
علي عبد اللطيف اللافي:
تم اغتيال المرحوم والشهيد شكري بلعيد صبيحة يوم الاربعاء 06 فيفري 2013، وبعد ساعتين فقط كتبت مقالا لموقع “وكالة بناء نيوز للأنباء”، بنفس عنوان مقال الحال[1]، ورغم التفاصيل المنشورة والمعطيات التي كشفت عنها أطراف عدة بل وحتى إرهابيين على غرار الإرهابي المتورط في العملية “أبو بكر الحكيم” فان قناعاتي ورؤيتي لما حدث لم تتغير ابدا حول في طبيعة الجريمة وكيف تم التخطيط لها والاهداف التي كانت مرجوة منها، وتبقى الأسئلة نفسه مطروحة، وهو نفس أسئلة مقال 06 فيفري 2013، وهو من اغتال شكري بلعيد ومن له المصلحة في ذلك وماذا يريد من وراء ذلك؟
والحقيقة أنني اليوم أكرر المقال بنفس ملامحه وأسئلته و أكتفي بتحيين بعده الزمني وبعض عباراته مع المحافظة على الجوهر لان الحقائق لا تتغير بتغير الزمان وانما يكشف عن تفاصيل مدعمة لها رغم أن الحقائق تبقى أمرا نسبيا وتحدد نسبيتها بمدى المعطيات الجديدة وطبيعة الوثائق الدالة والدامغة ….
- من هو شكري بلعيد؟
شكري بلعيد هو مواطن تونسي أصيل معتمدية بوسالم من ولاية جندوبة شمال غرب تونس، وقد قطن العاصمة، حيث درس تعليمه الثانوي بمعهد الوردية قبل أن ينتقل الى الجامعة وتحديدا كلية العلوم بتونس، وهو من قيادات ومناضلي التيار الوطني الديمقراطي (أحد الفصائل العديدة لتيار الشعلة الماركسي اللينيني والماوي)و قد كان الشهيد عضو المركزية الطلابية في الاتحاد العام لطلبة تونس في نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، وقد زار موسكو سنة 1985 ضمن وفد طلابي يساري ( نشرت مجلة الموقف صورة الوفد)…
و قد غادر المرحوم في بداية الالفية في اتجاه العراق،أين تحصل على الاستاذية ثم غادر سنة 2003 الى باريس ثم التحق بسلك المحاماة وقاد بعد الثورة حزب “حركة الوطنيين الديمقراطيين”، وبقي زعيما للحزب الجديد بعد المؤتمر التوحيدي مع شق من تيار “العود” بقيادة محمد جمور ثم وقف وراء تشكيل الجبهة الشعبية ( تكونت يوم التأسيس من 11 تنظيما يساريا وبعثيا قبل انسحاب 05 تنظيمات عدة في لاحقا)…
- صراعات سياسية وتجاذبات
عاش شكري بلعيد ومنذ سنوات الدراسة في معهد الوردية، وسط صراعات النخب السياسية التونسية وخاض النقاشات بين التيارات الايدلوجية المختلفة وبين فصائل اليسار الماركسي المتناحرة وخاصة بعد الانقسامات المتعددة داخل تنظيمي “الشعلة” و”العامل التونسي”، وهنا لابد من التأكيد على أن المرحوم :
1- من ألد خصوم الإسلاميين وأكثر المتهجمين عليهم وعلى خطهم السياسي قبل وبعد الثورة، وقد طالب المرحوم عديد المرات بإسقاط الحكومة ووصفها تكرارا ومرارا بالفشل متهما إياها بتشجيع العنف السياسي، ، يؤمن المرحوم أن حركة النهضة خصم سياسي لابد من خوض الصراع الفكري والسياسي معه وبأنها ماضوية وأن مشروعها المجتمعي لا يشجع على الحوار أو الالتقاء السياسي معها في كل الحالات، وهو ما وظفه خصوم النهضة في اتهامها الا أنه مع الزمن اكتفى المتهجمين عليها بالمسؤولية السياسية على عملية الاغتيال وهو ما فعله رئيس الحكومة الأسبق بأن استقال من منصبه…
2- رحب المرحوم في البداية بمبادرة السبسي ( تأسيس نداء تونس )، ثم رفض الانخراط فيها كما رفض التحالف بين الجبهة والاتحاد من أجل تونس ( المسار – الجمهوري – نداء تونس – الاشتراكي –العود)بل واعتبر أن النداء هو رسكلة للتجمع المنحل…
3- حاول مرارا التواصل مع بقية فصائل الوطد لتوحيدها تحت يافطته الا ان النقاش حول التوحيد توقف وفشل حتى مع عبدالرزاق الهمامي رغم قطع أشواط في ذلك، ولا ننسى أن المرحوم كان له كلمة الحسم في تأسيس الجبهة بين الخصمين التاريخين أي حزب العمال والوطد كما رفض تحالف الجبهة والنداء، الا أن قيادة الجبهة التقت مباشرة بعد اغتياله بمن رفض التحالف معه في ما سمي لاحقا بجبهة الإنقاذ…
4- كان المرحوم يؤمن بأن عدد من فصائل اليسار الماركسي هي فصائل طفيلية وأن بعضها مخترق من المنظومة القديمة وأن بعضها خدم المخلوع أكثر من حاشيته وحزبه، بل أن الشهيد كتب نصا تحت عنوان “المُخبر الصغير والمخبر الكبير”،كاشفا فيه أحد وجوه اليسار الذين ركبوا موجة إعادة رسكلة المنظومة القديمة، ولا يمكن تغييب أن المرحوم شكري بلعيد كان أحد أهم خصوم فصائل ماركسية داخل اسوار الجامعة وخاصة خلال المؤتمرين 18 و 19 للاتحاد العام لطلبة تونس، وهو أيضا يعرف دقائق تحالفات بعضهم وعلاقتهم بالبوليس السياسي وببعض الدوائر في الداخل والخارج…
- مُتربصون كُثر
كانت للمرحوم ديناميكية وعقلية سياسية قادته إلى عديد التحالفات والارتباطات مع سياسيين ومثقفين وقوى في الداخل والخارج ومن الناحية الموضوعية عديدون كانوا في خصومة مباشرة مع بلعيد من اليسار ومن السياسيين،و خاصة ممن يمثل المرحوم تهديد لهم باعتباره يملك أوراقهم وماضيهم بودقة متناهية حول ارتباطاتهم وخيوطهم…
ثم لا ننسى أن المرحوم كان سياسيا بارعا في الحوار والتحالف، وانه كمحام مسك عديد الملفات ولعل إشارة شكري قبل أشهر من اغتياله أن جهات ستحرق وتدمر وتخرب بأقمصة وشعارات حزبه ( أي حزب الوطد الموحد الذي كان يقوده عشية اغتياله)، وهي عمليا تصريحات لها دلالة كبرى ورمزية، ثم ما هي القصة الحقيقية وهو إشاعة كاذبة رُوجت حول علاقات محتملة للرجل بنظام الجنرال وأعوانه الأمنيين، وهل هي أكاذيب ملفقة أم أنها أوراق متداخلة وتشابكات مع شبكات ومصالح خاصة؟
- مناغتال المرحوم؟
1- أولا، أجزم أنه من الأكيد أن من وقف وراء الاغتيال أو نفذه[2]، ليس طرفا سياسيا لان الاغتيال لن يفيد أي سياسي سواء كان يومها في السلطة أو المعارضة، خاصة أن تونس كان بداية 2013 تجتاز مرحلة حرجة وانتقالية لتعبر للمستقبل وتجتاز نحو آفاق رحبة وواعدة، ولان الاغتيال كان بالإمكان أن يشمل أحدا غير شكري، وكسؤال لو كانت الغاية هي الجبهة الشعبية لماذا شكري وليس حمة الهمامي أو عثمان بلحاج عمر أو أحمد الصديق أو أي من قيادات الجبهة….
2- ثانيا أن من اغتال شكري، أو بالأحرى وقف وراء ذلك أراد التخلص من رجل و ملفه، ومن رجل يسهل عليه فك العلاقات والارتباطات وتطويرها وربط الأحداث ومستوعب لتاريخ عقود من الذاكرة السياسية للبلد…
3- ثالثا أن اختيار مسرح الجريمة(المنزه السادس) واختيار الزمن (الثامنة صباحا) وطبيعة لباس المنفذين المموه تدل على أن المُخطط بغض النظر عن المنفذين (قيادات وعناصر تنظيم أنصار الشريعة)، ليس سياسي مُباشر، بل هو صاحب نفوذ مالي ولوجستي وله مستشارون وله علاقة واسعة وموسعة مع اعلاميين ورجال اتصال وعلاقات واسعة ونفوذ هنا وهناك أو هو طرف أجنبي لها وسائله ورجاله ووسائله اللوجستية، كما لابد من التساؤل من كان وراء حديث شكري عن اتهام النهضة بالدفع للاغتيال السياسي وقبل يومين فقط ( برنامج قناة نسمة والذي كان الشهيد شكري أحد ضيوفه)، وماذا حدث في الكاف تحديدا وما علاقة تلك الأحداث بحادثة الاغتيال؟ (حكاية اللافتة من الغد صباحا في مسيرة الكاف)؟
وهل هي الصدفة أن تأتي عملية الاغتيال بعد يومين من خطاب الرئيس وقرب الاعلان عن الحكومة الجديدة[3]، وبعد اربع أيام فقط من بداية تكشف حقيقة حرق الزوايا وانكشاف خيوطها وبعد حوار أبو عياض والمواقف الفارقة التي أعلن عنها بخصوص الشباب التونسي في سوريا ومالي وأن تونس أرض دعوة وليس أرض جهاد واشارته الى شبكات المتنفذين ومؤامراتهم…
أما آخر الأسئلة المهمة هي: ما علاقة من قابلهم شكري في الأيام الأخيرة، وماذا تعني سرعة تكشف الجناة؟ بدأت تتكشف ملامح الجريمة، ثم لا ننسى التحركات الجاهزة هنا وهناك بعد الجريمة وهو ما يتطلب اللوجستية للتحضير لها…
و في الأخير، تبقى الأسئلة أكثر من أن تحصى حول اغتيال شكري بلعيد ومنها كيف عرف الجناة أن المرحوم سيقضي ليلته في المنزه السادس بينما الأصل أنه يقضي ليلته في نهج هولاندا ولما تم تغييب العديد من الحقائق والأشخاص من البرامج الإعلامية الخاصة بالموضوع ولما تراجع معز بن غربية بتلك الطريقة ولما يتم تغييب فترات من حياة المرحوم الشهيد قد تغير مجرى الاحداث، ولما تم تغييب حقائق من حياته وصداقاته قد تجلب البعض للتحقيق ومن أكترى المنازل للقتلة ومن وفر لهم المعطيات الدقيقة وساعدهم لوجستيا، وهل سيكون مصير الحقيقة في اغتيال الشهيد كمصير قضية كيندي ولغز اغتيال الحريري؟
اما اذا اردنا تقديم إجابة شافية ومختصرة فان القاتل الحقيقي هو من لا يريد لتونس ( بل ولكل الأمة العربية والإسلامية)، أن تكون متحررة ولها السيادة على أرضها وثرواتها وهو الطرف الذي أراد ارباك المرحلة الانتقالية وهو من يرفض أن تساس تونس بالديمقراطية وعبر الاحتكام للصندوق، و الثابت أن من خطط لاغتيال شكري بلعيد هو من يتحكم حتى اليوم في أدوات المنظومة القديمة وداعميها اللوجستيين في الداخل و وهو من يملك مفاتيح العلاقات مع الداعمين لها في الخارج، أن المخططين هم أنفسهم من قهروا شكري تلميذا وسلبوا حريته وهو طالب وأمروا بتجنيده سنة 1987 ، وهم أنفسهم من كانوا وراء إيقافه أيام الثورة…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] كُتب النص الأصلي للمقال[1]، ساعتين فقط بعد اغتيال بلعيد،وقد كتبته خصيصا لصحيفة الضمير الأسبوعية التونسية الصادرة يوم 7 فيفري 2013 مع العلم وان موقع بناء نيوز نشره حوالي الساعة الحادية عشرة ونصف بينما نشرته على صفحتي الخاصة حوالي العاشرة ونصف ….
[2]وقد اصبح جلي ولا جدال حوله أن خلايا إرهابية تابعة لانصار الشريعة هي من استعملت للتنفيذ غباء منها أو اختراقا لها، و قد اتضح أن العملية خطط لها نتفيذيا في اجتماع حمام الانف….
[3] راجع مقالنا “هل استبق القتلة ترتباات خطاب المرزوقي؟”، الضمير – عدد خاص – ص 16 بتاريخ 08 فيفري 2013