
لا تزال انعكاسات إسقاط التعديلات الدستورية على مستوى مجلس الشيوخ عكسًا لما يريده الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، تلقي بظلالها على المشهد السياسي الموريتاني، فيما ينتظر الجميع ما سيعلنه الرئيس مساء اليوم في مؤتمره الصحافي.
وتتحدث مصادر القصر عن استكمال الرئيس الموريتاني لمشاوراته مع معاونيه ومع أقطاب المعارضة المحاورة حول تنضيج وتحديد التوجه الذي ستسير عليه الأمور بعد أن أسقط شيوخ الموالاة تعديلات الدستور.
وترجح المصادر السياسية والصحافية « توجه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مضطراً، نحو تمرير تعديلاته الدستورية عبر استفتاء شعبي، استناداً الى «حق الرئيس في تشكيل هيئة تأسيسية تشرف على وضع دستور جديد يعرض على الشعب دون المرور بالبرلمان».
ويثير هذا التوجه جدلاً كبيراً بين رجال وفقهاء القانون الدستوري؛ وتوقعت وكالة «الأخبار» الموريتانية المستقلة «لجوء مجلس الشيوخ لاستشارة المجلس الدستوري بشأن دستورية تمرير التعديلات دون المرور بالبرلمان، بعد أن سد مجلس الشيوخ الطريق أمام تمرير التعديلات عبر البرلمان».
وصوّت يوم الجمعة الماضي ثلاثة وثلاثون عضواً في مجلس الشيوخ، ضد التعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة تنفيذًا لمؤتمر الحوار الوطني الذي نظم في تشرين الأول/أكتوبر الماضي وقاطعته المعارضة الجادة، فيما صوت 20 شيخاً لصالح هذه التعديلات، وصوت شيخ واحد بالحياد.
وتشمل هذه التعديلات بين أمور أخرى، إلغاء محكمة العدل السامية التي تحاكم الرئيس وإلغاء مجلس الشيوخ، ودمج عدد من المجالس الدستورية، واستحداث مجالس جهوية للتنمية وتوسيع النسبية في الانتخابات، وتغيير العلم الوطني. وفيما يشد الرئيس وأنصاره الأحزمة لمواجهة هذه التطورات المربكة، حذرت المعارضة الموريتانية التي أنعشها إسقاط الشيوخ لتعديلات الدستور في بيان وزعته أمس، «نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز من الهروب إلى الأمام ومن أن يستفز الشعب والديمقراطية بتأويلات قانونية لا تستقيم أو خطوات تستهدف الشيوخ الأباة»، وهنا، تضيف المعارضة، نعلنها واضحة أننا سنقف ضد هذا التوجه مدعومين بشعب لم يعد يخفي ضجره من الاستبداد والفساد، ونحذر من المآلات غير المحمودة على الوطن ولحمته ومستقبله لمثل هذا الخيار».
«لم يخلف الشيوخ، يضيف البيان، موعدهم مع الوطن والشعب وكانوا عند حسن الظن حينما وعلى نحو لا لبس فيه ولا سبيل للتشكيك فيه، أغلقوا قوس التعديلات الدستورية المدانة وصانوا بذلك الدستور والوطن والعلم وهو ما يضع البلاد اليوم في وضع جديد ويعيد الأمور إلى نقطة البداية».
وأوضحت المعارضة «أن احتمالاً آخر هو تحلي النظام بروح المسؤولية واستخلاص الدروس المناسبة من مآل الأجندة الأحادية، والمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة شعوراً منه بالمسؤولية وتقديرا للحظة السياسية، يدعو النظام وجميع الأطراف الوطنية إلى التداعي من جديد بحثاً عن مخرج توافقي بواسطة حوار شامل وجدي ومفيد مشترك التحضير والتسيير والمخرجات». وأكد المنتدى المعارض «أن تشبثه بالوطن واستقراره ولحمته وأمنه لا يوازيه إلا تعلقه بأن تسود فيه العدالة والديمقراطية والمواطنة الحقة وفي هذا الإطار يجدد حاجة البلاد إلى علاج ملفاتها المقلقة بالقضاء على كل أشكال وممارسات ومخلفات العبودية وجبر كل مظاهر المعاناة لمختلف مكونات الشعب، واضعاً «كل الجهات ومختلف الأطراف أمام مسؤولياتهم في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلد»، ومشدداً على «أن الوقت لم يعد يسمح بتجاهل الواقع وبساطة الحلول».
وتوقف المنتدى المعارض عند قرار مجلس الشيوخ المتعلق بإسقاط التعديلات الدستورية، فأكد «أنه بعد انتظار وترقب حسم مجلس الشيوخ من خلال ثلاثة وثلاثين عضواً منه مصير التعديلات الدستورية المدانة فأسقطها في أمسية مشهودة تلقت نتائجها قطاعات واسعة من الشعب الموريتاني بارتياح ظاهر».
وأكد «أن موقفه من التعديلات كان واضحاً من البداية، حيث قاد الحراك الشعبي ضد هذه التعديلات المرفوضة في منطلقها (حوار غير توافقي) والمرفوضة في مضمونها (استهداف الرموز الوطنية، إلغاء مجلس الشيوخ، إلغاء محكمة العدل السامية…)، كما نظم من أجل ذلك، معززًا بالقوى الوطنية الجادة، الوقفات والمسيرات والتحركات وهو ما أظهر على نحو واضح رفض الشعب الموريتاني الذي تجاوب على نحو واسع وصادق مع هذه الفعاليات المعارضة لهذه التعديلات التي شكلت فصلا من فصول السياسات الخاطئة وغير الوطنية لنظام يظهر يوماً بعد يوم إفلاسه السياسي».
وانشغل المدونون في عالمهم الافتراضي الذي تحول إلى منبر سياسي نشط ومؤثر، بمناقشة توقعاتهم إزاء ما سيعلن عنه اليوم.
وتوقع المدون محمد الأمين ولد سيدي مولود في تدوينة له نوقشت أمس على نطاق واسع «أن الرئيس لن يضيف كثيراً سوى قفزة غير دستورية لعلاج واقع غير مريح ولا دستوري وقع فيه الرجل وأوقع فيه البلد، وهي شيمته منذ ظهوره في المشهد العام قبل أكثر من عقد ونصف من الزمن». وزاد «كل المؤشرات توحي بأن عزيز في طريقه إلى انقلاب ضد الدستور المصرح في المادة 99 منه: «يمتلك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور، لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين إلا إذا وقعه على الأقل ثلث (3/1) أعضاء إحدى الغرفتين، لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء»، وذلك في الباب 12 المتعلق بالتعديلات الدستورية».
وأضاف ولد مولود «بدأت مؤشرات الانقلاب من خلال ما يروج له البعض من الرجوع إلى المادة 38 الواردة في الباب الثاني حول السلطة التنفيذية والتي تقول إنه «لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية».
وتشير هذه التطورات كلها الى دخول موريتانيا في أزمة سياسية جديدة تنضاف لأزمتها القديمة، وستشغل هذه الأزمة وسابقتها الفاعلين في الساحة السياسية، عن التحضير لانتخابات 2019 الرئاسية التي ستشهد طبقاً للدستور انتقال السلطة من الرئيس الحالي لرئيس آخر، وهو ما يستلزم وفاقاً وطنياً على ظروف وآليات هذا المنعطف.
عبد الله مولود
المصدر: القدس العربي، 2017/03/22