
علي عبداللطيف اللافي:
أشارت بعض وكالات الانباء من خلال بعض التقارير خلال الأيام الماضية، الى تجدد الصراع بين فرقاء في الشرق الليبي حول النفط، فماهي حقيقة وطبيعة تلك الصراعات وعلاقتها بتطور الأوضاع الداخلية سياسيا واقتصاديا؟، والمعلوم لكل متابع أن الاخبار في ليبيا دائما ما تصاحبها المغالطات والتضخيم بل والتوجيه المدروس من طرف قوى إقليمية ودولية عديدة، بناء على حقيقة يتفق حولها المتابعون، وهي ان الصراع في ليبيا منذ 2013 تحديدا، هو أنه مجرد حرب بالوكالة بين طرفي الصراع الإقليمي أي بين جبهتين تتغير مكوناتهما تباعا وفقا للتطورات ووفقا للسياسات الغربية المتبعة تجاه القضايا الشرق أوسطية والشمال إفريقية…
+ الصراع حول النفط في ليبيا:
في 12 سبتمبر الماضي شنت القوات التابعة لمجلس النواب، المنعقد في مدينة طبرق – شرق ليبيا- بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، هجوما على هذه المنطقة، وأنهت سيطرة قائد “جهاز حرس المنشآت والموانئ النفطية”، إبراهيم الجضران[1]، و الذي كان يمنع تصدير النفط لثلاث سنوات؛ ما كلف ليبيا قرابة 100 مليار دولار، وفقا لتأكيدات وأرقام “المؤسسة الوطنية النفط»، التابعة لحكومة الوفاق.، مع عودة التصدير من موانئ الهلال النفطي والتي أعربت عن تفاؤلها بتحقيق الانفراج في ظل احتداد الأزمة الاقتصادية في بلد انهكته الصراعات، ورغم الاعتراضات و الانتقادات الداخلية و الدولية لسيطرة قوات حفتر على الموانئ، إلا أنها عمليا ساهمت في ارتفاع إنتاج البلد إلي نحو 700 برميل نفط يوميا، خاصة وانه على المستوى العملي وقع تسليم “المؤسسة الوطنية للنفط” تسيير الموانئ، ولكن الخبراء طالما أكدوا أن الإنتاج يظل أقل بكثير من مستوى الإنتاج على ما كان عليه في فيفري 2011، و الذي كان يصل الى 6.1 مليون برميل يوميا، وفي ظل تراجع احتياطيات النقد الأجنبي في ليبيا من 120 مليار دولار في 2012 إلى 70 مليار دولار في 2016 ،بحسب المصرف المركزي الليبي، تأمل “المؤسسة الوطنية للنفط” في رفع الإنتاج إلى 900 ألف برميل نفط يوميا قبل نهاية العام الجاري، و1.1 مليون برميل يوميا في 2017. لكن تحقيق هذا الهدف مرهون بأمن حقول النفط وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير وخاصة في منطقة الهلال النفطي؛ ووهو ما يعني تصاعد المخاوف لدى الليبيين من تفاقم أزمتهم الاقتصادية جراء تجدد الصراع على منطقة الهلال….
+ لماذا تجدد الصراع حول الهلال النفطي؟
تجدد الصراع المسلح على منطقة الهلال النفطي في الشرق الليبي (أربعة من أهم موانئ لتصدير النفط)، حيث أكدت تقارير وكالات الأنباء أن شبح الأزمة قد خيم من جديد على قطاع النفط بعد ان شهد استقرارا ملحوظا منذ سبتمبر الماضي، فمنذ أيام شنت قوات “الجضران” هُجوما مسلحا لاستعادة ما خسره في منطقة الهلال النفطي، وذلك بالاشتراك مع “سرايا الدفاع عن بنغازي”، التي تشكلت حديثا، لكن الهجوم باء بالفشل؛ وتسبب في استنكار محلي ودولي لتعريض منشآت النفط للخطر من جديد، لا سيما وأنها تضررت قبل عامين حيث اشتعلت النيران في خزاناتها يومها بسبب هجمات لتنظيم “داعش” الارهابي ومجموعات مسلحة أخرى بعدها، فقد شن قائد “جهاز حرس المنشآت والموانئ النفطية” هجوما جديدا، ولكن هذه المرة بمساعدة تشكيل مسلح يُسمي “غرفة عمليات تحرير الموانئ النفطية”، كان قد شكله في وقت سابق، وزير الدفاع بحكومة الوفاق الوطني المهدي البرغثي. وهو علي خلاف كبير مع قوات حفتر، حيث اتهم الأخير بـ”استجلاب مرتزقة أجانب لحماية منشآت النفط”، وهو ما نفاه حفتر في أكثر من مناسبة، رغم رفضه المستمر الاعتراف بحكومة الوفاق. ..
وبعد فشل الهجوم الأخير علي مواني النفط، والذي استنكرته بعثة منظمة الأمم المتحدة والسفيرين الأمريكي والبريطاني و”المؤسسة الوطنية للنفط”، تبرأت حكومة الوفاق من هذا الهجوم. وهو ما فعله أيضا البرغثي بقوله في بيان إنه بالفعل شكل “غرفة عمليات تحرير الموانئ النفطية”، لكنه لم يصدر أي تعليمات بالتقدم نحو منطقة الهلال النفطي، ولكن وزير الدفاع، لم يعلق وزير الدفاع البرغثي علي مشاركة “سريا الدفاع عن بنغازي” في الهجوم الأول….
+ بيان هوية “سرايا الدفاع عن بنغازي”:
سرايا الدفاع هو تنظيم تم تشكيله يوم 2 جوان الماضي من قبل “إسلاميين”، ومن تيار فبراير، وهو ما أكده بيانهم المصور والذي نقلته قناة النبأ المحسوبة على التيار السلامي في ليبيا (خاصة على حزب الوطن وبعض المحسوبين على تيار الاخوان الليبيين)، والمعروف أن هذه المجموعة تتبنى مرجعية المفتي الصادق الغرياني والذي كان يناصر عمليا المؤتمر الوطني قبل تشكيل حكومة الوفاق ودخولها طرابلس، بينما أعلن مجلس النواب عزله أي المفتي قبل عامين، في مازال مساعديه يباشرون مهامهم ويستندون اليه في مواقفهم وعملهم اليومي في دار الإفتاء ….
وقد وضح البيان المصور أن هدف التنظيم الجديد هو”نصرة مجلس الشورى في بنغازي ضد قوات حفتر….
+ غموض ونقاط استفهام في مواقف حكومة الوفاق:
ردة فعل حكومة الوفاق ووزيرها البرغثي طرح تساؤلات في الشارع الليبي، لعل أولها هو: هل وظفت حكومة الوفاق أو وزير دفاعها «سرايا الدفاع عن بنغازي»، للهجوم على منطقة الهلال النفطي أم أنها متحالفة معها؟
لا يختلف اثنان في ان هناك خلط للأوراق في فهم طبيعة التطورات من المسألة الليبية عموميا وحكاية سرايا الدفاع خصوصا، ولكن يمكن الإشارة الى عدد من المعطيات المحددة لفهم واستجلاء الأمور التي بقيت باستمرار تتسم بالغموض وفقا لكل المتابعين:
- أن توقف صراع المليشيات في طرابلس لن يعني أن البعض لا ينوي الوقوف على من وقف وراء اشتعالها في البداية، وان البعض سيعتبر أن حفتر هو من حاول اختراق الجهة الغربية والعاصمة تحديدا بعد أن فشل في أكثر من مناسبة سابقة، و لا شك أن بعض الأطراف حاولت أن ترد له الصاع صاعين ولو بطرق غير مباشرة ….
- ان هناك تضارب داخل حكومة الوفاق تجاه عدد من الملفات من بينها طبيعة العلاقة المستقبلية من الجنرال الطامح الى حكم ليبيا، ومن بين الرافضين للتقارب معه او بالأحرى تقديم تنازلات له هو وزير الدفاع الحالي مهدي البرغثي، وذلك يؤكد أن السراج لا يسيطر عمليا على كل وزرائه وأن حكومته ليس وحدة متكامل في قراءة كل الملفات ومن بينها طبعا العلاقة مع حفتر وأيضا تسيير المعابر الحدودية …
- أن هناك أطراف في الجهة الغربية من بينها بعض مكونات مصراطة ترفض رفضا باتا لعب ورقة التحالف مع كل من هو قريب ولو من بعيد مع تنظيمات أنصار الشريعة وغيرها من التنظيمات التي يتحفظ عليها الغرب في الشرق الليبي….
- أن التعامل مع حفتر خلال الفترة القادم سيسوده التجاذب وان هناك خلط للأوراق وإعادة ترتيب بعض الجزئيات في الملف الليبي تدور حول تشريكه وموقعه المستقبلي سياسيا وعسكريا…
- أن فهم الأحداث في ليبيا يقارب فهم الاحداث في لبنان بداية ثمانينات القرن الماضي أي كلما عرف المتابع التفاصيل أكثر كلما ابتعد عمليا عن الفهم أكثر ….
- اختلاف تصنيف هذه السرايا بين حكومة الوفاق ووزير دفاعها البرغثي يكشف عن عدم وجود تفاهم أو غياب سيطرة رئيس الحكومة فائز السراج، علي وزرائه، إضافة إلى أنه يفقد الثقة في الوزير، لأنه وقبل سنة من الآن كان يحارب مع الجيش (التابع لبرلمان طبرق) في بنغازي ضد مكونات عسكرية تشكلت هذه السرايا لدعمها…..
+ هل المعركة محسومة بين قوات حفتر وسرايا الدفاع؟
- البعض من المتابعين يرى أن “سرايا الدفاع عن بنغازي”، لا تشكل عمليا أي تحد لقوات حفتر، ويستند أولئك الى أنها مجرد مجموعة مسلحة وأنها عمليا منيت بثلاث هزائم أمام قوات حفتر وحلفائه:
- أولها عندما شنت هجوما علي مشارف بنغازي، وتكبدت خسائر كبيرة….
- الثانية عندما شاركت مع قوات الجضران في الهجوم الأول علي مواني النفط،
- الثالثة و الأخيرة، قبل أيام خلال هجوم مشابه علي منطقة الهلال النفطي…
ويذهب أصحاب تلك النظرة الى أن سرايا بنغازي، لا ثقل لها، بل أنها تشكلت فقط لشن هجمات من وقت إلى آخر بهدف تخفيف ضغط قوات حفتر علي الكتائب والتنظيمات التي تحاضرها في بنغازي، لاسيما وأن تلك التنظيمات أوشكت علي خسارة المعركة نهائيا بعد سيطرة قوات حفتر علي كل مناطق المدينة تقريبا، ومرد تلك الرؤية أن حلفاء سرايا الدفاع هم مجرد مسلحين محاصرين في مناطق “سوق الحوت” و”قنفودة” و”الصابري” لا غير، بل أن بعض المحللين الليبيين يعتبر أن وجود السرايا أمر عبثي لن يغير في معادلة القوة علي الأرض، فليس بمقدورها سوى شن هجمات عابرة غير مؤثرة…
- يرى مساعدو حفتر، أن ساريا بنغازي لا تشكل أي خطر عليهم لاسيما وأن جميع تحركاتها مكشوفة ومرصودة، بل ويؤكدون عدم امتلاكها أي قوة عسكرية أو لوجستية»، ويتوقع المقربين من حفتر أن «هذه السرايا الإرهابية تعيش أيامها الأخيرة، خاصة بعد أن خرج أهالي مدينة الجفرة في الجنوب الليبي أي أين تتمركزسرايا الدفاع في احتجاجات رافضة لتواجدها في المنطقة، ومطالبة بخروجها وعدم إثارة الفتن وجر المنطقة إلى معارك لا تعنيها….
- تبقى وجهتي النظر السابقتين نسبية، فحفتر ورجاله طالما أكدوا منذ اكثر من سنتين وانهم يسيطرون على بنغازي وأنهم سينهون امرها، و هم وإن حققوا خلال الأشهر الأخيرة تقدما واضحا بفضل المساعادات من طرف مصر وبقية الدول العربية وبعض دول غربية …، ولكن يُمكن عمليا الجزم أنه رغم ضعف إمكاناتها مقابل قوات حفتر، فانها يمكنها الرد على الغارات الموجهة ضدها بمزيد من الهجمات على منطقة الهلال النفطي، لاسيما إن حصلت على دعم عسكري من فصائل أخرى ضمن معادلة سياسية وأمنية معقدة ومتشابكة للغاية شبيهة بتعقيدات الساحة اللبنانية في عقد الثمانينات من القرن الماضي، وليس مستحيلا ان تختلط الأوراق ويتكبد حفتر ورجاله هزائم تعيدهم الى حجمهم السابق ولكن ذلك يبقى مرتبطا بتطورات المواقف الإقليمية والدولية ومرتبط أيضا بخلط الأوراق داخليا و بترتبات اعلان الانتصار في سرت ومآلاته التي لن تكون بسيطة وأيضا باستراتيجية حكومة الوفاق ووحدتها الداخلية وطبيعة معالجتها لملف المفاوضات السياسية بعد سنة من امضاء اتفاق الصخيرات….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الجضران كان يتبع مجلس النواب وحكومة عبدالله الثني في الشرق الليبي، ثم أعلن تبعيته لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا بعد امضاء الاتفاق السياسي في ما يؤكد البعض ان انسحابه هو مسرحية محبوكة بينه وبين الجنرال خليفة حفتر المدعوم مصريا واماراتيا واردنيا …..