
الملازم أول أسامة مبروك : (رئيس مصلحة الإعلام والاتصال بالإدارة العامة للحرس الوطني)
نظم معهد التنوع الإعلامي والمركز الافريقي لتدريب الصحفيين مؤخرا بنزل البلفيدير ورشة عمل حول ”الإعلام والإرهاب“ وذلك بمشاركة ممثلين عن المؤسستين الأمنية والعسكرية، وخبراء من انقلترا وممثلين عن المجتمع المدني ووسائل الاعلام، وقد قدم أثناءها الملازم أول أسامة مبروك رئيس مصلحة الإعلام والاتصال بالإدارة العامة للحرس الوطني مداخلة قيمة تحت عنوان“الضوابط الإعلامية المقترحة في تغطية العمليات الإرهابية“نورد اهم ما جاء فيها:
”أصبحت التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية موضع قلق الرأي العام والجهات الرسمية المعنية بمكافحة الإرهاب وإحتدم النقاش حول السياسات الإعلامية الواجب إتباعها في تغطية العمليات الإرهابية، وظهرت توجهات مختلفة، فمنها من نادى بالحظر التام على العمليات الإرهابية وعدم نشر أي منها، ومنها من دعا إلى التعامل معها كأي حدث آخر وثمة من دعا إلى موقف وسطي يتمثل في تقديم تغطية مسؤولة متوازنة.
ويعكس النقاش المحتدم حول التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية القلق من ناحيتين الأول هو إنزلاق التغطية الإعلامية لهذه العمليات دون وعي غالبا، بإتجاه خدمة الإرهاب وتحقيق أهداف الإرهابيين، وثانيا سيطرة معايير الإعلام الرسمي وتقديم تغطية إعلامية جامدة غير فاعلة تخدم ولو بطريقة غير مباشرة وغير واعية أهداف الإرهابيين.
(لقد عرفت تونس قبل الثورة حدثين إرهابيين تفجير معبد الغريبة سنة2002 وأحداث سليمان سنة 2006 (وقد أقرّ جميع الملاحظين أن ما تغيّر بالفعل مقارنة بالأحداث الإرهابية بعد الثورة هو التعاطي الإعلامي لهذه الأحداث، حيث تم الانتقال من التعتيم الشامل إلى التغطية الشاملة، مما افرز جملة من الإشكاليات الحقيقية في مواجهة ظاهرة الإرهاب في مجتمع تونسي جديد يمر بفترة انتقال ديمقراطي.
فعقب كل عمل إرهابي تحدث ضجة إعلامية وتختلف الآراء والتقييمات بين مساند لما يقدم من مادة إعلامية تسعى إلى رصد الأحداث وتحليلها وبين من يعتبرها الأكسجين اللازم للإرهاب الذي لايستطيع الاستغناء عنه حيث أكدت الدراسات والبحوث حول ظاهرة الإرهاب أن التغطية الإعلامية لهذه الظاهرة تخدم بطريقة موازية هدف الإرهابيين في تحقيق الإشهار الإعلامي لعملياتهم وأن الحركات الإرهابية تعتبر مدى نجاح تغطية وسائل الإعلام لجرائمها مقياسا هاما لفعلها الإرهابي.
وبالعودة قليلا إلى بعض الأحداث الإرهابية بعد الثورة(الشعانبي، سيدي علي بن عون، الوردية، قبلاط وغيرها من الأحداث) ونتأمل كيفية تعاطي أغلب وسائل الإعلام معها سنلاحظ أن هذه التغطية الإعلامية ساهمت بطريقة عفوية في خدمة أجندة الحركات الإرهابية وتسويق الرعب والخوف بين المواطنين بعد أن وصلت بعض هذه الوسائل إلى حدّ التشكيك في نجاعة المؤسستين الأمنية والعسكرية في مقاومة هذه الظاهرة .
في ضوء ذلك برزت الحاجة إلى البحث عن ضوابط نشر خاصة بالتغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية بعد أن بات مؤكدا أن ضوابط النشر العامة المتعلقة بالجريمة والإنحراف ليست كافية بسبب خصوصية العملية الإرهابية كجريمة مميزة ومختلفة عن الجريمة العادية، على أن تستجيب هذه الضوابط لخصوصية العملية الإرهابية كجريمة لها طبيعة خاصة من ناحية ولخصوصية العمل الإعلامي في تقديم مادة موضوعية ومتوازنة من ناحية أخرى.
ولتحديد هذه الضوابط تقتضي الضرورة أولا التطرق إلى خصائص وأهداف العمليات الإرهابية التي تختلف عن الجرائم العادية.
خصائص العمليات الإرهابية:
يختلف الإرهاب عن الإجرام العادي، كما يختلف عن الإجرام السياسي والإجرام المنظم، وهذا ما يفسر بالتالي إختلاف العملية الإرهابية عن الجريمة العادية أو السياسية أو المنظمة، ويدّعي الإرهابيون أنهم يعملون من أجل قضية عامة، سياسية كانت او إجتماعية او دينية ويزعمون أن هذه القضية تمثل أهداف الناس وقيمهم ومصالحهم.
وأهم ما يميز العملية الإرهابية عن غيرها من الجرائم:
عملية لا تستهدف أساسا قتل الأمنيين أو العسكريين أو المدنيين بل إيجاد حالة من القلق والذعر والإضطراب.
عملية تهدف إلى إعطاء إنطباع بقوة الإرهابيين وضعف السلطة والمؤسسة الأمنية، ولذلك تتم أغلب العمليات الإرهابية في وضح النهار وضد الأمنيين والعسكريين اساسا، وتهدف بذلك إلى إعطاء إنطباع بأن الإرهابيين قادرون على تحدي السلطة وأنهم غير خاضعين للسيطرة الأمنية، وأنهم قادرون على تنفيذ أية عملية في أي وقت وفي أي مكان.
رمزية العملية الإرهابية:
يحرص الإرهابيون على التركيز على الطابع الرمزي لعملياتهم، فالنتيجة النهائية بالنسبة للحدث الإجرامي العادي هي تحقيق الهدف او الغرض من الجريمة، أما الجريمة الإرهابية فإن النتيجة المرغوب تحقيقها منها تتعدى الغرض المباشر وتصل إلى الدلالات الرمزية للعملية نفسها ومغزاها.
تهدف العملية الإرهابية إلى إحداث أكبر تأثير ممكن فيما يتعلق بتحقيق غاياتها بصرف النظر عن حجم الأذى أو الضرر الناتج عن العملية، وذلك بعكس الجريمة العادية التي يسعى المجرم فيها إلى بلوغ هدفه مع إحداث أقل قدر من الأذى والضرر.
تستهدف العملية الإرهابية أساسا الوصول إلى عقل وقلب الجماهير وهي موجهة أساسا إلى الأنفس والعقول وليس ضد الأجساد (الأمنيين والعسكريين خاصة) وهي تهدف اساسا إلى إشاعة الذعر بين المواطنين.
يشكل الوصول إلى المواطنين الهدف الرئيسي للعملية الإرهابية، وهو ما يفسر أهمية الإعلام بالنسبة للإرهابيين.
قد تعطي العمليات الإرهابية إنطباعا بأنها عشوائية وخاصة فيما يتعلق بإختيار المكان والزمان والأشخاص والضحايا، ويرى البعض أن هذه العشوائية قد تكون مقصودة لكي تعطي إنطباعا بأن كل إنسان سواء من مدنيين أو أمنيين وعسكريين وفي كل زمان ومكان يمكن أن يكون ضحية للإرهاب، وهذا ما يعطي لمفهوم التهديد أثرا عميقا وفعلا منتجا للرعب، وهذا بالضبط ما يريد الإرهابيون تحقيقه، ولكن هناك من يرفض مفهوم عشوائية العمليات الإرهابية ويرى أنها مقصودة وتحرص غالبا على إختيار الأوقات والأماكن والشخصيات والأساليب بشكل متعمد ومدروس.
تتميز العملية الإرهابية بقدر كبير من الإثارة والجاذبية والتشويق وهذا ما يفسر إندفاع وسائل الإعلام لتغطيتها وإندفاع مختلف الشرائح الاجتماعية لمتابعتها بإعتبارها تمثل قمة الإثارة بما تحمله من مفاجأة ومغامرة وتشويق وترقب…
أهداف العمليات الإرهابية:
في ضوء الخصائص السابقة المميزة للعمليات الإرهابية، يمكن تحديد أبرز الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها هذه العمليات كما يلي :
أ – إشاعة حالة من القلق والذعر وعدم الإستقرار وإشاعة الإضطراب وفقدان الإحساس بالأمن.
ب- إظهار عجز النظام عن المواجهة، والمس من هيبة السلطة وإظهار عجزها عن حماية أرواح مواطنيها وخاصة أمنييها وعسكرييها، الأمر الذي يفقدها ثقة المواطن.
ج - إظهار إرتباك الوحدات الأمنية وفشلها وعجزها عن مكافحة الإرهاب وإيقاف العمليات الإرهابية.
د - دفع الجماهير (المواطنين) بإتجاه عدم التعاون مع الوحدات الأمنية.
هـ - إظهار الدولة بمظهر الدولة الأمنية البوليسية، وذلك من خلال إرغامها على تبني سياسة أمنية متشددة وإتخاذ إجراءات وتدابير أمنية من شأنها أن تقيد حركة الناس وحرياتهم، ثم إستغلال ذلك كله وتوظيفه لصالح الإرهابيين.
الإرهاب والإعلام:
تؤكد القراءة المتعمقة لخصائص العمليات الإرهابية وللأهداف التي يسعى الإرهابيون إلى تحقيقها من خلال هذه العمليات مدى أهمية الإعلام بالنسبة للإرهابيين.
إن الهدف الأساسي من العمليات الإرهابية هو آثارها النفسية والسياسية، لذلك يعتقد الإرهابيون أنهم يخوضون حربا نفسية بكل معنى الكلمة ومن ذلك يصبح الهدف الرئيسي للعملية الإرهابية الوصول إلى الجماهير الواسعة بأسرع وقت ممكن وبأكثف تدفق ممكن، وذلك من أجل إيصال رسائل تتضمن أفكار ومبادئ وقيم الإرهابيين.
إن ما يميز الإرهابي عن المجرم العادي هو أن الثاني يحاول دائما التستر على جريمته وإخفاءها وطمس معالم وأدلة الجريمة في أغلب الأحيان في حين أن الاول يسعى جاهدا لكشف جريمته والإعلان عنها بأكثر الطرق سرعة وإنتشارا، إن أكثر ما يزعج الإرهابيين هو عدم إذاعة عملياتهم، وبالتالي عدم وصولها إلى الرأي العام، الأمر الذي يعرقل تحقيق أهداف عملياتهم.
من المهم جدا ملاحظة أن الإرهابيين يريدون أن يبقوا دائما على قائمة إهتمام وسائل الإعلام، ولذلك فهم يتعمدون القيام بعمليات إرهابية خلال فترات زمنية محسوبة بدقة تضمن بقاءهم في مركز الأحداث، ومركز إهتمام وسائل الإعلام والرأي العام.
التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية:
تقوم محاولتنا لتحديد ضوابط التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية التي نراها مناسبة لطبيعة الموضوع والهدف المتوخى تحقيقه من هذه التغطية على الأسس التالية:
1- المفهوم الشامل للأمن.
2- الأمن مسؤولية الجميع، بمعنى أن وزارة الداخلية غير مطالبة، على أن تكون الجهة الوحيدة المعنية بمواجهة الظاهرة الإرهابية بل يكون ذلك بمشاركة مختلف الجهات الرسمية والمدنية (إجتماعية، تربوية، تعليمية، دينية،إعلامية …).
3- تفرض مواجهة الظاهرة الإرهابية المشاركة الحقيقية الفاعلة للجماهير، وهذا ما يتطلب سد الفجوة القائمة بين الجماهير والمؤسسة الأمنية وإرساء علاقة يسودها الإحترام المتبادل بينهما وهنا تلعب وسائل الإعلام بجميع أشكالها إحدى أهم الوسائل القادرة على إنجاز هذه المهمة.
4- يجب أن تضم الضوابط الإعلامية لتغطية العملية الإرهابية قيام وسائل الإعلام بدورها في مكافحة الإرهاب وعدم استغلال الإرهابيين لها لتحقيق
أهدافهم.
5- الإنطلاق من الإستراتيجية الإعلامية للإرهابيين ومن الأهداف التي يسعون لتحقيقها من خلال وسائل الإعلام،ووضع الضوابط الكفيلة بإفشال هذه الإستراتيجية وتلك الأهداف.
الضوابط الإعلامية المقترحة في تغطية العمليات الإرهابية:
التغطية الإعلامية المنهجية للعمليات الإرهابية:
يجب على وسائل الإعلام تبني منهجية علمية عند تغطيتها للظاهرة الإرهابية، قصد إيجاد فرد ومجتمع واع بالظاهرة الإرهابية ومحصنين ضد التأثر بالفكر الإرهابي وإيجابيين في التعاون مع الأجهزة المعنية بمكافحة الظاهرة الإرهابية.
يمكن الإعتماد على مرحلتين :
1- المرحلة الوقائية :
تهدف هذه المرحلة إلى مواجهة معطيات البيئة ( الإجتماعية، الإقتصادية، السياسية، الفكرية، النفسية، الدينية، الأمنية..إلخ) التي أنتجت الإرهاب والهدف هو السعي إلى إحداث تغييرات جذرية في مختلف المجالات من أجل تجفيف منابع الإرهاب ومعالجة أسبابه ودوافعه وهذه عملية معقدة وبحاجة إلى وقت طويل وإلى مشاركة فعالة من مختلف الجهات المعنية.
وتتمثل الوظيفة الأساسية لوسائل الإعلام في هذه المرحلة في نشر وتثبيت وترسيخ ثقافة أمنية معادية للإرهاب والإرهابيين وذلك من خلال:
تقديم وقائع ومعلومات وبيانات دقيقة وصحيحة عن الجوانب المختلفة للظاهرة الإرهابية ومحاولة إيجاد نسق معرفي متماسك لدى الفرد والمجتمع إزاء الظاهرة الإرهابية.
تقديم تفسير وتحليل شامل وعميق للجوانب المختلفة من الظاهرة الإرهابية من شأنها أن تلقي الضوء على حجم الظاهرة وتحليل أسبابها، وبيان دوافعها،وتوضح آثارها على المجتمع والبحث عن حلول لمواجهتها ويكون التقديم وفق منهجية تؤدي بعد فترة إلى تكوين نسق فكري لدى الفرد والمجتمع بما يضمن الفهم العميق والشامل للظاهرة الإرهابية.
تقديم أعمال ومواد إعلامية تساهم في ترسيخ قيم معينة لدى الفرد والمجتمع مناقضة لقيم الإرهاب والإرهابيين وتضمن بعد فترة إيجاد نسق قيمي متمثل في مجموعة من القيم التي تحصن الفرد والمجتمع ضد الإرهاب.
2 –مرحلة الضبط والقمع والمواجهة الميدانية :
تبدأ هذه المرحلة بعد حدوث العملية الإرهابية وتهدف إلى مواجهة الإرهابيين ميدانيا ومنعهم من تحقيق أهدافهم وإلحاق أكبر الأضرار بهم وإظهار قوة المؤسسة الأمنية على مواجهتهم.
تحديد سياسة نشر خاصة :
أمام إستحالة صياغة نموذج موحد لتعامل جميع وسائل الإعلام مع ظاهرة الإرهاب، فإنه من الواجب أن تكون هذه السياسة مناسبة للظروف الخاصة للبلد وللطبيعة الخاصة للظاهرة الإرهابية في بلادنا وللخصائص المميزة للعملية الإرهابية وللوسيلة الإعلامية التي تقوم بالتغطية.
حيث أنه على كل وسيلة إعلامية أن تبحث على سياسة نشر خاصة تتلاءم مع سياستها التحريرية ولكن شرط أن تمارس ذلك كله مع الوعي التام بضرورة عدم إعطاء الحق للإرهابيين فرصة تحقيق أهدافهم والإلتزام بالمصلحة العامة وبالتالي فإنه من الضروري إيجاد ميثاق أو مدونة سلوك متفق عليها بين المؤسستين الأمنية والعسكرية من ناحية وبين وسائل الإعلام من ناحية أخرى في كيفية تغطية الأحداث الإرهابية.
تقديم تغطية تقوم على أساس الإستراتيجية الإعلامية للإرهابيين وتعاكسها في الإتجاه والأهداف :
الإرهاب حرب نفسية بكل معنى الكلمة والإرهاب وسيلة وليست غاية، والهدف من العملية الإرهابية ليس مجرد القتل وإنما الوصول إلى الناس من خلال وسائل الإعلام، ولذلك نرى أن أحد أهم ضوابط النشر المتعلقة بتغطية العمليات الإرهابية يتمثل في أن يفكر الإعلاميون تماما مثلما يفكر الإرهابيون وأن يبنوا تغطيتهم على أساس الإستراتيجية الإعلامية للإرهابيين، بمعنى أن يركزوا إنتباههم على الغاية وليس الوسيلة، وهذه مهمة صعبة نظرا لأن أهداف الإرهابيين من عملياتهم قد تكون غير واضحة تماما ولا تدل عليها العمليات دلالة مباشرة، ولذلك يجب أن يكون الإعلام قادرا على رؤية الهدف غير الظاهر وراء العمليات الإرهابية، التي قد تبدو أحيانا عشوائية وليس لديها معنى.
يدرك الإرهابيون أهمية عملياتهم بالنسبة إلى وسائل الإعلام وبالنسبة للجمهور، كما يدركون رغبة وسائل الإعلام واندفاعها لتغطية العمليات الإرهابية وهذا ما يضعهم أحيانا في موضع الطرف القوي الذي يستطيع أن يملي شروطه وخاصة على وسائل الإعلام الباحثة عن السبق الصحفي، الأمر الذي يمكن الإرهابيين ليس فقط من الوصول إلى أكثر عدد ممكن من الجماهير من خلال وسائل الإعلام عبر التغطية المكثفة لعملياتهم، بل ولتحديد مضامين هذه التغطية وبالتالي إيصال رؤيتهم وأفكارهم وشروطهم وقيمهم إلى أكثر عدد ممكن من الجماهير.
هناك صراع خفي بين الإعلاميين والإرهابيين حول السيطرة على التغطية وتوجيهها، وتشكل مسالة تحقيق السيطرة الكاملة على تغطية العمليات الإرهابية واحداة من ضوابط النشر الهامة التي يجب التقيد بها، حتى لو تم ذلك أحيانا على حساب بعض الإعتبارات المهنية.
عدم الخضوع للخصائص الذاتية للعملية الإرهابية:
تمتلك العملية الإرهابية كحدث ومن منظور إعلامي، قوة ذاتية تدفع الجماهير للإهتمام بها، كما تدفع بالتالي وسائل الإعلام للإنجذاب إليها وغطيتها، والعملية الإرهابية هي من منظور إعلامي دراما كاملة، دراما تتضمن جميع العناصر الدرامية الضرورية: الموضوع والمكان والزمان والقصة والشخصيات والصراع والمفاجأة والتشويق، ولذلك فإن العملية الإرهابية هي الخبر الهام الذي يمتلك جميع المقومات الأساسية للخبر الصحفي المثالي مثل الضخامة، الآنية، النتائج…
وهذا ما يجعل العملية الإرهابية حدثا إعلاميا بامتياز، وبما أن القوة الذاتية للحدث الإرهابي حقيقة موضوعية لا يمكن إنكارها ومن الخطأ تجاهلها فإنه من الضروري الوعي والإدراك بضرورة تقديم تغطية إعلامية تتوافق مع الاستراتيجية الإعلامية العامة لمكافحة الإرهاب بما يحول دون تحقيق الإرهابيين لأهدافهم وذلك في السماح للخصائص الذاتية للعملية الإرهابية بما فيها من إثارة وجاذبية أن توجه التغطية الإعلامية لصالح الإرهابيين وتتجاهل الأبعاد السياسية والفكرية والإنسانية.
عدم إظهار الإرهابي مناضلا سياسيا أو بطلا مكافحا:
ليس الإرهاب عملا سياسيا، وليست العملية الإرهابية جريمة سياسية، وبالتالي ليس الإرهابي مناضلا سياسيا، ولذلك فإن من ضوابط النشر عند التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية هي الحرص على إبراز الطابع الخاص والمميز للإرهاب، وعدم تقديم الإرهابي كمناضل سياسي أو كبطل مكافح في سبيل قضية.
يحدث هذا الخطأ عموما عندما يرضخ الإعلاميون لإملاءاتها الإرهابيين وينشرون بياناتهم وتصريحاتهم التي تحمل أفكارهم وشروطهم وقيمهم ، والتي يقدمون فيها أنفسهم كأصحاب حق يدافعون عن قيم وقضايا ومصالح عامة ويشعرون بالتفوق والميز لأنهم يدافعون عنقضية عامة وليس عن قضية شخصية، إن من شأن هذا الخطأ أن يؤدي إلى تقديم صورة للإرهاب وللإرهابيين غير واقعية، كما أن من شأنه أن يدفع شرائح واسعة من الجمهور للتعاطف مع الإرهابيين.
عدم تقديم تغطية إعلامية من شأنها إعطاء انطباع بضعف النظام:
يسعى الإرهابيون إلى زعزعة النظام وتأكيد عدم استقراره وإظهار ضعفه وعجزه عن المواجهة، لذلك ومهما نجح الإرهابيون في تحيّن الفرص واستغلال بعض الثغرات للقيام بعمليات إرهابية ناجحة ومؤثرة، فيجب الحرص في التغطية الإعلامية لهذه العمليات على تأكيد حقيقة أن النظام سوف يستطيع مجابهة الإرهاب، ومن المؤكد أنه سينجح على المدى البعيد في توجيه ضربات قوية للإرهابيين والقضاء عليهم وهزيمتهم.
ولا يعني ذلك إطلاقا تقديم تغطية غير واقعية للعملية الإرهابية، بقدر ما يعني التعامل مع العملية الإرهابية إعلاميا دون إغفال جوانب القوة والضعف عند كل من الإرهابيين والمؤسسات المعنية بالتصدي لهم ودون أن يعني أيضا الإندفاع باتجاه إخفاء الحقائق أو تشويهها، بل تقديم تغطية شفافة ودقيقة وموضوعية قادرة على اعتماد الواقع والتحليل الملموس والتفسير المقنع.
عدم تقديم تغطية إعلامية يمكن أن تعطي انطباعا عاما بتعثر المؤسسة الأمنية:
إن التأكيد على حقيقة عدم قدرة أية مؤسسة أمنية في العالم على أن تواجه الإرهاب مواجهة شاملة وتامة بسبب الطابع الخاص والمتميز للجرائم الإرهابية لا يعني أبدا فشل هذه المؤسسات الأمنية في عملية المجابهة، بقدر ما يعني الإستفادة من العمليات الإرهابية لاستخلاص الدروس والعبر للإستفادة منها في الصراع مع الإرهاب، كما أنه لا يعني أيضا عدم توجيه النقد إلى هذه المؤسسة الأمنية بسبب هذا السلوك أو ذاك، أو جراء هذا الإجراء أو ذاك، ولكن الشرط أن يصب هذا النقد في خدمة المصلحة العامة المتمثلة في مكافحة الإرهاب ولذلكيجب أن يترصد الإعلاميون أخطاء بعض رجال الأمن، وفي الوقت ذاته يجب على المؤسسة الأمنية ألا يضيق صدرها بهذا النقد الإيجابي البناء، بل يجب أن تستمع إليه وتستفيد منه، وذلك انطلاقا من أن المؤسسة الأمنية والإعلامية ليس طرفين منفصلين في الصراع المحتدم ضد الإرهاب بل هما طرف واحد في معركة واحدة.
إن واحدا من الأهداف الإعلامية البارزة للإرهابيين والذي يجب منعهم من تحقيقه هو محاولة إعطاء إنطباع بعجز الوحدات الأمنية وفشلها في التصدي لهم، وتحكيم الروح المعنوية لعناصر هذه المؤسسة الأمنية أو العسكرية وعزلها عن الجماهير.
عدم تقديم تغطية تؤدي إلى تحييد الجمهور أو إلى تعاطفه مع الإرهابيين:
يستغل الإرهابيون عملياتهم الإرهابية من أجل الاتصال بوسائل الإعلام والاستفادة من خدماتها للوصول إلى الجمهور وتقديم رسائل إعلامية تتضمن أفكارهم ومبادءهم وقيمهم، إن الهدف الاستراتيجي للإرهابيين هو تحيين الجمهور أولا وعزله عن النظام وعن المؤسسة الأمنية ومن ثم دفعه للتعاطف مع قضيتهم، مما يقوي موقفهم في الصراع ضد السلطة والمؤسسة الأمنية كما يوفر المناخ المناسب لتجنيد عناصر جديدة إلى صفوفهم من جهة ثانية ويسعى الإرهابيون دائما إلى الظهور بمظهر المدافع الحقيقي عن مصالح الجماهير والمتبني الكامل لمطالبها والقوة الوحيدة القادرة على تحقيق هذه المطالب وخدمة هذه المصالح.
في ضوء ما تقدم يجب على وسائل الإعلام أن تنتبه إلى هذه الاستراتيجية الإرهابية وأن تقدم تغطية إعلامية للعمليات الإرهابية على أساس الاستراتيجية الإعلامية للإرهابيين وقادرة على إفشال مخطط الإرهابيين ونرى أن المهمة الأساسية لوسائل الإعلام في هذه المرحلة تكمن في تقديم تغطية موضوعية وصادقة وشفافة تعطي الجمهور صورة واضحة ودقيقة عن حقيقة ما يجري وتعمل على أن يشعر الجمهور بخطر هذه العمليات وآثارها المدمرة، ولكن دون أن يصاب بالهلع والذعر وبحيث يشعر بمقدرة السلطة والوحدات الأمنية على مواجهة الإرهابيين.
عدم الوقوع في فخي التهويل:
يتمثل أحد أهم ضوابط النشر في التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية في تقديم تغطية دقيقة وشفافة ومتوازنة ومقنعة من شأنها أن تسهم في نشر وترسيخ وعي أمني معاد للإرهاب والإرهابيين، ويجب على وسائل الإعلام عدم المبالغة في الحديث عن الأخطار التي تخلفها هذه العمليات الإرهابية وشراستها وآثارها المدمرة، لأن تقديم هذه العمليات بشكل مبالغ فيه قد يصيب شرائح واسعة من الناس بالذعر إلى حد الاعتقاد أنه لا يمكن مواجهة هذا الخطر.
كذلك فإن المبالغة في التهوين من خلال تقديم العمليات الإرهابية وكأنها أحداث عادية لا وزن لها ولا تأثير وأن الوحدات الأمنية قادرة على القضاء عليها خلال فترة زمنية قصيرة، يدفع الناس إلى الاستخفاف بالعمل الإرهابي وعدم الإندفاع في بعض الأحيان إلى دعم المجهودات الأمنية المبذولة لمكافحته، وعندما يؤكد الواقع مدى تناقض هذه التغطية مع حقيقة مخلفات هذه العمليات سوف يشعر الجمهور بأنه خدع وسوف يتخذ موقفا سلبيا ليس فقط تجاه وسائل الإعلام التي فقدت مصداقيتها حينذاك بل ضد المؤسسة الأمنية وضد النظام ككل.
أهمية تقديم ما يسمى بالإعلام المضاد:
إن أحد أهم الضوابط التي نراها ضرورية في التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية هو أن تحرص وسائل الإعلام على أن لا تبقى في موقف السلبي المتلقي وبالتالي أن لا تكون تغطيتها مجرد ردود فعل على ما يقوم به الإهاربيون أو على ما تتخذه الدولة من اجراءات، لقد بات من الضروري أن تأخذ وسائل الإعلام زمام المبادرة وتقدم الإعلام المضاد الذي يقوم على أساس تقديم رسائل إعلامية ذات مضامين جديدة تكون مبنية على التفاهم مع المؤسستين الأمنية والعسكرية والتوصل معهما إلىرؤية مشتركة واستراتيجية عمل موحدة وهذا ما يقتضي ضرورة انفتاح وزارتي الداخلية والدفاع على وسائل الإعلام وتزويدها بكل ما لا يتعارض مع الاعتبارات السرية لمواجهة الإرهابيين.
المصدر: الصباح، العدد 21105 و 21106، 7-8 فيفري 2015، ص 10.