
شكلت جريمة اغتيال الشهيد محمد الزواري الذي كان ينتمي إلى حركة النهضة الإسلامية ،وأصبح ينشط لاحقًا مع حركة حماس بعد انتقاله إلى سوريا في سنة 1991، اختراقًا جديدًا لجهاز الموساد الصهيوني، الذي ضرب بقوة في مدينة صفاقس، وانتهك السيادة الوطنية التونسية، ومسّ بشكل قوي جهاز مكافحة التجسس التونسي الذي تلاشى بعد الثورة ، وإن كان قد أُعِيدَ بناؤه من جديد في سنة 2015.وكانت «كتائب عزالدين القسّام» نعت الشهيد محمد الزواري مُقرّة بدوره في تطوير وسائلها القتالية. واعتبرت «القسّام»، في بيان لها ، أنّ يد «الغدر الصهيونية الجبانة اغتالت القائد القسامي (يوم 15/12/2016) في مدينة صفاقس في الجمهورية التونسية طليعة الربيع العربي وحاضنة الثورة والمقاومة الفلسطينية».
أما في الجانب الصهيوني، فإنّ أغلب التعليقات و التلميحات من جانب المعلقين و الصحافيين المرتبطين بالأجهزة الأمنية و العسكرية تشير بوضوح إلى تورط جهاز الموساد الإسرائيلي في عملية الإغتيال. فقد اعتبر أحد المعلقين الإسرائيليين اغتيال الزواري في تونس، بأنه «تعميد نار» لرئيس الموساد الجديد يوسي كوهين، وآخر أشار إلى أن إسرائيل أرادت إيصال رسالة ردعية، وأنها تركت بصماتها على بعد آلاف الكيلومترات. وعموماً يُبيّن الاغتيال مقدار الخطر الذي تُمثّله الطائرات من دون طيار الذي يعتبر الشهيد الزواري بين مطوّريها لمصلحة «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس).
و تشبه عملية اغتيال الشهيد محمد الزواري عملية اغتيال القيادي الثاني في حركة «فتح »خليل الوزير «أبو الجهاد» في تونس يوم 16 أبريل سنة 1988من حيث التخطيط وأسلوب التنفيذ ،وذلك من خلال استعمال سيارات معدة للإيجار،والمسدسات الكاتمة للصوت، وكذلك من خلال استعمال جوازات سفر مزيفة (هي جوازات صحيحة ولكن تم أخذها من أصحابها الحقيقيين)، خاصة أنه في اغتيال الزواري تم استعمال جوازات سفر بلجيكية وألمانية وسويسرية، أما في حالة أبو الجهاد تم استعمال جوازات سفر لبنانية.
ففي حالتي اغتيال القائد أبوجهاد،و اغتيال رئيس جهاز الأمن الفلسطيني ، القائد أبو إياد في تونس سنة 1991، حصل ذلك في زمن القبضة الحديدية لنظام بن علي، وحصل لشخصيتين كانت تحظيان بحراسة أمنية تونسية و فلسطينية مشددة،وتمكنت فرقة كوموندوس تابعة لجهاز الموساد من اغتيال أبوجهاد،ثم غادرت الأراضي التونسية من دون أن يتم إيقاف أي شخص منها. أما في عملية اغتيال أبو إياد، فقد كان جهاز الموساد هو المخطط، والتنفيذ حصل بأيادي فلسطينية تنتمي إلى تنظيم أبونضال.
على نقيض موقف الحكومة التونسية التي أعلنت عن اغتيال المهندس الزواري من دون أن تُوجّه رسميًااتهامات لأحد، تكشف ردود أفعال مكونات المجتمع المدني التونسي ، من أحزاب سياسية في المعارضة، و الاتحاد العام التونسي للشغل ، وهيئات إعلامية :«الهايكا» ونقابة الصحفيين التونسيين، أنها جميعا تعتبر ما حصل «جريمة إرهاب دولة» مارسته سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد تونس بما يتناقض مع القانون الدولي والمبادئ الكونية.
و ينظر الخبراء في عالم الاستخبارات أن هناك اختراقًا أمنيًا من جانب جهاز الموساد للأراضي التونسية، وله أعوان في الداخل التونسي، هو ما يحتم إعادة بناء جهاز استخباراتي تونسي قوي ، لكن مسألة البناء هذه ستكون مرتبطة أشد الارتباط بإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية ، لا بإعادة سطوة الدولة البوليسية،و بخدمة الأمن الوطني التونسي وفقًا لمعايير قيم الجمهورية، وفي ارتباطه الصميمي بخدمة الأمن القومي العربي.
وهذا يقتضي من الدولة التونسية ، تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ،باعتباره يمثل تيارًا غالبًا لدى الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني،وإصدار البرلمان التونسي قانون جديد في هذا الصدد، بوصفه الحد الأدنى من الرّد الشعبي و الرسمي الوطني على العدوان الصهيوني، وكذلك محاربة النشاط الصهيوني في تونس الذي ازداد تغلغلاً بعد سنة 2011، حيث أكد مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية «يافا» أن عدد المتعاملين من التونسيين مع أجهزة الاستخبارات الصهيونية يصل إلى ثلاث مائة عميل، فيما قدر كريم عمار رئيس المركز الأمريكي لمكافحة الارهاب عدد المتعاملين مع تنظيم «داعش» في تونس بألف عنصر مكلفين برصد تحركات قوات الأمن التونسي وباقي الوحدات العسكرية وتحديد المواقع العسكرية والأمنية وأسماء القادة الأمنيين والعسكريين والنشطاء السياسيين المعادين للدعوة الاسلامية حسب تقييماتهم ولا يشمل هذا الرقم عدد المناصرين لهذا التنظيم.
توفيق المديني