تونسرأي

لحظة البلديات التونسية

 

 

     أقرت الهيئة العليا للانتخابات التونسية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول من هذا العام موعداً للانتخابات البلدية بعد سنوات من الانتظار، والتجاذبات، والتعطيلات المختلفة، باعتباره استحقاقاً استراتيجياً لجميع الأحزاب والقوى الطامحة إلى التجذر في المشهد السياسي، بالنظر إلى الدور الكبير الذي تلعبه الدوائر البلدية في العلاقة بين المواطن والسلطة المركزية.

تحديد الانتخابات البلدية في موعد يوافق ذكرى اندلاع الثورة على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عام 2010، يحمل إيحاء بأن صانع القرار التونسي يريد أن يستكمل مسار الانتقال من العهد الاستبدادي القديم إلى العهد الديمقراطي، متحدياً في ذلك جملة من صعوبات لم تنته بعد. ورغم قطع مسافة طويلة باتجاه بناء حكم رشيد، إلا أن الرضى الشعبي لم يتحقق في ظل إخلالات عدة، منها العلاقة الضبابية بين المواطن والسلطة التنفيذية، والأحزاب، والمنظمات. ولذلك ينظر إلى الانتخابات البلدية المقبلة على أنها محطة ستضبط قاعدة للصلة بين الشعب والسلطة، وترسخ العملية الديمقراطية على المستوى المحلي، بما يساهم في استقرار المشهد السياسي الذي مازال يتقلب، ويعيش حراكاً أقرب إلى العبث. فقد أصبح مألوفاً تفكك الأحزاب وبناء أخرى وتأسيس جبهات ومعارضتها بجبهات مضادة، والشيء نفسه ينطبق على منظمات المجتمع المدني التي لا تزال تبحث عن حدود نشاطاتها حتى لا تتقاطع مع مسارات الأحزاب، ولا تنضوي تحت مظلتها. ويبدو هذا الحراك طبيعياً في ظل التغيير الجذري في الحياة السياسية بعد عهد ابن علي، وما تبعه من محاولات لبناء نظام جديد يقوم على مجموعة من القيم والمبادئ لا تكتمل إلا بظهور نتائج إيجابية في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة نسبياً، مقارنة بما كان يخطط له من أهداف عالية السقف.

صعوبة الأوضاع الاجتماعية، وما يتخللها من حملة أمنية على الإرهاب وآمال بالتغلب على مظاهر الفقر، والاختلال التنموي، لا تزال تستقطب الخطاب السياسي الذي تعتمده الأحزاب التونسية، وستكون الحملة الانتخابية البلدية مبكرة جداً وستكون مسرحاً عريضاً يتبارى فيه المتنافسون على تشخيص الأوضاع ومحاولة تقديم الحلول. ومن المتوقع أن تطلق الأحزاب الكبرى مثل «نداء تونس»، و«النهضة»، و«الجبهة الشعبية» الجديدة شعارات مغرية لكسب أكثر ما يمكن من المجالس البلدية، بما يضمن لكل منها فرصاً أكبر في الانتخابات التشريعية عام 2019، وهو الاستحقاق الذي تراهن عليه أطراف عدة، إما لترسيخ الموقع وإما اكتشاف الإفلاس السياسي والانسحاب من المعركة والاكتفاء بالبقاء على الهامش، مثلما ما حصل لأحزاب عدة في انتخابات 2014.

في ضوء هذه المعطيات ستكون المعركة البلدية صعبة وقاسية، وربما ستكون هي اللحظة الحاسمة التي طال انتظارها لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وتساهم في مواجهة التحديات العالقة، لأنها ستعطي الشعب فرصة حقيقية لاختيار مندوبيه لدى السلطة التنفيذية، وحينها يمكن امتصاص الاحتجاجات القطاعية والجهوية، خصوصاً في المناطق التي تعاني التهميش عندما تتضافر جهود السلطة الحكومية والجهوية على إيجاد حلول للأزمات المختلفة. وعلى هذا الأساس، يمكن التعويل على الانتخابات البلدية وعدم التخوف من نتائجها، فهي ستعكس إرادة التونسيين الحرة، وستؤكد التوجه المدني المتفتح الذي انطلقت فيه الدولة وأخذ يتعزز من موعد انتخابي إلى آخر.

مفتاح شعيب

المصدر: الخليج، 2017/04/05

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق