

أشارت بيانات المعهد الوطني للإحصاء حول المبادلات التجارية مع الخارج بالأسعار الجارية الصادرة قبل ايام الى تفاقم العجز التجاري خلال شهري جانفي وفيفري من سنة 2017 ليصل إلى 2510,6 مليون دينار مقابل 1350,9 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016. كما سجلت نسبة تغطية الواردات بالصادرات تراجعا بـ 11,8 نقطة حيث بلغت 64,8 % مقابل 76,6 % في نفس الفترة من سنة 2016. ويعتبر الخبراء ان السبب الرئيس وراء تفاقم عجز الميزان التجاري التونسي هو التدهور الحاصل في الميزان التجاري الغذائي الذي مثل 11,7 بالمائة من إجمالي عجز الميزان التجاري وقد سجل الميزان التجاري الغذائي خلال الشهرين الأولين من سنة 2017 تراجعا في نسبة تغطية الواردات بالصادرات، حيث بلغت 63 بالمائة مقابل 80,6 بالمائة خلال نفس الفترة من سنة 2016 علما وأن هذه النسبة كانت في حدود 50,5 بالمائة خلال جانفي 2017.
أسباب كثيرة:
ويعزى ذاك التراجع، وفق بلاغ أصدرته وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري الثلاثاء الفارط إلى الارتفاع الهام في قيمة الواردات الغذائية بنسبة 51 بالمائة، وخاصة منها المواد الأساسية، مع الإشارة إلى أن الصادرات قد سجلت بدورها نموا، ولكن بدرجة أقل بلغت18,1 بالمائة، مما أدى إلى تسجيل عجز مالي في الميزان التجاري الغذائي بلغ 295,2 مليون دينار مقابل 120,6 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016.
هذا التراجع المستفحل من سنة إلى أخرى اسبابه الرئيسية التباطؤ المسجل في الاقتصاد الوطني مما ادى إلى تراجع صادرات تونس من المواد الصناعية واكتفاؤها في النسبة الاغلب بتصدير المنتجات الفلاحية التي تراجع انتاجها هذه السنة بفعل الجفاف والنقص الحاصل في زيت الزيتون اضافة الى تراجع الدينار امام العملتين الرئيسيتين المتعامل بهما في التجارة الخارجية التونسية وهما الدولار والاورو.
التوريد العشوائي:
كل هذا أدى الى ارتفاع اسعار المستوردات .. والخلل يكمن ايضا في التوريد العشوائي الذي تم تقنينه وفق كراس شروط صدر منذ سنوات ما قبل الثورة إلا ان تطبيق ما جاء في الكراس لم يحصل ليتم توريد كميات كبيرة من منتجات يتم تصنيعها في تونس فكان الضرر مضاعفا باستنزاف رصيد البلاد من العملة الصعبة وايضا ضرب المؤسسات الوطنية التي فقدت جراء ذلك قدراتها التنافسية وخسرت اسواقا خارجية كثيرة بل وصارت مهددة بالافلاس مما منعها من تطوير وسائل انتاجها.
والملفت للانتباه ان الحكومات المتعاقبة لم تحرك ساكنا ازاء هذه المعضلة كما تقاعست في توفير الدعم اللوجستي للمؤسسات الوطنية على عدة مستويات اذ فشلت الحكومات في توفير المرافقة الديبلوماسية للمؤسسات التونسية للولوج الى اسواق خارجية جديدة بل ان الدعم لبعض الهياكل الساعية الى فتح اسواق جديدة في افريقيا خاصة مثل كونكت ومجلس اعمال تونس افريقيا كان محتشما رغم الدراسات المنجزة اثر رحلات استكشافية لبعثات اقتصادية تونسية من الهيكلين المذكورين. هذه الرحلات اثبتت ان القارة السمراء سوقا واعدة يمكن ان تمتص العجز المسجل في الميزان التجاري لو تم تيسير وصول المنتجات التونسية الى هناك ..
معظلة النقل:
تقاعس الحكومة تجلى ايضا في عدم توفير النقل ولئن تم مؤخرا فتح عديد الخطوط الجوية مع دول افريقية فان ذلك يبقى غير كاف لكلفة النقل الجوي ومحدودية طاقة استيعابه للمنتجات وهو ما يحتم السعي الى فتح خطوط بحرية سواء مع افريقيا او مع دول في اوروبا الشرقية وايضا تركيا لان الموجود منها الان لا يفي بالغرض. بل انه من الغريب ان تتصاعد اصوات من هنا وهناك منددة بالعجز المسجل على مستوى مبادلاتنا مع تركيا رغم انه ياتي في المرتبة الثالثة بعد الصين وروسيا في حين انه تربطنا مع تركيا اتفاقية للتبادل التجاري ممضاة منذ سنة 2005 الا ان تونس لم تستفد شيئا منها لا لتقصير من الجانب التركي بل من تونس فالسلع التونسية لا تصل الى هناك الا بصعوبة، فهل ننتظر من تركيا او من روسيا او من الصين وباقي الدول الاخرى ان توفر هي النقل الجوي والبحري لمؤسساتنا حتى تنقل منتجاتها اليها ام ان الدور موكول الى بلادنا التي ركزت في مبادلاتها على الاتحاد الاوروبي وتناست هذه الاسواق الناهضة والاقتصادية التي يتكهن لها كل الخبراء في العالم بانها ستكون في سنوات قليلة قادمة من اقوى الاقتصاديات.
ياسين الصيد
المصدر: الفجر التونسية