من ذكريات الهادي البكوش: التصالح مع النظام الليبي

كانت علاقاتنا مع الجزائر حسنة وإن مرت عليها في سنة 1987 سحابة تقشعت بسرعة، في 29 جوان 1987 واعلمني عبد العاطي العبيدي سفير الجماهيرية بتونس وشخصية بارزة في ليبيا وهو صديق للتونسيين أن عبد السلام جلود عن اللجان الشعبية ومحمد الشريف مسعدية عن جبهة التحرير اتفقا على مشروع وحدة بينهما.
أزعجني هذا الخبر وصدمني فلم أكن أقبل أن يتفاوض أخي وصديقي الشريف مسعدية مع الليبيين ويصل معهم على اتفاق دون اعلامي، ولم اكن أرضى بشراكة بين طرفين ليس لهما نفس التاريخ ونفس القيمة ونفس المستوى.
اتصلت بصديقي مسعود آية شعلال سفير الجزائر واستفسرت عن الأمر، أكد لي الخبر وجاءني الى مكتبي وقال لي ان هذا المشروع عرض على اللجنة المركزية وكان عضوا فيها ويعتقد انه لن يقبل.
أعلمت الرئيس بورقيبة بهذا الحدث فأذن لي بأن انتقل الى الجزائر صحبة رشيد صفر الوزير الاول لمطالبة مسؤوليها بتوضيحات.
في الجزائر عبرت للشريف مسعدية عن اسفي لكتمانه التفاوض في هذه الوحدة فأجابني انها ليست قنبلة ذرية. رددت عليه «هي أهم من ذلك، لا شيء أهم صداقتنا».
مع الريس بن جديد أوضحت ان معاهدة الاخاء والوفاق لا تسمح لأي طرف منا بالتفاوض مع طرف آخر دون تشاور ووفاق.
اقتنع بكلامي وبين اننا في حاجة الى جلب ليبيا معنا وتشريكها في مساعينا الوحدوية ولما كانت علاقتنا سيئة مع القذافي أعلن عن استعداده للعمل على تحسينها.
وبعد فترة حل بتونس على وفد هام وقابل الرئيس الحبيب بورقيبة وعرض عليه فائدة التصالح مع ليبيا وتجاوز الخلافات وانه مستعد للمساعدة على ذلك.
وفي 23 سبتمبر في طرابلس ترأست وفدا يضم كل الوزارات للنظر مع الليبيين في كل خلافاتنا وايجاد حلّ لها.
طالبنا بتعويضات للتونسيين المطرودين قدرناها بعشرة مليار، لم يقبل الوفد الليبي هذا القدر وكان يأتمر بأمر عبد السلام جلود الذي كان يعارض التقارب بين بلدينا وبناء على ذلك رفض قبولنا.
هددت بقطع المحادثات والعودة الى تونس دون الامضاء على ما اتفقنا عليه من قرارات ما لم توافق ليبيا على التعويض كما طالبنا.
وادخلنا القذافي في النزاع بتوسط سفير الجزائر بليبيا عبد القادر الحجار، ووافق القذافي على طلبنا وانتهت محادثاتنا بنتائج طيبة وتم التصالح بيننا، قابلني القذافي مطولا وتحدثنا عن انخراطه في معاهدة الاخاء والوفاق، وعد بالدخول معنا على أن نقبل بعضا من التنقيحات التي يريد تقديمها اليه.
أديت مهمات في الجزائر وفي ليبيا لا بصفتي مديرا للحزب ولكن بصفتي وزير للشؤون الاجتماعية وعضو في الديوان السياسي.
في 15 أفريل 1987 قرر الرئيس الحبيب بورقيبة اعفائي من ادارة الحزب بصفة مفاجئة فأدائي كان مرضيا، نوه بها في اختتام مؤتمر 1986 وقد قال «انا فخور باسترجاع حزبنا لقواه لتجديد طرق عمله لدعم هياكله القاعدية وتقوية صلاته بالمنظمات القومية والهياكل الشعبية».
كانت رغبته تعيين المحامي البشير الحنتوس مكاني لانهم اقنعوه بان له كفاءة اقترح عليه رشيد صفر الوزير الاول تعيين عبد العزيز بن ضياء على أن اعوضه في الشؤون الاجتماعية وأبقى في الديوان السياسي قبل الرئيس هذا الاقتراح وأصبحت وزيرا للشؤون الاجتماعية.
المصدر: الشروق، 15 جانفي 2017، ص6.