
أشارات كثيرة حملتها اللقاءات الاولى لرئيس الحكومة المغربية المعين، الدكتور سعد الدين العثماني، في اولى جولات المشاورات مع قادة الاحزاب، التي حددها بالممثلة في البرلمان، وهي لقاءات تتسم عادة بالبروتوكولية، الا انها تبث اشارات، حتى الآن ايجابية، للإسراع بتشكيل الحكومة، بعد اكثر من 5 اشهر من ازمة وعراقيل واجهت سلفه عبد الاله بن كيران، حالت دون استكمال مهمته.
وانطلقت مشاورات تشكيل الحكومة، بعد تكليف الملك محمد السادس، يوم الجمعة الماضي، سعد الدين العثماني، صباح امس الثلاثاء في مقر حزب العدالة والتنمية، الذي يرأس العثماني مجلسه الوطني (برلمان الحزب)، الفائز بالمرتبة الأولى في تشريعيات تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، مما اهله دستورياً لتشكيل الحكومة، بدأها زعيم الحزب عبد الاله بن كيران ويستكملها العثماني الرجل الثاني بالحزب.
وحضر الى جانب العثماني في لقاءاته مع زعماء الأحزب كل من مصطفى الرميد ولحسن الداودي ومحمد يتيم، اعضاء الامانة العامة، وتم تكليف مصطفى الخلفي، وزير الاتصال السابق، بالتواصل مع الصحافة، خلال المشاورات وهذا الحضور تعبير عن تمسك الحزب بتدبير الأمانة العامة للمشاورات، وذلك في تنزيل لقرارات المجلس الوطني الاستثنائي للحزب، الذي عقد الأسبوع الماضي، الذي أعلن فيه الحزب تمسكه بالمنهجية التفاوضية لبن كيران، بعد حملة شنها مناهضو الحزب تدعو لإبعاد العثماني في مشاوراته عن الحزب ومؤسساته، على اساس انه رئيس حكومة كل المغاربة وليست حكومة العدالة والتنمية.
الاشارة الثانية ان ازالة الخطوط الحمراء في المشاورات لا يعني اشراك كل حزب يلتقيه العثماني، خاصة ان كل الأحزاب الممثلة في البرلمان التي سيلتقيها العثماني، باستثناء حزب الاصالة والمعاصرة، تتمنى وتسعى للمشاركة في الحكومة. وهو ما أظهرته اللقاءات الأولى التي تضع العثماني وحزبه في احراج مع حلفائه وفي الوقت نفسه تزيح عن كاهله ضغوطات مورست على سلفه بن كيران طول الشهور ال5 الماضية.
حزب الاستقلال يتشبث بالمشاركة:
وقبل انطلاق اللقاءات، قال مصطفى الخلفي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الناطق الرسمي باسم رئيس الحكومة المعين ان سعد الدين العثماني يبدأ مشاوراته بحزب الاستقلال الحزب الثالث في البرلمان (46 مقعداً)، لأن إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة (الحزب الثاني 102 مقعد) كلف بمهمة، وعليه تم تأجيل اللقاء به إلى المساء.
وأبرز أن مشاورات العثماني مع الأحزاب السياسية ستكون وفق الترتيب التالي، حزب الاستقلال، التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، حزب الأصالة والمعاصرة، الحركة الشعبية (27 مقعداً) وغداً (اليوم) الأربعاء سيستقبل العثماني حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعداً)، وحزب التقدم والاشتراكية (12 مقعداً) وأضاف ان رئيس الحكومة المكلف تحدوه إرادة قوية من أجل الإسراع بهذه المشاورات ومن ثم إرساء مشروع حكومة قوية، «حتى نكون عند مستوى حرص جلالة الملك».
وكشفت تصريحات مصطفى الخلفي ان المشاورات لن تشمل الأحزاب التي لا تتوفر على فريق برلماني (اكثر من 20 مقعداً) ممثلي أحزاب فيدرالية اليسار (مقعدين)، والحركة الديمقراطية والاجتماعية (3 مقاعد) والوحدة والديمقراطية (مقعد واحد) واليسار الأخضر (مقعد واحد) مع استثناء حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي سابقاً 12 مقعداً) كونه كان وفياً لتحالفه مع حزب العدالة والتنمية والاتحاد الدستوري (14 مقعداً) الذي يشارك في المشاورات رفقة التجمع الوطني للأحرار (37 مقعداً).
ومباشرة بعد ذلك استقبل العثماني وفداً عن حزب الاستقلال، والذي سبق أن كلفه المجلس الوطني بمهمة التشاور مع رئيس الحكومة المكلف السابق عبد الإله بن كيران، ويتكون من كل من حمدي ولد الرشيد، وتغوان بوعمر ومحمد السوسي، وذلك لمعرفة رأي الاستقلاليين من موضوع المشاركة في الحكومة، بعدما تم إبعادهم منها بسبب التصريحات الصادرة عن أمينهم العام حميد شباط حول الوحدة الترابية لموريتانيا. وقال عادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، ان سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المعين، اتصل بحميد شباط بصفته الأمين العام للحزب من أجل مباشرة المفاوضات لتشكيل الحكومة المقبلة وأن شباط أخبر العثماني بأنه سينتدب كلاً من بوعمر تغوان ومحمد السوسي وحمدي ولد الرشيد؛ وذلك امتثالًا لقرار المجلس الوطني للحزب، الذي عقد يوم 30 كانون الاول/ ديسمبر الماضي بعد الضغوط التي مورست على الحزب اثر تصريحات شباط حول موريتانيا حيث قرر المجلس تفويض جزء من مهام الأمين العام لكل من عبد القادر الكيحل وعبد الله البقالي ونور الدين مضيان وتفويض تدبير مشاورات تشكيل الحكومة لكل من بوعمر تغوان ومحمد السوسي وحمدي ولد الرشيد. ومع بدء مشاورات تشكيل الحكومة عاد حزب الاستقلال بقوة لدائرة الضوء الحكومي بعدما تم استبعاده في نهاية فترة تكليف بن كيران بسبب «فيتو» رفعه عزيز أخنوش زعيم التجمع الوطني للاحرار والمقرب من الجهات العليا وتأمن له بعد أزمة موريتانيا.
وقال العثماني ان لقاءه للوفد الاستقلالي مر بأجواء إيجابية وانه «فأل خير أن أفتتح المشاورات بلقاء حزب الاستقلال»، بحسب مقطع فيديو نشرته الصفحة الرسمية لحزب العدالة والتنمية.
وأعلن حزب الاستقلال تشبثه بالمشاركة في حكومة سعد الدين العثماني وقال محمد السوسي، عضو اللجنة التنفيذية للحزب بعد لقائه برئيس الحكومة إن قيادة الاستقلال تلقّت دعوة من العثماني، وجدّد التأكيد على موقف الحزب من المشاركة في الحكومة الذي اتخذ خلال تشرين الاول/ أكتوبر الماضي وقال «نتمنى أن يتمكن رئيس الحكومة من إنجاز المهمة وتشكيل الحكومة»، وأن «قرار حزب الاستقلال اتخذ، وهذا القرار لا يزال هو المعبّر عنه حالياً، ونتمنى التوفيق لرئيس الحكومة».
وأكد حزبا التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري تأييدهما لرئيس الحكومة المكلف سعد الدين العثماني، ورغبتهما في الانضمام للأغلبية الحكومية وأعرب رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أحنوش، بعد لقائه ومحمد ساجد الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري برئيس الحكومة المكلف، عن استعداد الحزبين، اللذين يجمعهما فريق برلماني موحد وبرنامج مشترك، للتعاون مع العثماني من أجل تشكيل حكومة قوية ومنسجمة. وقال أخنوش «قدمنا للعثماني التهاني بمناسبة الثقة التي وضعها فيه الملك محمد السادس، وعبرنا له عن رغبتنا في دخول الحكومة التي سيقودها» و»أكدنا لسعد الدين العثماني، خلال اللقاء، «أننا نرغب في دخول حكومته ونرغب في الاشتغال معه، من أجل إنجاح مشاريع الوطن».
وتابع قائلاً: «سعد الدين العثماني تحدث خلال اللقاء حول نظرته للحكومة القادمة في المستقبل، واستقينا من خلال حديثه أنه يرغب في حكومة قوية ومنسجمة، ونحن نثق في العثماني»، مضيفًا «سيتم تمكين العثماني من الوقت الكافي لتشكيل الأغلبيىة الحكومية».
وحول تشبثه بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من أجل تشكيل الحكومة، رفض أخنوش الإجابة، معلناً عن ثقته، وساجد، في العثماني لتشكيل حكومة قوية، واستعدادهما، في الوقت ذاته، للتعاون مع رئيس الحكومة المعين من أجل «إنجاح مهمته بتشكيل الأغلبية».
وفسرت اوساط حزبية تصريحات اخنوش بشأن الاتحاد الاشتراكي بأنه تخلى عن الورقة التي ضغط بها خلال الاشهر الماضية على عبد الاله بن كيران وافشله في مهمة تشكيل الحكومة الا ان موقع «لكم»، قال إن عدم حديث أخنوش عن «الاتحاد الاشتراكي» لا يعني بالضرورة تخليه عن مطلبه بدخول الاتحاد للحكومة، مشيرة إلى أن اللقاء الأول التشاوري بروتوكولي الطابع، كما أن العثماني سيستقبل (اليوم) الاربعاء إدريس لشكرالأمين العام للاتحاد الاشتراكي، الذي سيعلن عن موقف حزبه من المشاركة أو عدمها في الحكومة.
وأكد إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أن حزبه لا يزال متموقعًا في المعارضة، وقال بعد لقائه بسعد الدين العثماني مساء امس الثلاثاء «نحن لا زلنا عند موقفنا المعبر عنه يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر» وأنه لم يطلب من العثماني الدخول إلى حكومته.
وأشاد بالمنهجية التي اعتمدها العثماني في مشاورات تشكيل الحكومة والمتمثلة في الانفتاح على جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، واصفاً إياها بـ»المستحبة» و»المزيانة» وقال هذا لا يعني أن المنهجية التي اعتمدها رئيس الحكومة المكلف السابق عبد الإله بن كيران، «ممزيانة»، مبرزاً أن لكل واحد منهجيته.
ودعا العماري إلى مواصلة اللقاءات مهما اختلفت المواقع، ليس فقط بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة وإنما بين جميع التعبيرات السياسية، مبرزاً أن فضيلة الحوار مهمة جداً.
وقالت اوساط حزبية لـ«القدس العربي» إن تأكيد حزب الاستقلال على دعم العثماني، شارك في الحكومة ام لم يشارك، ورقة قوية بيد رئيس الحكومة المعين، بعد ان اصبحت ازمة تصريحات شباط طي النسيان، وسيقدمها لرفع الضغط عنه لادخال الاتحاد الاشتراكي الذي تخلى عن دعوة بن كيران للمشاركة في بداية المشاورات ليحاول الدخول للحكومة من خلال عزيز اخنوش، مما ادى بعبد الاله بن كيران لاستبعاده من المشاورات الحكومية ويعلن عن حكومة بنفس اغلبية حكومته السابقة (2016-2013) المكونة من حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وهو ما رفضه اخنوش وفسرالرفض بأنه الورقة التي استخدمت لإفشال بن كيران.
محمود معروف
المصدر: القدس العربي، 2017/03/22