تحاليلتونس

طغت عليه السلبية والانشقاقات والعجز عن تقديم البدائل: المشهد الحزبي في تونس بين 2016 و2017

 

 

علي عبداللطيف اللافي

 

لم يتغير المشهد الحزبي كثيرا سنة 2016 وان جرت محاولات عدة لإعادة تشكيله، و عمليا تقلص عدد الأحزاب الناشطة (حوالي20 حزبا مقابل  أكثر من 50 حزبا سنة 2014 أصل 215 حزبا مقننا)، وقد مثل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أبرز الأحداث على الساحة السياسية حيث تغيرت بمقتضى ذلك التحالفات على مستوى السلطة والمعارضة، فما هي ملامح المشهد سنة 2016 وآفاقه المنتظرة سنة 2017؟

+ حركة النهضة :

            عرفت الحركة أحداث ومنعرجات هامة سنة 2016، حيث عقدت مؤتمرها العاشر والذي عرف نجاحا باهر سياسيا واعلاميا ومضمونيا، حيث أعلنت فصل الدعوي عن السياسي ورحلت الأول للمجتمع المدني ونجحت في توظيف اختلاف وتنوع المقاربات ولكن الحركة مازالت تعاني تبعات الاستقطاب الثنائي ونتاج عدم قدرتها على إدارة المعارك الإعلامية ……

وإن تقلص البعد الشعبي للحركة بحكم مواقفها السياسية من عدد من القضايا ومضيها في تجربة التوافق، فإنها لازالت قادرة على مجاراة نسق الأحداث والزلازل الإقليمية وارتدادتها على التيار الإسلامي،  بل أن الحركة أدارت باقتدار خلافاتها الداخلية ومختلف المقاربات حول عدد من الملفات الحارقة، ومثل حصول رئيس الحركة  على جائزة غاندي للسلام خطوة هامة ساهمت في اتساع رقعة علاقاتها الخارجية وادوارها في ملفات إقليمية على غرار الملف الليبي….

ولكن الحركة ستعرف صعوبات عديدة  مُنتظرة سنة 2017 في التعامل مع اطراف داخلية تصر بالدفع بها مجددا إلى مربعات الاستقطاب والصراع الأيديولوجي، إضافة الى صعوبة مجاراة  منظوريها المتسائلين عن مستقبلها ومستقبل الثورة إضافة الى التساؤل على قدرة العقل السياسي للحركة على فهم واستيعاب المتغيرات الاجتماعية وحسن قراءتها ….

+ حركة نداء تونس   :

تُعتبر سنة 2016 سنة مفصلية لحركة نداء تونس بل و سنة مخاض كبير وتطورات دراماتيكية على مستوى وحدتها التنظيمية و موقعها في الساحة السياسية  فقد فقدت جزء من قاعدتها الانتخابية نتاج خيار تواصل التحالف مع حركة النهضة  إضافة الى مغادرة قيادات عدة على غرار مجموعة مرزوق وتيار الطاهر بلحسين وآخرين، أما على مستوى الحكم  فقد تمكنت الحركة من الحصول على المنصب الاول في الحكومة عبر ترأس يوسف الشاهد للحكومة الجديدة المشكلة في أوت 2013، وبالرغم من ذلك فان النداء مازال يعيش التجاذبات والانقسامات بين مجموعة الإنقاذ بقيادة رضا بلحاج ومجموعة المدير التنفيذي ونجل الرئيس حافظ قائد السبسي، ولاتزال ارتدادات أخرى واردة بقوة رغم المُضي في عقد المؤتمر الانتخابي  وستكون سنة 2017 حاسمة لحركة سياسية تشكلت بسرعة وفي ظروف استثنائية لتعرف رجات كبرى تهدد بمستقبلها بل بوجودها الحزبي والتنظيمي …

+ حركة مشروع تونس:

قدم الحزب لمنظوريه في بداية تشكله في بداية سنة 2016 أي بعد الانشقاق على حزب نداء تونس، آمالا كثيرة ولكن تبين أن وعود مرزوق في تكوين حزب جماهيري قد تبددت بعد ابتعاد المسعودي والعكرمي وآخرين واستقالات متتالية والتحاق رموز نظام بن علي بقيادة الحزب لتعويض الفراغ الذي تركه بعض من غادر النداء مع مرزوق وتم انتقاد منطق التسيير الفردي ليبتعد آخرون بالاستقالة أو الإقالة على خرار بلحاج علي او بن احمد او جلاد او الحمروني وبلحاج حميدة وهو ما حدا بمرزوق الى فتح جبهات أخرى عبر الحديث عن تكوين جبهة سياسية لم تر النور في 2016.

وسيظل الحزب يتأرجح بين السلطة والمعارضة سنة 2017 بحثا عن موقعه، بل ومن المنتظر أن يجد الحزب نفسه أمام خيارات مؤلمة نتاج طموحات مرزوق المتسرعة وعدم قدرته على لعب دور المعارض المتأني …

+ حزب المبادرة:

فشل حزب المبادرة في تجميع الاطراف الدستورية خلال سنة 2016 وهو ما جعله يقبل بالتحاق بالأطراف المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية رغم مطالبه السابقة بحكومة انقاذ وطني وتحولت إهتمامات حزب المبادرة حول التحالفات خلال السنة المُنقضية الى الأحزاب الوسطية لا الدستورية فأجرت نقاشات مع الوطني الحر ثم مع مشروع تونس لكنها لم تنجح الى اليوم في اتمام اي منها، وسترتبط آفاق الحزب بمستقبل حزب النداء والحراك الجاري من أجل جمع شتات الدساترة والتجمعيين وطبيعة الرهانات المستقبلية في تونس…

+ آفاق تونس والوطني الحر :

تأرجح حضور الحزبين سنة 2016 بين التواجد القوي في حكومة الصيد الثانية وبين مغادرة الوطني الحر لاحقا والحضور غير الاختيار لآفاق تونس، و يبقى مستقبل حزبي آفاق تونس والاتحاد الوطني الحر رهين قدرتهما على التخلص من النخبوية و عدم الارتكاز فقط على المالي دون غيره، أما عن تحالفهما قيد الدرس والتخطيط مع حزب مشروع تونس فانه مفتوح على كل الخيارات…

+ تحالف الجبهة الشعبية وباقي أحزاب أقصى اليسار:

حافظ التحالف اليساري الموسوم باسم “الجبهة الشعبية”، على نفس الخطاب السياسي وبشكل من أشكال العمل الميداني  ولم تتخلص سنة 2016 من قيود منعتها من حضور قوي في الساحة السياسية، اذ حافظت على نفس التوجه وهو عدم خوض تحركات ميدانية مباشرة باسمها وحول أفكارها، أما أحزاب اقصى اليسار من خارج الجبهة الشعبية وان عقد بعضها مؤتمرا توحيدا سنة 2016 وبعد تخليها عن جبهة الميثاق عمليا فان تحالفها مع أطراف ليبرالية في اطار جبهة مرزوق سيجعلها في العراء السياسي وسط وضع إقليمي يتطور بعيدا عن مقولاتها التاريخية، وهو ما ينطبق على الجبهة الشعبية نتاج العقلية السلفية في النظر للتحالفات والتطورات الإقليمية ….

+ حراك تونس الإرادة:

لم يخرج حزب حراك تونس الارادة سنة 2016 عن المسار الذي اختاره والمتمثل في التقاء نخب سياسية ومناضلين وجمعيات حول الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي وأصبح فعل الحراك مناسباتيا وهو على الأرجح خيار مرحلي، وإن نجح الحزب في تقمص دور المعارضة الجدلية ونقد خيارات الائتلاف الحاكم فانه بقي غير منظم سياسيا رغم اتساع قواعده ممن لا يدينون بالولاء لا للنهضة ولا للنداء ولا للجبهة الشعبية وهو ما يؤهله للعب دور سنة 2017 ان عدل خياراته التنظيمية والسياسية ونجح في تكوين جبهة سياسية مغايرة مع بعض حلفائه مثل البناء الوطني ووفاء والمؤتمر وحركة وفاء وبعض الشخصيات المستقلة….

 + التيار الديمقراطي:

نجح التيار خلال سنة 2016 من التموقع سياسيا وكسب أنصار جدد نتاج تصلب موقف قياداته، وعقد الحزب  مؤتمره  كما حافظ على حركيته في البرلمان خاصة لكن لم يعمل على نقل ذلك النجاح الى العمل الميداني مما جعل حضوره اعلامياأكثر دون التأثير على أرض الواقع…

+ المهدي جمعة وبقية الشخصيات الطامحة لبعث أحزاب   :

مثلت سنة 2016 بالنسبة لرئيس الحكومة السابق او المنذر الزنايدي و آخرين سنة العمل في صمت حيث  اسس الأول مركز تونس البدائل كجمعية تتفرع عنها عدة لجان  بينما يواصل الثاني تحركاته وجمعه لبقايا الشباب الدستوري وخاصة القريبين منه عندما كان وزير ا للمخلوع، كما شهدت سنة 2016 كثافة في التحركات الدولية  للرجلين بل أنه تم اختيار الأول رئيسا للجنة في الامم المتحدة بالتوازي مع مادلين اولبرايت….

+ القوميون:

تكرست سنة 2016 مقولة أن “القوى القومية العربية في تونس بمختلف توجهاتها مازالت مُرتبكة في قراءة الوضع الراهن”، وهي أحزاب تخوض عمليا  نقاشات عديدة تنتهي دوما بدون نتيجة، إلا أن ما يربك القوميين باستمرار هو وضع أنفسهم في وضع تجاذب بين الإسلاميين واليساريين فباستثناء حركة الشعب وحركة البعث او بعض الحضور الإعلامي للبشير الصيد أو عمر الماجري أو أحمد الصديق أو حضور مبروك كرشيد كوجه قومي سابق في الحكومة الحالية، يكاد التونسيون قد نسوا الأحزاب القومية من مخيالهم السياسي، وستكون طبيعة التطوّرات الإقليمية مؤثرة على واقع وتطور التيار القومي خلال سنة 2017 وخاصة ما يحدث في سوريا وليبيا،  في هذا الاتجاه أو ذاك …

+ باقي أحزاب وسط  اليسار:

المقصود هنا بعض أحزاب وسطية ويسارية على غرار الحزب الجمهوري(بقيادة عصام الشابي) الذي واصل سنة 2016 التخبط في كل الاتجاهات و الذي دفع ثمن تغير مواقفه في كل المراحل التي أعقبت الثورة وحتى أثناء حكومة يوسف الشاهد  وهو ما جعله يكون من بين الأطراف المفرقعة منذ سنتين لمحاولة بناء الجبهة الديمقراطية الاجتماعية المكونة عمليا لأغلب أحزاب يسار الوسط (التكتل – التحالف الديمقراطي…)، وهي جبهة لم تعد موجودة موضوعيا بعد أن فشلت مرحليا في كسر الاستقطاب خاصة وأن الخلاف الرئيسي بين مكوناتها كان حول الورقة التنظيمية بل واشتد الخلاف داخل كل الأحزاب المكونة للجبهة عند التفكير في بعثها بل  و أدى إلى استقالات داخل بعض من أحزابها، أما حزب المسار فقد خفت نجمه مقارنة بباقي المكونات السياسية بعد عدم حصوله على أي مقعد ومشاركة أمينه العام في حكومة الشاهد، أما التكتل فهو يعيش مرحلة انتقالية وسط مصاعب ستعرفها عمليا كل الأحزاب الوسطية نتاج تبعات نتائج 26 أكتوبر 2014….

+ باقي أحزاب وسط  اليمين:

عمليا غابت |أحزاب يمين الوسط بشكل شبه كلي على النشاط السياسي والإعلامي غرار حزب المجد والآمان والعدل والتنمية والعدالة والتنمية بينما حلت أحزاب أخرى نفسها على غرار الإصلاح والتنمية، ولم يبقى عمليا سوى حزب تيار المحبة الذي تقلص حضوره في وجود نائبين له في البرلمان وحضور شعبوي لأمينه العام ومن المنتظر ان يعقد الحزب مؤتمره الأول في بداية مارس 2017 …

+ الخلاصة:

لم تشهد الخريطة الحزبية السياسية سنة 2016 استقرارا نهائيا ولا تطورا إيجابيا بل طغت عليها الانشقاقات والصراعات وغابن عنها المقترحات والمشاريع الجبهوية الناجحة، فكيف ستكون الخارطة السياسية سنة 2017 وهل ستشهد حراكا او تطورا مختلفا ونوعيا؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق