
أصدرت منظمة حريات الإعلام والتعبير «حاتم» بيانا سجلت فيه قلقها الشديد من «الانتهاكات الأخيرة لحريات التعبير في المغرب». وقال الإعلامي والحقوقي محمد العوني رئيس المنظمة أن صدور البيان «راجع لتزايد حالات جاء ذكرها في البيان، فيها اعتداء على حريات التعبير عامة بمختلف أنواعها فكان من الضروري ان يكون لنا موقف في الموضوع».
وحول خطورة هذه التجاوزات يقول رئيس منظمة حريات للإعلام والتعبير-»حاتم» محمد العوني لـ»القدس العربي» انه «لا يمكن وصفها بالخطيرة لكنها انتهاكات تسيء للممارسات الفضلى التي ينشدها المغاربة والتي بدأنا نلاحظ بعضا منها، كما لو أن المغرب يحاول الرجوع للوراء في أوضاع حريات التعبير. هناك مجموعات/ مثل (البودكاستر) تمثل تعبيرا جديدا في المجال الرقمي الاجتماعي، وينبغي أن تمنح لهم الحرية كأساس، لكننا لاحظنا أن عددا من المسؤولين السياسيين يضيقون ذرعا بالسخرية والنقد وهذا غير مقبول، فتحمل المسؤولية يفرض تقبل النقد ولو كان ساخرا».
وأضاف «تعددت التضييقات بين المنع واستعمال القوة ضد المحتجين السلميين وإدانة ناشطين بأحكام سالبة للحرية وبأداء غرامات ثقيلة. وتطور الأمر نحو مزيد من التضييق على المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان والتشهير بهم والعودة للانتقام من بعض شباب حركة 20 فبراير وإعفاء مسؤولين في الإدارات العمومية دون احترام للقانون، والتضييق على ممارسة الحقوق النقابية بما فيها حرية التظاهر، والتراجع عن الاتفاقات المبرمة والمس بمجانية التعليم … وهي الخروقات التي تصدت لها الحركة النقابية والحقوقية ـ ومن ضمنها منظمة حاتم – عبر عدة مواقف وتظاهرات ومنها مسيرة 19 شباط/فبراير 2017».
ورصدت المنظمة حالات أثارت استفهامات حول جدية الدولة في احترام حريات الإعلام والتعبير مثل (اعتقال «البودكاستر» الشاب المعروف بـ «حمودة أسفي» تعسفيا بسبب مقاطع الفيديو التي يبثها عبر يوتيوب ويعلن فيها عن مواقف نقدية لاذعة لمؤسسات الدولة فيما قال الأمن أنه متابع بتهمة «الإشادة بأعمال إرهابية على خلفية اغتيال السفير الروسي في تركيا».
ورصدت المنظمة أيضا متابعة الروائي الراحل عزيز بنحدوش الذي أدين بشهرين موقوفة التنفيذ وغرامة حتى وهو متوفي بسبب روايته «جزيرة الذكور» والحملة التشويهية لـ»البودكاستر» رضوان اسرموح المعروف بسكيزوفرين والمتابعة القضائية بعد شكاية رفعها ضده أمين عام «حزب الأصالة والمعاصرة» بتهمة «السب والقذف» بعد تبرئته خلال المحاكمة.
صعوبات الوصول إلى المعلومة:
وخصصت المنظمة الجزء الثاني من البيان للصعوبات التي يعاني منها الإعلاميون في الوصول إلى المعلومة، أو ما يصطلح عليه بالحق في الحصول على المعلومة، بـ»إصرار مسؤولين في الدولة والحكومة على تحميل الإعلام مسؤولية ما يصرحون به أو سعيهم لحجب المعلومات ويثير غضب فئات شعبية أو إطارات مدنية ويلجأ بعضهم إلى منع أعضاء الهيئات التي ينتمون لها من التعامل مع الإعلام وهو ما يعبر عن غياب الوضوح والشفافية والمسؤولية في السياسات وتدبير الشأن العام وضرب الحق في الحصول على المعلومات، كما أنها خرق صارخ للحق في الإعلام ولحرية التعبير، حتى بالنسبة لبرلمانيين وممثلي تنظيمات سياسية ونقابية.
وقال محمد العوني أن «هناك نظرة تنطوي على موقف جاهز ومسبق وقد قدمنا نماذج عن تعامل كثير من المسؤولين بتهيب مع الإعلام وبمنطق يعود إلى سنوات الماضي حيث كان في الامكان حجب المعلومات والحق في الخبر. اليوم لم يعد بالإمكان فعل ذلك وفقا للدستور والقوانين التي تفرض العكس وأيضا التدبير الحكيم والشفاف للشأن العام الذي يفرض الاقلاع عن هذه العقلية التي تتهيب من الإعلام وتلصق به الهنات التي يقع فيها السياسيون بينما هم مجرد وسطاء وقناة لنقل مواقفهم وما يصرحون به ومن العادي أن ينقل الإعلام ما قالوه حرفيا أحيانا، أو ان يبحثوا عن جوانب تجذب المتلقين».
ويقول المحامي والحقوقي الليبرالي المغربي اسحاق شارية حول الكيفية التي يراها ممكنة وقادرة على تحصين الحريات الفردية والاجتماعية عن طريق القانون/ التشريعات/ في المغرب، «منذ عقود والمغرب يتطور في مسألة الدفاع عن الحريات العامة سواء منها الفردية أو الاجتماعية، وقد كان من بين الدول العربية الأولى الذي سن قوانين لحمايتها كما نص على ضرورة احترامها في كافة دساتيره حتى آخرها دستور 2011، لكن بقي تطبيق وممارسة هذه الحريات خاضعا لشد وجذب بين السلطة التنفيذية وجمعيات المجتمع المدني والأحزاب والمؤسسات الإعلامية.
وقال لـ»القدس العربي» أنه «إذا كانت التشريعات المغربية تحدد الإطار القانوني لممارسة هذه الحرية في قالب قانوني، فإن احترام القانون وتطبيقه الأمثل كان دائما محط إشكال من طرف السلطة الساهرة على تنفيذه، كالشرطة ووزارة الداخلية أو المؤسسة القضائية، وهو ما يدفع بالحقوقيين إلى مزيد من النضال من أجل فقط التطبيق الأمثل للقانون واحترام نصوصه، وعدم تجاوز السلط والإفراط فيها.
بين الحرية والفوضى:
وأضاف أنه يجب التفريق ما بين الحرية التي ينظمها ويحميها القانون الناتج عن مجتمع وثقافة وتاريخ معين، وهو ما يجعل الجميع يستفيد من أجوائها، وبين الفوضى التي تتخذ مبدأ الحرية كشعار لتدمير هوية وثقافة وتاريخ مجتمع معين، وهو الصراع الذي يعيشه المجتمع المغربي مع بعض الجمعيات التي تسعى لإجباره على الإيمان والقبول بتصرفات شاذة تحت ذريعة ممارسة الحرية، كمثال (دعوات زواج الشواذ جنسيا/ الدعوة للإفطار العلني في رمضان / دعوات المناصفة في قانون الميراث) وكلها دعوات يسعى أصحابها إلى التعدي على حرية المجتمع في الإيمان بتاريخه وهويته.
ويؤكد شارية على ان كافة الدول الرائدة في مجال احترام الحريات، هي أكبر الدول المنتجة للتشريعات المنظمة لإطار ممارسة الحرية، حتى لا يتعدى أي طرف على الآخر، ففي مجال حرية الاقتصاد نجد القوانين المنظمة لحرية المنافسة ومحاربة كافة أشكال الاحتكار الاقتصادي، وفي المجال السياسي نجد القوانين المنظمة لحرية العمل السياسي والجمعوي لكن مع ضرورة الحد من دعوات العنف أو استغلال الدين أو إثارة الصراعات العرقية والمذهبية، وهو ما يحمي كافة أفراد المجتمع في ممارسة أمثل للحرية السياسية دون تعدي أي طرف على الآخر، وكذلك في الجانب الديني فإن الإطار القانوني يكون هو الكفيل في حماية أي فئة لممارسة معتقداتها دون تعد من طرف على الآخر، وغيره من المجالات، لان القانون والتشريعات تبقى هي الضامن الأمثل والوحيد لحماية الحرية الفردية والمجتمعية، إلا أنها من الواجب أن تتناغم مع التطبيق السليم لروح القوانين من طرف السلطة التنفيذية والقضائية.
وقال محمد زهاري، الأمين العام لفرع المغرب للتحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات ان الدولة المغربية ما زالت تتعامل في أغلب الحالات بعقلية أمنية صرفة، وتستحضر لغة العصا على لغة الحوار، مما يؤكد استمرارها في خرق مقتضيات الدستور وهذا يخل بالتزامات الدولة تجاه آليات المعاهدات والمساطر الخاصة ويجعلها محرجة أمام تقارير المنظمات الوطنية والدولية غير الحكومية وان استمرار الإفلات من العقاب في بعض الحالات التي تشير فيها تقارير الجمعيات أو شكايات المواطنين إلى حالات تؤكد تورط مسؤولين في الأمن والدرك والقوات المساعدة.
ارتفاع وتيرة الاستعمال المفرط للقوة:
ولاحظ زهاري ارتفاع وتيرة الاستعمال المفرط للقوة والعنف والسلوكيات الحاطة بالكرامة والمهينة ضد المحتجين والحركات الاجتماعية، وتسجيل خروقات واضحة داخل المؤسسات السجنية، والمس بالحقوق الاجتماعية.
وأكد ان المغرب يعيش انتكاسة على مستوى مصادرة الحق في التجمع والتنظيم واستهداف حرية التعبير، وتوظيف القضاء في تصفية الحسابات بوتيرة تعود بنا إلى سنوات العهد البائد التي خلفت تركة سيئة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. إن ما يحدث في نظري اعتداء واضح على القانون بطريقة الاستقواء والتحكم.
وقال «ما زلنا في الحركة الحقوقية وإلى حد الآن نطالب بتنفيذ العديد من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي لا يتطلب تنفيذها إلا وجود إرادة سياسية من طرف الدولة، منها الاعتذار العلني الذي تقرر أن يقدمه الوزير الأول باسم الــدولة المغربية عن كل ما جرى في الماضي من انتهاكات جسيمة، والمصادقة على معاهدة روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، وإلغاء عقوبة الإعدام، وسن سياسة عمومية واضحة لجبر الضرر الجماعي للمناطق التي عاشــت أحــداث الماضي الأليم، والإدماج الاجتماعي للضحايا ولذويهم، والكشف عن ما تبقى من الضحايا مجهولي المصير.
واضاف انه رغم أن المغرب اعتبر رائدا مقارنة مع التجارب العربية المحتشمة في هذا المجال فإن مسلسل العدالة الانتـقــالية مــا زال مفـتـوحا، لأن العديد من التوصـيـات مـا زالــت لم تنــفذ، ولأن الدولة تسـتـمر في ارتكاب انتهاكات جديدة قد تجــعــل ضحاياها في المستقبل يطــالــبون بالإنصاف وجبر الضرر ومعرفة حقيقة ما جرى. لهذا فالعدالة الانتقالية التي لا تؤدي إلى عدم تكرار ما جرى تعتبر ناقصة وتفتقد إلى المصداقية والإرادة السياسية لطي صفحة الماضي الأليم.
ليلى بارع
عن القدس العربي، العدد 8754، 05 مارس 2017، ص16-17.