
لا زال الغضب على تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة، يغطي على ردود فعل الاوساط السياسية والحزبية، فيما صوت المدافعين عنها والمبررين لوجودها، لا زال خافتاً، ولا يخرج عن سياق المديح التقليدي الذي يتلى في مناسبات مثل هذه، دون أن يترك أثراً.
وكما تأكد فإن موجة الغضب لم تندلع فقط في أوساط الأحزاب السياسية المعارضة أو المثقفين الديمقراطيين، الذين يرون في ما حدث منذ اطلاق مؤشرات عرقلة مهمة عبد الإله بن كيران كرئيس حكومة مكلف، خطراً على الديمقراطية الناشئة وتراجعاً عن مسار تعرفه البلاد منذ 1998، وعودة إلى إمساك القصر بكل مقاليد الحكم في البلاد وتهميش الأحزاب والمؤسسات و»احتقار» إرادة المواطنين بتجاهل نتائج صناديق الاقتراع، التي نجح المغرب في أن يكون نزيها.
والانتقادات الموجهة للحكومة التي يرأسها الدكتور سعد الدين العثماني، والتي نصبها الملك محمد السادس يوم الاربعاء الماضي، تذكر بالانتقادات التي كانت توجه للحكومات المغربية ما قبل 1998، وعادت مع حكومة عباس الفاسي 2007 لتستمر مع حكومتي عبد الإله بن كيران.
وتوقفت الأوساط السياسية عند تعيين وزير الداخلية السابق محمد حصاد، وزيراً للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ليس فقط لأنه كما نشر مكلفاً بـ»تنظيف» قطاع التعليم، الذي يؤرق بال المغرب في الوقت الحاضر وجعله يتذيل ترتيب عالمياً في التعليم» خاصة من رجال التعليم المنتمين لتيارات ذات مرجعية إسلامية، لكن لدخوله الحكومة باسم الحركة الشعبية التي لا ينتمي اليها، وذلك استنساخاً لتعيين عزيز أخنوش باسم «التجمع الوطني للأحرار»، وقد يمتد استنساخ أخنوش بتعيين حصاد أميناً عاماً للحركة الشعبية.
وقالت صحيفة «أخبار اليوم» انه بعد استوزار وزير الداخلية السابق، محمد حصاد، باسم الحركة الشعبية، وهو الذي لم يسبق مروره بأي حزب سياسي، تتحدث أوساط عن إمكانية تكليف حصاد بمهمة خلافة امحند العنصر على رأس الحركة الشعبية، أقدم حزب إداري في المغرب، بعد استيفاء العنصر لكل الولايات القانونية والإضافية على رأس الحركة، منذ تنصيبه أميناً عاماً خلفاً للمحجوبي احرضان، بعد غضبة القصر عليه في 1986.
وأضافت الصحيفة أن حصاد الذي بنى مساره داخل الإدارة منذ تخرجه من مدرسة الجسور والطرق في باريس، والذي سيصبح بقوة القانون الأساسي للحزب، عضواً بالمكتب السياسي، يتم تحضيره، لخلافة امحند العنصر، خصوصاً بعد صبغه بالأصفر (لون الحركة الانتخابي) رفقة التكنوقراطي العربي بن الشيخ ، وزير الدولة المكلف بالتكوين المهني، في الحكومة الحالية، واستبعاد أسماء حركية من الوزارة مثل محمد مبديع وإدريس مرون.
وقال مصطفى السحيمي استاذ العلوم السياسية أن «هناك مشكلة مرتبطة بالوزراء الذين لديهم وزن ثقيل، مثل محمد حصاد الذي سلم إليه قطاع التعليم برمته، وهذا الوزير لا يستمد قوته أو وزنه من حزبه ذاك الذي لون به قبل يومين، بل من كونه رجل سلطة عين لتطبيق سياسة في ذلك القطاع بعيدا عن العثماني، ولا يمكن لهذا الأخير أن يفرض أي شيء على رجل مثل حصاد أتى حاملاً لخطة واستراتيجية معدة سلفًا».
وقال المعطي منجب، المؤرخ والباحث في العلوم السياسية إن تعيين حصاد وزيرا للتعليم بكل فروعه ومتعلقاته، يستهدف «ضرب القاعدة الصلبة للعدالة و التنمية، أي العدد الكبير من أنصاره في قطاع التعليم». وأضاف «إننا نعرف حجم المعلمين في هذا الحزب، لكن الدولة الآن بصدد محاصرة هذه القوة، وقطع الصلة بين الحزب وشبكة معلميه الذين تراهم الدولة كواحد من العناصر الرئيسية للاستقطاب والترويج للحزب بين الناس».
وأكد منجب أن الهدف الآخر من وراء تشكيل الحكومة بالطريقة التي تمت بها، هو تحويلها إلى «حكومة قتال» ضد حزب العدالة والتنمية نفسه، وسيجري هذا بتحويل الأزمة التي كانت بين الحكومة و القصر إلى أزمة داخل الحزب وحده.
وقال المحلل السياسي عمر الشرقاوي إن ظاهرة وضع انتماءات سياسية لبعض الشخصيات لحظة تشكيل الحكومة ليست خصوصية مرتبطة بحكومة سعد الدين العثماني، بل ارتبطت بجميع الحكومات على رأسها حكومة عبد الإله بن كيران، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة السياسية من شأنها إضعاف العمل السياسي في المغرب.
وهو يعتقد أن هذه الممارسة تٌفقد العمل السياسي فاعليته، «الاتجاه الذي أراد المغرب أن يكرسه، على الأقل، منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي وتأكد مع حكومة عبد الإله بن كيران، ودستور 2011 هو غلبة التوجه السياسي، عن طريق تكوين أحزاب سياسية قوية لها دور أساسي في المشهد السياسي وتعمل على ضخ نظام سياسي بكفاءات سياسية واعدة.» وأن هذا التوجه لازال يعيش بعض التعثرات، خصوصاً عند الأحزاب التي تتوفر على هشاشة في الاستقلالية.
ونقل موقع «لكم» عن الشرقاوي أن صباغة عدد من التكنوقراط بألوان الأحزاب السياسية في آخر لحظة من عمر تشكيل الحكومة «يضمن أولاً ارتباطاً دائماً لتلك الأحزاب مع مؤسسة الدولة، ثانياً لأنه يحاول أن يجد منافذ سياسية لتكنوقراط، وثالثاً لضمان فرصة لشخصيات مثل حصاد ( رجل مهمة مرتبط بدواليب الدولة) لكي يتكلف بالإشراف على الحقل التعليمي».
وأشار إلى أن الدولة تلجأ دائما أثناء صباغتها للشخصيات التكنوقراط لبعض التنظيمات الحزبية التي لها علاقة كلاسكية بالدولة لا من حيث المنشأ، ولا من حيث التاريخ مثل الاتحاد الدستوري والحركة والشعبية والتجمع الوطني للأحرار، مستبعداً لجوءها إلى أحزاب من قبيل حزب العدالة والتنمية، وحزب الاستقلال، وذلك لضمان توطيد ارتباطها بهذه الاحزاب. وتعرض حزب العدالة والتنمية، الحزب الرئيسي بالحكومة، بعد يوم من تشكيلها لهجوم حزب حكومي حليف له ووصفت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» المشارك في الحكومة بـ 3 حقائب، أول أمس، حزب العدالة والتنمية بـ»العجوز المتصابية»، وصاحب منطق هيمنة وسيواصل دعايته لدواع إيديولوجية بهدف الضغط على مكونات الحكومة.
وقالت افتتاحية الحزب الذي كان دخوله الحكومة قراراً سيادياً حسب ما نقل عن رئيس الحكومة، أن «غلاة» حزب العدالة والتنمية «سيستمرون في نهجهم السياسي الذي لن يرضى عن أية حكومة سوى تلك التي يهيمنون عليها بالمطلق، ويفرضون عليها توجههم الرجعي، ورؤيتهم المتخلفة لمشروعهم المجتمعي الظلامي، رغم كل مواد التجميل التي يلجأون إليها، لكنها لا تزيدهم إلا قبحًا مثل العجوز المتصابية».
وأضافت «الآن، وبعد أن تشكلت الحكومة عليها تقديم برنامجها، هو ليس برنامج حزب (العدالة والتنمية)، بل برنامج ائتلاف حكومي مشكل من ستة أحزاب»، وأن على «غلاة هذا الحزب التواضع والإقرار بنسبية موقعهم في الأغلبية» و»غير هذا يجب الرمي به مع تركة رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، الذي كان وراء الأزمة التي تسببت في المأزق الذي كان يبدو بلا نهاية، لولا المبادرة الدستورية التي أقدم عليها الملك محمد السادس».
حزب الاستقلال، أعرق الاحزاب المغربية والذي يعاني وضعاً داخلياً صعباً، دفع ثمن تمسكه بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية، ورفضه المشاركة في ما وصف بمؤامرة 8 أكتوبر، وهو اجتماع عقد لحرمان بن كيران من أغلبية برلمانية، وأدى الرفض إلى إصرار الجبهة المناهضة لبن كيران على استبعاد الاستقلال من الحكومة، ثم تفجير الحزب داخلياً، لم يتأخر من إبداء تذمره من تشكيلة الحكومة الجديد التي تم ابعاده منها، واعتبر أن حكومة سعد الدين العثماني «لا تعكس على الإطلاق نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبالتالي فهي فاقدة للشرعية الملائمة مع ما جاءت به صناديق الاقتراع». وقالت صحيفة العلم لسان الحزب بعنوان «حكومة ثقب الإبرة» إن «الحكومية الجديدة حفلت بمظاهر التراجع عن التجربة الحكومية السابقة التي ساد اعتقاد قوي لمدة طويلة أنها مثلت قطيعة مع تجارب الماضي في ظل الدستور الجديد»، وأن «التجربة الحكومية الحالية تضم تحالفاً هجيناً بين أحزاب متناقضة ومتخاصمة ومتباعدة، إذ فيها الإسلامي والشيوعي والاشتراكي والليبرالي والمستقل» وأن «التجربة الحالية أعادت إنتاج سلوكات الماضي خصوصاً فيما يتعلق باستوزار شخصيات باسم حزب لا علاقة لهم به».
واعتبرت أن «تشكيل الحكومة الحالية من 39 حقيبة وزارية، بما في ذلك وزير دولة بدون حقيبة فعلية، تميزت باستوزار الأبناء والأقارب وذوي النفوذ داخل أحزابهم، وبدا ذلك واضحاً من خلال الإكثار من كتاب الدولة بما يؤشر على الترضيات وجبر الخواطر»، وأنه «من الطبيعي أن تلقى هذه التداعيات موقعاً متقدماً لها بين ردود الفعل الشعبية والإعلامية وفي دواخل الأحزاب المشكلة للحكومة نفسها خصوصا في حزب العدالة والتنمية والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، حيث طغت مظاهر الغضب والقلق مما حدث ويؤشر على أن الأمور قد تتطور تجاه التصعيد».
وقال عزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إن «الانتقادات الكثيرة الموجهة للتشكيلة الحكومية الحالية مقبولة في أغلبها لكن تلك التي تخون هذه الحكومة وتعتمد أسلوب الشتم والسب فلا تستحق الرد».
وأكد أنه إذا لم تكن لدينا انتقادات وجيهة فلن تكون لنا معارضة، والنقاش الدائر في مواقع التواصل الاجتماعي بين أعضاء الحزب، من الأفضل أن يكون داخل مؤسساته لأنه «يكون مثمراً وإيجابياً حيث تستحضر فيها المعطيات السياسية الدقيقة التي لا تحضر عند الكثيرين».
وقال المحلل السياسي مصطفى السحيمي «إن هذه الحكومة تنطوي على مشكلات عدة، أولها تلك المرتبطة بقدرة رئيسها على التنسيق، لأننا إزاء تشكيلة تتضمن أمناء عامين لأحزاب مثل عزيز أخنوش ومحمد ساجد، باستثناء نبيل بن عبد الله، الذي لا يشكل أي عائق للعثماني» حيث أن «أخنوش وساجد يمثلان ما أسميه بـ «السوبر وزراء»، فهذان الزعيمان يقودان قطاعات استراتيجية وعالية الأهمية وسيكون من الصعب على العثماني أن يتصرف كرئيس لهما».
ويرى الانتروبولوجي والأستاذ في جامعة برنتسون الأمريكية، عبد الله حمودي، أن هذه الممارسات كشفت المستور و»عرت كل شيء»، مؤكداً على أن الطريق ليس سياراً أمام من قاموا بمناورات لفرض «طرد بن كيران»، وبأن حزب العدالة والتنمية لازالت لديه إمكانية أن يقول والله غالب ويرجع المفاتيح، مشيراً إلى أن إمكانية العودة إلى نقطة الصفر ولزمن ما قبل عشرين فبراير هو أمر مستحيل لأن هناك تغيرات عميقة جرت ما بعد الحراك، نظراً لوجود حزب قوي هو «العدالة والتنمية» وأيضاً وجود منظمة قوية وهي «العدل والاحسان».
وقال حسب ما نقلت عنه «أخبار اليوم»، باستحالة العودة إلى ما قبل الحراك الشبابي المغربي 20 شباط/ فبراير 2011، مؤكداً أن المد والجزر الذي يحدث هو نتيجة جدلية جديدة بين من يريد التقدم إلى الأمام وبين من يريد التخفيف من ضغط الديناميكية التي تحدث في بنية جديدة تتغير بوتيرة متسارعة.
محمود معروف
المصدر: القدس العربي، 2017/04/08