إسلام السوق لــ ” باتريك هايني”

كان السير جون بورينج٬ الحاكم البريطاني لجزيرة هونج كونج (1854 – 1859 )يرِّدد دوما مقولته الشهيرة: “التجارة الحرة هي المسيح٬ والمسيح هو التجارة الحرة”، هذه العبارة تُعدّ مدخلاً جيّدا لهذا الكتاب.
تأسست الحركة الإسلامية في النصف الأول من القرن العشرين على قاعدة توتر عنيف بين الديني والسياسي٬ ونتيجة لاستيلاء على “الدول العربية الحديثة” على المجال العام بأكمله وإدخاله في الشأن السياسي خلافا للتقليد السنّي التاريخي فقد بدت الحركة الإسلامية بجميع توجهاتها كردّ فعل لهذه السياسة الجديدة. وعلى ذلك٬ وكنقيض لمحاولات الدولة استيعاب الدين٬ حاولت الحركة الإسلامية أن تستوعب الدولة الحديثة في الدين٬ غير مدركة للاختلافات الجوهرية بين النسقين. ونتيجة لأسباب كثيرة فقد وصلت الحركة الإسلامية إلى منتصف ثمانينات القرن العشرين منهكة وغير قادرة على تحقيق أي هدف من الأهداف التي تأسست عليها٬ فتحولت تلك الأهداف إلى ديباجات تردد دون أي مردود واقعي٬ فبدأ أفراد الحركة الإسلامية يبحثون عن بديل خلافا لقاعدة التوتر بين الديني والسياسي. وجد بعض أفراد الحركة الإسلامية بداية من الثمانينات في الاقتصاد وعالم التجارة والأعمال مسارا جديدا خلافا لتديّن عملي غير مسيّس ولا يتصادم مع الدولة ما بعد الكولونيالية التي خرجت منتصرة من كل معاركها مع الحركة الإسلامية تقريبا. وهو٬ لذلك٬ مسار يمكن العمل فيه براحة وخفة أكبر٬ ويمكن من خلاله تحقيق نجاحات وانتصارات في الواقع تخفف من وطأة اليأس الناتج عن فشل المسار النضالي السابق المنغلق على قضايا السياسة والدولة والحكم والهويّة والصراع مع الغرب من هنا تبدأ القصة التي يحاول الباحث الفرنسي باتريك هايني سردها في هذا الكتاب. وهي القصة التي جرت فصولها على امتداد ربع قرن تقريبا قبل الربيع العربي ٬ وكان لنتائجها أثر عظيم في رسم المسارات التي انتهجتها الحركات الإسلامية السلمية أثناء وبعد نشوب ثورات الربيع العربي .
وقد صدرت الطبعة الفرنسية الأولى للكتاب عام ٬2005 في وقت كانت فيه صورة الإسلام مرتبطة بما سمّي “الحرب على الإرهاب” بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتلال أفغانستان والعراق وقمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية٬ فكان هدف المؤلِف تنبيه قارئه الغربي إلى وجود نمط آخر من التديّن الإسلامي؛ سلمي متصالح مع قيم الحداثة و للسخرية ما بعد الحداثة أيضا يمكن التعامل معه٬ خلف هذه الصورة المليئة بالدماء والأشلاء والخراب التي كانت تتصدر واجهة الأخبار الآتية من العالم الإسلامي في وسائل الإعلام الغربية :وتتميز الطبعة العربية للكتاب عن الطبعة الفرنسية بثلاث ميزات :
أولا: مقدمة خاصة من المؤلِّف للطبعة العربية بعنوان: “إسلام السوق بعد الربيع العربي .
ثانيا: مقدمة الدكتورة هبة رؤوف عزت بعنوان: من طبائع الاستبداد إلى طبائع الاستهلاك؛ حول ابتلاع الحداثة لصيغ التمُّدن٬ وخطر الرأسمالية على صيغ التديّن .
ثالثا و أخيرا: ملحق ” أسلمة المنجمنت ، في قيم التحقق الفردي عند الإسلاميين”٬ وهو نصّ الدراسة التي نشرها باتريك هايني والباحث المصري الراحل حسام تمّام في المجلة الفرنسية للإدارة عام 2007.
المصدر: صفحة مدارات للأبحاث والنشر