
مقدمّة:
لا يبدو أن هناك حلا جاهزا في الأفق للوضع في ليبيا إذ لازالت الأزمة تراوح مكانها، بل ويزداد الوضع تعقدا وغموضا وسط جملة من المتغيرات في الداخل وصراع إقليمي تعددت أطرافه ومحاور دولية تتمدد شرقا وغربا لتحول ليبيا إلى بؤرة صراع دولي تعددت و تنوعت ادواته الداخلية. ورغم كل هذا الواقع المعقد إلا أن أطراف الصراع في الداخل قد تجلت بشكل واضح وتجلت معها موازين القوى العسكرية، لأن الجميع أدرك أن الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة ليست متحدة حول استراتيجية عمل واضحة وأن الحل الدولي سيستند إلى ما ستفرزه معطيات الواقع على الأرض بقطع النظر على مخرجات اتفاق الصخيرات. والجميع في ليبيا تفطن إلى هذا الأمر ويعمل جاهدا على إقناع صناع القرار الدولي بأهليته لقيادة البلاد. جملة الأسئلة المطروحة بقوة اليوم على المستوى الداخلي من طرف المتابع للشأن الليبي هي: من هي الأطراف الفاعلة على المستوى العسكري؟ وأين تتموقع سياسيا ؟ وما قدرتها على فرض نفسها على الأرض؟.
أماعلى المستوى الخارجي، فالاستفهام حول الأطراف المتدخلة بقوة في الشأن الليبي سواء على مستوى الإقليم أو على المستوى الدولي؟.إن الإجابة على مجمل هذه الأسئلة تضع القارئ والمتابع أمام مجموعة من التصورات والاستشرافات لمستقبل الأوضاع في ليبيا.
التكتلات العسكرية في البلاد:
يمكن الحديث اليوم عن قوتين أو تكتلين عسكريين يمثلان محور الصراع في ليبيا :التكتل الأول هو قوات الثوار المحسوبة على الثورة وهي المسيطرة الآن على الغرب والجنوب بما في ذلك العاصمة طرابلس بما تحمله من رمزية لسيادة البلاد ووحدتها. هذا التكتل يعتبر القوة العسكرية الأولى في البلاد سواء على مستوى العنصر البشري أو على مستوى العتاد العسكري. إلا أن السلبي في الأمر أن هذا التكتل وإن كان متحدا في ولائه لثورة فبراير ومبادئها إلا أنه تشقه عديد الخلافات لأسباب سياسية وجهوية، وهو ما جعله عاجزا عن فرض الأمن في البلاد وعن اجتراح حل سياسي ينتقل بها من حالة الفوضى الأمنية والسياسية إلى حالة الاستقرار عبر إدارة الدولة بحكومة قوية تمتلك ذراعا تنفيذيا وعسكريا يسيطر على كامل تراب القطر. والتكتل العسكري الثاني تمثّله القوات الموالية للجنرال المتقاعد خليفة بلقاسم حفتر. هذه القوات غير كبيرة في عددها وجزء مهم منها مرتزقة من حركة العدل والمساواة السودانية ومن التّبوالتشاديّين. اكتسب حفتر شعبيته الأخيرة عبر الدعم الإعلامي الكبير من قنوات محسوبة على دولتَي مصر والإمارات العربية المتحدة . ولولا دعم قوى اقليمية عربية بالمال والسلاح لما استطاع حفتر التمدد من الشرق نحو الهلال النفطي والسيطرة عليه وهو ما جعل منه معادلة مهمة يصعب تجاوزها في أي حل سياسي للمعضلة الليبية. إن عملية الكرامة التي يشرف عليها الجنرال حفتر، والتي يسوق نفسه من خلالها على كونه قائد الجيش الليبي المدعوم من البرلمان هي في الأصل مشروع أجنبي مدعوم من قوى دولية واقليمية لضرب كل قوى الثورة الطامحة إلى بناء ليبيا الجديدة المستقلة في قرارها السياسي والاقتصادي بعيدا عن أي هيمنة أجنبية. وهو ما لا يرضي عديد الأطراف الدولية الفاعلة التي تنظر إلى ليبيا كثروة نفطية وكمنطقة جاذبة للاستثمارات الكبرى إلى جانب موقعها الاستراتيجي المهم على الضفة الجنوبية للمتوسط.
كما يمكن الحديث في ليبيا عن بعض القوى العسكرية الأخرى مثل تكتل ورشفانة في الغرب الليبي قرب العاصمة طرابلس. وهو عبارة عن تكتل يمثل أنصار النظام السابق ويقوده العميد عمر تنتوش . هذا التكتل حاول حفتر أن يضمه إليه إلا أنه فشل في ذلك بعد جملة المصالحات في المنطقة الغربية التي أشرفت عليها مدينة مصراته. وأما في العاصمة طرابلس فإن هناك بعض الكتائب القوية غير محسوبة على أي من الطرفين الرئيسيين مثل قوة الردع الخاصة القريبة من التيار السلفي والتي تضم قيادات كانت تشتغل في جهاز الأمن الداخلي في نظام القذافي، إلى جانب كتيبة ثوار طرابلس التي يقودها هيثم التاجوري وهو رجل مشبوه وعلى علاقة ببعض أجهزة المخابرات حسب ما يؤكد بعض الخبراء الليبيين. هذه الكتائب تقدم نفسها كقوى تشرف على أمن العاصمة إلى جانب بقية كتائب الثوار الموزعة في طرابلس الكبرى وتريد أن تندمج في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي ستشرف على تشكيلها حكومة الوفاق الوطني.
والتكتل العسكري الآخر والمهم تكوّنه قوات مدينة “الزنتان” في جبل نفوسة. هذه القوات كانت موحدة إلى وقت قريب. إلا أن مجمل المتغيرات في المشهد العسكري جعل القسم الرئيسي من هذه القوات التي يشرف عليها رئيس المجلس العسكري السيد أسامة الجويلي تنحاز إلى معسكر فبراير بعد مفاوضات مع قوى الثورة في طرابلس ومصراته. وتعلن رفضها لمشروع عملية الكرامة الذي يريد عسكرة البلاد عبر مشروع أجنبي معاد لمبادئ ثورة فبراير . ويعتبر هذا التحول المهم في موقف مدينة الزنتان ضربة عنيفة جدا لمشروع عملية الكرامة في الغرب الليبي إذ أن ما تبقى مع حفتر من قوات الزنتان لا يمثل وزنا ذا معنى . أما في الجنوب الليبي، فإلى جانب القوة الثالثة المحسوبة على الثورة وعلى مدينة مصراته بالتحديد والتي تسيطر على مدينة سبها وعلى قاعدة ” تمنهنت” وعلى مطار ” براك الشاطي” توجد قوة العقيد محمد بنايل الموالي لعملية الكرامة. هذه القوة تضم عناصر من النظام السابق وعناصر من التّبوالتشاديين ومن مرتزقة حركة العدل المساواة السودانية. وقد حاولت هذه القوة مؤخّرا السيطرة على بعض المواقع الحيوية في مدينة سبها عاصمة الجنوب إلا أنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا بعد أن تم دعم القوة الثالثة بفيالق من قوات البنيان المرصوص التي غادرت سرت بعد تحريرها من الدواعش.والقوة الأخرى الموجودة في الجنوب هي قوة العميد “علي كنة” وهو من القيادات العسكرية المحسوبة على أنصار القذافي وتضم قوته عناصر من القبائل العربية في الجنوب وعناصر من الطوارق الليبيين وبعض من التبو. هذه القوة حاول حفتر أن يضمها إليه إلا أن العقيد علي كنه رفض ذلك رفضا مطلقا معتبرا أن حفتر رجل لا يؤتمن جانبه وأنه يسعى فقط للسيطرة على ليبيا. والمعلوم حسب خبراء ليبيين أن علي كنه تربطه بالجزائر علاقات متينة بل هناك من يعتبره رجل الجزائر القوي في الجنوب الليبي حيث الحدود الجزائرية الليبية الطويلة المحتاجة إلى مراقبة وتنسيق من الطرفين. هذه مجمل الخارطة العسكرية في ليبيا وواضح أن ميزان القوى مختل فيها لصالح قوى الثورة التي عجزت عن رسم استراتيجية عمل موحدة تفرض بها موقعها في البلاد بل يمكن القول أن حفتر تمدد وسط خلافاتها بعد أن سوق نفسه داخليا على كونه القائد المنقذ الذي يعمل على بناء مؤسستي الجيش والشرطة وخارجيا على كونه العسكري الذي نذر نفسه لمقاومة الإرهاب .
انعكاسات التوازنات العسكرية على الواقع السياسي:
المعلوم اليوم أن ليبيا بها ثلاث حكومات يحكمها توازن الضعف بالنظر إلى أن لكل حكومة ذراع عسكري ولكن ليس بقدرة أي ذراع حسم الأمور لصالحه.وتبقى حكومة السراج التي تحظى بالاعتراف الدولي محل رفض وقبول من أهم التشكيلات العسكرية في البلاد إلا أن النصر الذي حققته عملية البنيان المرصوص المحسوبة على حكومة الوفاق الوطني أكبر داعم لها للبقاء صامدة رغم حالة العجز التي تحكم أداءها خصوصا في الملف الاقتصادي وهو المقوم الأساسي لنجاح أي حكومة في أي بلد.إن حكومة السراج بوضعها الحالي عاجزة عن خلق التوافق المنشود بين الأطراف المتنازعة وهي تسعى الآن بدعم الأمم المتحدة إلى بناء مؤسسة الحرس الرئاسي كنواة أولى لمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وعرضت أن يكون أغلب عناصر الجهاز من قوات عملية البنيان المرصوص وذلك بتنسيق مع مدينة مصراته القوة العسكرية الضاربة في البلاد رغم أن مصراته ليست موحدة في موقفها من المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني. ومن جانب آخر نجد حكومة عبدالله الثني والبرلمان في الشرق ومن ورائهما حفتر وعملية الكرامة رافضين لمخرجات الصخيرات ولحكومة الوفاق الوطني على خلفية المادة الثامنة من الاتفاق السياسي التي جعلت حفتر خارج المشهد باعتباره شخصية جدلية ليست محل وفاق وطني. وهذا الموقف يحرج كثيرا فايز السراج الذي ليس بمقدوره في الظرف الحالي رفض حفتر أو فرضه في المشهد بالنظر لموازين القوى على الأرض. ومن جانب آخر نجد حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس والمسيطرة على عديد المواقع الحساسة والتي تستعد لتدشين مطار طرابلس في الأيام القريبة القادمة نجد هذه الحكومة رافضة لأي شكل من أشكال الانفتاح على حفتر أو التوافق معه وهي تشتغل الآن على مسار الحوار الليبي الليبي بعيدا عن أجندة الأمم المتحدة في محاولة منها لسحب البساط من تحت أقدام حكومة الوفاق الوطني التي تراها عاجزة على كل المستويات وهي التي بشرت في البداية بإخراج ليبيا من محنتها في أقل من سنة حسب وعود الأمم المتحدة.
وعلى المستوى الأمني، تعيش العاصمة طرابلس هذه الأيام حالة من الانفلات متمثلة أساسا في تضاعف حالات الخطف والقتل وفي بعض الأحيان الاقتتال بين مجموعات مسلحة. والثابت أن هذا الأمر ليس من فراغ وإنما وراءه أجهزة استخبارات تعمل بقوة لإثبات أن العاصمة غير آمنة وتحكمها الميليشيات المسلحة وتتفنن القنوات التابعة لحفتر في تغطية هذه الأحداث وفي تهويل الأمور وتبشر في الآن نفسه بقوة الجيش العربي الليبي الذي يقوده الجنرال حفتر والذي يستعد لدخول العاصمة طرابلس. ورغم أنه لا نية لحفتر في دخول طرابلس، لأنه لا يملك القوة لذلك، إلا أن هذه الدعاية تصب في مصلحته داخليا وخارجيا. فعلى مستوى الداخل مل المواطن من حالة الفوضى الأمنية، وهو يطلب الأمن بقطع النظر عن الجهة التي توفر له ذلك. وخارجيا يجعل العالم يلتفت أكثر لهذه الشخصية (أي حفتر) التي تبشر بالانضباط العسكري وبالمؤسسات الأمنية القوية القادرة على القضاء على ظاهرة الميليشيات المنتشرة في البلاد.
في ظل هذا الواقع تشتغل حكومة السراج وأدركت أنها عاجزة عن تنفيذ أجندتها وهو ما جعلها تلتجئ إلى القوى الدولية لتساعدها على اجتراح حل وفاقي يمكنها من بسط نفوذها ومن الأدوات الضرورية لإدارةالبلاد بما يعني ترحيل كل الملف إلى القوى الخارجية الفاعلة سواء على المستوى الإقليمي (كما سيأتي لاحقا) أو على المستوى الدولي.
الصراع الإقليمي حول الملف الليبي:
إن كل دول الجوار الليبي معنية بما يجري في هذا البلد، وتدخلها متفاوت من حيث الفاعلية سلبا أو إيجابا. إلا أن مصر تبقى الدولة الأكثر تدخلا في الشأن الليبي ليس على قاعدة المصلحة والمساواة بين أطراف النزاع وإنما هي منحازة بشكل مطلق لطرف بعينه وهو مشروع عملية الكرامة الذي يقوده الجنرال حفتر. وهي تسعى جاهدة رفقة الإمارات العربية المتحدة لفرضه كوزير للدفاع أو بالحد الأدنى قائدا عاما للجيش الليبي في حكومة الوفاق الوطني أو الاستقلال بإقليم برقة بما يحوي من ثروات نفطية تسعى مصر للسيطرة عليها. هذا التدخل المحموم جعل الجار الغربي القوي وهو الجزائر يأخذ الحذر من النفوذ المصري ويدخل بقوة على خارطة الصراع عبر التوغل الأمني في الجنوب والغرب الليبيين، ويفرض نفسه كطرف قوي معني بشكل مباشر بالصراع في ليبيا وبتصور الحل والمساهمة فيه بما يحفظ مصالحه وبما يحد من النفوذ المصري. وقد قطعت الجزائر مؤخرا شوطا مهما في هذا الاتجاه، وهي الآن قبلة لمختلف الفرقاء الليبيين. ومؤخرا زارها الجنرال حفتر الذي أراد القدوم بزيه العسكري، إلا أن السلطات الجزائرية رفضت ذلك واستقبلته باللباس المدني على اعتباره أحد الأطراف السياسية في ليبيا. وقد طلب الجنرال من الجزائر أن تعترف به كقائد عام للجيش الليبي إلا أن السلطات الجزائرية رفضت ذلك واشترطت عليه أن يكون جزءا من الحل بشروطها هي لا بشروطه. وقد عبر معسكر الكرامة عن خيبة أمله من الزيارة ومن موقف الجار الجزائري رغم أن الزيارة في حد ذاتها تعتبر اختراقا مهما لحفتر واعترافا به كطرف فاعل في ليبيا.وربما في الأيام القريبة القادمة نسمع بمبادرة جزائرية قد تحظى بقبول أغلب الأطراف في ليبيا وربما تكون المنطلق لحل شامل للأزمة الليبية.
القوى الكبرى وموقفها من الصراع الليبي:
الجميع يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية في ظل حكومة أوباما قد سلمت الملف الليبي لحلفائها الأوروبيين بقيادة إيطاليا. إلا أن هؤلاء الحلفاء، ونعني بهم أساسا إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لم يكن لهم موقف موحد من الأزمة الليبية وهو ما ساهم بشكل كبير في تأخر الحل وفي تعقيد الأوضاع ذلك أن كل دولة من هذه الدول لها أجهزتها الاستخبارية التي تشتغل في ليبيا ولها عرابين سياسيين ليبيين مع الأسف يرعون مصالحها. ويبقى الموقف الإيطالي الأكثر قربا من المصلحة الليبية ذلك أن الإيطاليين معنيّون أكثر من غيرهم بوحدة البلاد واستقرارها ومنفتحين على كل أطراف الصراع ومدركون جيدا لمختلف موازين القوى وتشاطرهم الولايات المتحدة هذا الموقف.
وبوصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض بقيادة الرجل الظاهرة ” دونالد ترامب” قد تتغير عديد المعطيات في التعاطي مع الملف الليبي. فهذا الرجل إلى حد الآن لم يعبر عن موقفه من الملف أو عن تصوره للحل وهو ما جعل أغلب المراقبين غير قادرين على بلورة تصور واضح لموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الأزمة الليبية. ولا حل للازمة الليبية في غياب الموقف الأمريكي خصوصا في ظل التمدد الروسي في سوريا. إن روسيا تبني الآن أكبر قاعدة عسكرية في العالم في ميناء طرطوس السوري وتسعى إلى التمدد غربا نحو مصر والشمال الإفريقي وتريد حشر نفسها في الملف الليبي، وهي تتواصل الآن مع حكومة الوفاق الوطني ومع خليفة حفتر الذي زارها في مناسبتين طلبا للسلاح. هذا المعطى يحرج كثيرا الولايات المتحدة التي تعتبر مصر والشمال الإفريقي مجالا حيويا لها ولحلفائها الأوروبيين. وبالتالي فإن الحل في ليبيا وإن كان سيساهم فيه الجاران القريبان إلا أنه لن يكون خارج إطار الرضى الأمريكي والروسي بشكل أو بآخر. ولكن هل سيقبل الفرقاء الليبيين أي حل يرضي الأطراف الدولية الفاعلة على حسابها ؟ هذا الأمر غير وارد مع الملف الليبي لأن الأطراف المتصارعة هي أطراف مسلحة وأي حل مفروض بالقوة سيجر البلاد إلى أنهار من الدماء. فما مستقبل الأوضاع في ليبيا وما السبيل إلى الحل بأقل التكاليف الممكنة خصوصا بعد بداية التعافي الاقتصادي مع ارتفاع الإنتاج النفطي الذي يبلغ الآن 650 ألف برميل بعد فتح صمام الرياينة إثر مفاوضات طويلة بين طرابلس ومصراته من جهة والزنتان من جهة أخرى . إن الأيام القادمة حبلى بالأحداث في ليبيا . فالأطراف الداخلية وخاصة قوى الثورة قد حزمت أمرها على تقليم أظافر الجنرال حفتر وإعادته إلى حجمه الطبيعي بعد قضائها على تنظيم داعش في سرت ولها استعدادات كبرى تتحفظ على الإفصاح عنها. فقد أدركت أن العالم سيتعامل مع الطرف القوي في البلاد خصوصا بعد أن أعلنت هذه القوى في المجمل عن مساندتها للحكومة المعترف بها دوليا وبعد أن أدرك العالم أنها هي من حررت البلاد من خطر الإرهاب. وبداية توريط حفتر إعلاميا قد انطلقت قبل المرور إلى الخطوة الموالية. فقد أعلن يوم 31/12/2016 العميد الغصري الناطق باسم غرفة عمليات البنيان المرصوص أن الدواعش في سرت قد تلقوا دعما من حفتر إثر خروجهم من درنة وتوجههم إلى سرت. وقد بثت الغرفة اعترافات لعشرة عناصر داعشية تم أسرها واعترفوا جميعا أنهم تلقوا دعما من حفتر وعموما يمكن القول أن سنة 2017 قد تكون سنة الحل في ليبيا لأن الجميع مل من القتال والتفرق وأن البلاد لن تستقر طالما أن هناك طرفا مُستقوِيا بالأطراف الخارجية ويريد فرض أجندته بالقوة وأن عملية جراحية قد تكون مكلفة أصبحت أمرا لا مفر منه لنزع السرطان الذي ينخر البلاد.
خاتمة :
إن تونس كبلد جوار معنية كثيرا بالمساهمة في حل المعضلة الليبية لما لذلك من انعكاسات عليها اقتصاديا وأمنيا وهي مطالبة بالتنسيق مع الشقيقة الجزائر التي تشاطرها تقريبا نفس الموقف من الملف الليبي. وهذا يجعل الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة تلتفت إلى الجارين الغربيين كطرفين معنيين بالحل في ليبيا وتنسق معهما. كما أن الفرقاء الليبيين سيعتبران الخطوة موقفا مشرفا لتونس وقد تتحول التجربة التونسية بموجب ذلك إلى مصدر إلهام لهم في البحث عن التوافق وفي الانتصار للوطن. كما أن تفعيل الدبلوماسية الشعبية من طرف حزب تونسي قوي منفتح على الملف الليبي وله علاقات ممتدة مع أغلب الفرقاء أصبح أمرا ضروريا. فالإخوة في ليبيا هم في حاجة لكل خطوة تساهم ولو بالقليل في حلحلة الأوضاع وأقدر أن حركة النهضة قادرة على لعب هذا الدور.
المهدي ثابت
المصدر: مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية