تونسرأي

تونس لن تكون مصبّا… لـ«النفايات الارهابية»!

 

        هناك آلة إعلامية خبيثة تسعى لإلصاق تهمة الإرهاب بتونس. وتعمل بدأب ودهاء على تشكيل صورة جديدة يصبح معها التونسي أو التونسية رديفا للارهاب وللأعمال المارقة عن الشرائع والقوانين… فهل نحن إزاء تصنيف جديد تصبح بلادنا بمقتضاه مصبّا للارهابيين؟ وهل كانت التحركات الالمانية والايطالية في هذا الاتجاه بمثابة القمة الظاهرة من جبل جليد تخفي تحتها ما تخفي؟

القصة بدأت مع حالة الانفلات التي شهدتها البلاد بداية من سنة 2011 والسنوات التي تلتها… حيث عاشت البلاد وضعا استثنائيا اتسم في البداية بضعف الأجهزة الأمنية وتفكك منـظومة الاستخبارات وجمع المعلومات… وطبع في النهاية (تحت حكم الترويكا) بتراخ واضح وبطغيان خطاب تحريضي متطرف دفع بآلاف الشبان التونسيين الى سوريا والى غيرها من بؤر التوتر. ونذكر في هذا الإطار ما سمي «مؤتمر أصدقاء سوريا» الذي دعا إليه الرئيس المؤقت (وقتها) منصف المرزوقي والذي عدّ بمثابة ضوء أخضر لتهافت الكثير من الشبان والفتيات على الأراضي السورية تحت لافتة جهاد مزعوم.

هذا الوضع استغلته دوائر وأطراف معينة واشتغلت لتصوير تونس وكأنها المصدر الأول للارهابيين والارهابيات.
وقدّمت في هذا المجال أرقاما لا تمت الى الواقع بصلة، أرقام مضخّمة ظلت دوائر اعلامية مشبوهة تلوكها وترددها الى أن أصبحت بمثابة الحقائق الثابتة. زاد الوضع تعقيدا تقاطر العديد من الفتيات والنساء التونسيات تلبية لدعوة ماكرة مثّلها ما سمي «جهاد النكاح»… وهو ما أفضى الى رسم صورة مشبوهة للتونسي وللتونسية وساعد على ترويج الصورة التي سعت بعض الدوائر والأطراف الى رسمها ومحاولة تكريسها لترسخ في الأذهان وتكون في ما بعد بمثابة المبرّر لخطوات وسياسات قادمة.

الفظاعات التي ارتكبها بعض التونسيين والتونسيات في الأراضي السورية والعراقية والليبية وانخراطهم الكامل في المشروع الداعشي زادت في تعميق المأساة، وأعطت المشرفين على المقاولة الكبرى لتدمير سوريا والعراق وليبيا مجالا لإصابة عديد العصافير بحجر واحد. فهي كرّست صورة التونسي العنيف والمتوحش. التونسي الخطير الذي لا علاج معه الا المطاردة والعزل وهي صورة زادت في تكريسها بعض العمليات الارهابية التي نفذها داخل دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا شبان تونسيو المنشأ لكنهم يحملون في أحيان كثيرة جنسيات مزدوجة ونشؤوا داخل المجتمعات الأوروبية أو تم استقطابهم من قبل تنظيمات ارهابية داخل سجون أو مساجد أوروبية.
هذه الأحداث التي تبدو لنا في حينها معزولة سوف تثبت الاحداث أن هناك خيطا ناظما يجمعها ويحاول تجييرها لتمرير قرارات ما وتنفيذ سياسات ما لعل هذه القرارات والسياسات بدأت تطل برأسها وتعلن عن نفسها في الأسابيع الأخيرة… خاصة اثر تهاطل آلاف المهاجرين السوريين وغيرهم على دول أوروبية وتسلل دواعش ضمنهم بات مطلوبا التخلص منهم وترحيلهم وربما الاحتفاظ بهم في ساحات متقدمة استعدادا لفصول أخرى من المقاولة… او سعيا في أدنى الحالات للتخلص منهم بعد ان انتهى دورهم وانتفت الحاجة الى بنادقهم وضمائرهم المأجورة.

هذه «الرغبة» خرجت في المدة الأخيرة من دائرة السر الى دائرة العلن… وأصبحت مطلبا ملحّا تضغط دول في سبيل تحقيقه… وتلوذ بأساليب الإغراء والترغيب مستغلة الظروف الصعبة التي تمرّ بها بلادنا… وبالمحصلة بات مطلوبا منا أن نفتح أراضينا لإقامة معسكر كبير تصبّ فيه أوروبا كل «نفاياتها الارهابية».. وتلقي الينا بكرة النار وتحمّلنا مسؤولية التصرف فيها وكأننا مسؤولون عنها وعن صناعتها…

إنها وقاحة ما بعدها وقاحة أجاب عنها في حينه رئيس الحكومة أثناء زيارته لألمانيا… وتحرك نسيج من الجمعيات لرفضها والتنديد بمصدرها.نعم قد تجوع الحرة… لكنها أبدا لن تقتات من مصبّ النفايات… حتى ولو كانت «نفايات ارهابية» وحتى لو لوّح الأوروبيون بجبال من «الأورو» وبمحيطات من الضغوط.

 عبد الحميد الرياحي

المصدر: الشروق، 2017/03/23

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق