تحاليلتونس

تونس: في الضرائب وضريبة الارتجال

 

رضا بن سلامة:

 

        كاد قانون المالية 2017 أن يُمثّل منعرجا حقيقيا يُمهّد إلى انطلاق بعض الإصلاحات ويفتح الباب نحو تطوّر في أساليب العمل الحكومي يتّسم بالجرأة والعزيمة الراسخة لخدمة المصلحة العامة. لقد كان الإصلاح الجبائي والمالي في مقدمة الخيارات الصعبة التي تتصدّر الاهتمامات، يتم من خلاله توزيع الأعباء على جميع شرائح المجتمع بشكل مُنصف، ليكون مقبولاً ومستداماً. فاعتُبر من قبل ذوي السريرة الطيبة خطوة أولى وجزءاً من مشروع إصلاحي اقتصادي واجتماعي مُتكامل قد يُعلن عنه قريبا. وأوشك أن يؤدي ذلك أيضاإلى انطباع إيجابي بأن نوايا الإصلاح وإرادة التقدم نحو الأفضل جدية وصادقة. لكن ما آل إليه التجاذب، حول فصول هامّة من قانون المالية لسنة 2017، تحت قبة مجلس نواب الشعب، وفي الأقبية هنا وهناك ألغى بسرعة هذه الانتظارات. إذ حالما اصطدم المشروع بالمصالح الفئوية الضيقة، وُضعت المحاولات جانبا والملفات المُزعجة على الرف إلى ما لا نهاية. الناحية الإيجابية الوحيدة تمثلت في الاتفاق الذي تحقق مع الاتحاد العام التونسي للشغل والمتعلق بالزيادة في الأجور وإلغاء الإضراب العام في الوظيفة العمومية الذي كان مقررا.

لقد تساقطت الفصول، التي كانت تمثّل محاولة جادّة لمقاومة التّهرب الجبائي وعدّة إجراءات وإصلاحات أخرى، كأوراق الأشجار في الخريف الواحدة تلو الأخرى ابتداء من الفصل 37 من مشروع قانون المالية حول السر البنكي، مرورا بالفصل 29… إن هذا الإِرْتَدَاد يشكّل تقليصا هائلا للأملالذي تراءى من جديد بعد مؤتمر الاستثمار لدى الكثير من المواطنين، إذا لم نقل فقدانه تماما حول الرغبة الفعلية للقيادات الحالية في اتخاذ القرارات الصعبة كما ادعت والتي ينبغي حسم الأمر في شأنها رغم تعلّقها بشبكات المصالح الخاصة المُتمكّنة إلى درجة تهديد الاستقرار وإجهاض مشاريع الإصلاح المنشودة، وقطع الطريق على نوايا التغيير الضعيفة والمتردّدة. إن الخطاب الرسمي المُنمّق والوعود المتكرّرة في أكثر من مناسبة بالشروع في الإصلاحات الجوهرية لعدة قطاعات ولمواجهة الفساد المستشري، تبقى إلى اليوم حبرا على ورق.

ما يُمكن ملاحظته هو أن السلطة التنفيذية برأسيها تُواجه تلالا من التحدّيات المصيرية والخطيرة، ورصيدها الشعبي يتآكل يوما بعد يوم، في الوقت الذي تتّسع فيه قاعدة المُفقّرين والمُعطّلين عن العمل، ويزداد ثراء فئات من الانتهازيين في فترة قياسية. ولا بد من الاعتراف بأن السببالأساسي في هذا التذبذب هو الارتجال الذي تتّسم به السياسات المُتّبعة، والأمثلة لا تُحصى. فحالة الارتجال هي بنفسها حاضنة لأشكال متعدّدة من الفساد، أو على أقل تقدير هي التي تُضعف قُدرة الحكومة على التحرّك برويّة انطلاقا من معرفة دقيقة لتفاعلات الواقع السياسي والاجتماعي، حتى لا تُضطر إلى التراجع في قراراتها وسياساتها. هذا الارتجال والتذاكي والارتباك والاندفاع الساذج الذي نشهده يرفع الستار على غياب مُزعج لحسّ العمل السياسي لديها، والذي يتجلّى في مزاجية القرارات، وافتقادها أحيانا إلى الحد الأدنى من الموضوعية، بما أنها تُتّخذ بمعزل عن المُحددات الاجتماعية والاقتصادية. وهي تتمثّل كذلك في الكثير من التفاعلات التي تتم خارج الأُطر الرسمية، مما يفتح الباب أمام ترويج المصالح الشخصية والخاصة والفئوية وتبادلها تحت ستار من الشرعية. بحيث أن مُخرجات هذا الوضع الارتجالي تتصف بعدم وضوح السياسات والخطط، وتبدّلها وتغيّرها، وافتقاد أدنى مستويات التنسيق بين مؤسسات الدولة.

نحن في سباق مع الزمن، والأشهر المُقبلة ستكون حاسمة. فعلى الحكومة أن تُعجّل بتصحيح أخطائها وتحسين أدائها بتخطّي ما حدث بشأن قانون المالية 2017. ولا يكون ذلك إلا بالخروج من الضبابية والارتجال وبتحديد الرؤية للتوجه المستقبلي، على كافّة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع تجاوز الأشكال التنظيمية المألوفة وأساليب الإدارة الروتينية المتعارف عليها.

المصدر: الصباح، العدد 1628، 12 ديسمبر 2016، ص12.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق