحمي نجل الرئيس (حافظ قائد السبسي) وعلى هذا الأساس هو ماسك بأمور حزب نداء تونس رغماً عن بقية القيادة الشرعية لنداء تونس، أو من يعتبرون أنفسهم كذلك، وعلى هذا الأساس وجب الهجوم على النهضة (من وجهة نظر مؤسسي الجبهة) لأن الحزب الذي لا يساند التحالف مع الهضة لم يعد موجوداً، فالنهضة ترى أن نجل الرئيس هو الحزب (يختزل نداء تونس) خلافاً لما هي عليه الأمور، ولذلك في حال أردت مهاجمة نجل الرئيس يجب أن تهاجم النهضة لأنها هي التي بسطت جناح الحماية والدفاع عنه وبدونها لم يكن حافظ قائد السبسي ليصمد أمام القيادة الحقيقية لهذا الحزب».
ويضيف لـ«القدس العربي»: «القاعدة الأساسية في السياسة هي أنه كلما اقتربت الانتخابات تحاول الأطراف المتنافسة أن تحمّل مشاكل البلاد لبعضها البعض ونحن رأينا أن مُحسن مرزوق (الأمين العام لحركة مشروع تونس) منذ مدة قال إن كتلة الحرة (التابعة لحزبه) لم تعد تساند حكومة الوحدة الوطنية، وهو يحمل الآن الأزمة القائمة في البلاد للأطراف الموجود في الحكم والممثلة أساسًا بحركة النهضة التي يعتبر هو أنها الحاكم الفعلي للبلاد».
من جانب آخر، يصف سمير بن عمر رئيس الهيئة السياسية لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الجبهة السياسية الجديدة بـ»جبهة الفاشلين والمتحيلين»، مشيراً إلى أن أغلب مكوناتها جاؤوا من «نداء تونس» ومن الأحزاب التي حكمت تونس بعد انتخابات 2014».
ويضيف لـ«القدس العربي»: «هم كذبوا على التونسيين في السابق حين تبنوا خطاباً معادياً لحركة النهضة واستثمروا في هذا ودعوا للتصويت المفيد على أساس أنهم لن يتحالفوا معها، ولكنهم بعد ذلك قاموا بمشاركتها في الحكم، فمحسن مرزوق مثلا خلال وجوده كأمين عام لنداء تونس كان ينظر للتحالف مع حركة النهضة بعد انتخابات 2014، واليوم يلجأ في إطار عملية توظيف سياسي رخيصة للعودة إلى الخطاب الإقصائي ومحاولة استغلال مشاعر بعض التونسيين الذين لديهم حساسية تجاه حركة النهضة لكسب أصواتهم، ولذلك أنا أقول إن التونسيين لا يمكن أن يصدقوا هؤلاء الكذابين مرة ثانية، وأعتقد أن هذه الجبهة لا يمكن أن تكون بديلاً ولا يمكن أن تشكل معارضة حقيقية للسلطة الحالية لأن خلافهم معها ليس خلاف مشاريع وإنما خلاف على التموقع ووراثة الباجي قائد السبسي لا أكثر ولا أقل».
المصدر: القدس العربي، 2017/04/10