العقيدة والسياسة ..!!

لما كانت العقيدة هي الأصل الذي ننطلق منه ، والركيزة التي نؤسس عليها ، فالذي يليها ؛ لابد وأن يكون متأثراً ومنساقاً ومتسقاً ، مع ثوابتها ومعاقدها ودلالاتها …
إن إعتبار مخاضات السياسة أحد أهم تطبيقات ما نكنه من عقائد وقيم ومبادئ ؛ سيجعل بابها أكبر وأوسع من المداخل العلمية والنظرية للعقيدة ومقدماتها ؛ إذ هي النتيجة والمحصلة لتلك المقدمات العلمية والخبرية ؛ في واقع وعالم الحياة والحركة والسلوك والممارسة ؛ الأمر الذي يدفعنا للقول بأن الثقافة هى ممارسة السلوك النابع من الإيمان بالشئ …!!
إن التحدي الماثل اليوم أمام أبناء الإسلام ، يتمثل في كيفية التفريق بين ما هو عقائدي أصولي ، وبين ما هو مصلحي سياسي … بمعنى ،، كيف لنا أن ننتقل من مربع الأيدولوجيا إلى خانة المصالح المرسلة ، وكيف نحقق المقاصد الشرعية المعتبرة ، وأن ننجح في العبور والإنحياز لما فيه مصلحة شعبنا وأمتنا …؟؟
كيف يمكن أن نكون جزءأً من الحل المنشود ، وأن نساهم في ترسيم المشروع السياسي الحقوقي الكبير … في ظلال الشريعة الربانية المنزلة …؟؟
إن سلبيتنا وغيابنا عن المشهد السياسي … لن يكون في مصلحة ديننا وأهلنا وشعبنا ، بل سيجعلنا حتماً متفرجين ناقدين ، ولن يصنع منا فاعلين مؤثرين …
لقد أردت أن أذكر بأن السيد الرسول القائد صلوات الله وسلامه عليه ، كان قد نوزع في صلح الحديبية في إدراج صفة الرسول في صياغة الإتفاق ، وقد أمر النبي المكرم بمسحها ترجيحاً لما يتراءى من مصلحة شرعية فيما تم الإتفاق عليه .
وقد جاء في نص وثيقة المدينة الدستورية ، أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين من دون الناس ، وأنه لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، وأن لهم مالنا وعليهم ما علينا ؛ الأمر الذي يعني أن محور هذا التحالف قد كان سياسياً ، وأنه يعطي الدارس والباحث والمقتدي هامشاً لمعالجة الواقع ، والتعامل معه على أساس حقوق المواطنة ، والإقرار بحق التنوع الطبيعي في مركبات النسيج الإجتماعي الذي نتحرك ضمن مؤثراته وتدافعاته …
فهل ثمة مجال للتفكير الحر ، بعيداً عن ملابسات وركام الإرث السلبي ، وأن نؤكد على الدور الإيجابي للعقيدة في بناء الجيل وتحرير وتكريم الإنسان …؟؟
لقد تعلمنا أن السياسة هي فن الممكن …
وقلنا يجب أن نفرق بين الواجب والممكن …
وأردنا بالإرث السلبي عدة مسائل هي على النحو الآتي :
1- غياب مفاهيم ومعالم المشروع السياسي الحقوقي عن مطالبات أبناء الإسلام …
2- تلاشي ملامح المرونة السياسية لمن تصدر للتنظير باسم الإسلام …
3- غلبة الصدور عن نظرية المؤامرة والكيدية …
4- الإرتهان ضمن دائرة التنقيب على الفتاوى التاريخية واستيراد المعاصر منها ؛ والالتزام بمفاهيم تختلف بل وتصادم بواعثها وملابساتها حاجة ومتطلبات وخصوصية الواقع الليبي .
5- عجز ظاهر وطفولة علمية وسياسية ؛ جعلتنا رهائن وأسرى ردات الفعل الغير مدروسة …
6- فقدان زمام المبادرة ، على الرغم من تلاشي أسباب القهر والاستلاب والاستبداد …
7- غياب المطالب الحقوقية والتنموية عن تصورات المنادين بالمرجعية الإسلامية ، ولو سألت جلهم لفاجأك بأنه يقصد بالشريعة تطبيق الحدود والعقوبات …
لكل هذا وغيره ، فقد خلصتُ اليوم إلى ضرورة البيان والإفصاح عن رؤيتنا الشرعية ، وتقديرنا للموقف العام على نحو ندعو فيه الناس اليوم إلى الإسلام وليس إلى المسلمين ؛ فالمسلمين صورة غير واضحة ، بل وغير دقيقة ، وأزيد بأنها غير أصلية عن الإسلام الذي أنزله الله المجيد وأراده من الموحدين …
لقد وئد المشروع الإسلامي ، وغيبت جل معالمه وتطبيقاته عن حياة المسلمين مبكراً …
والفرصة سانحة اليوم ، لأن نعيد ترسيم المشروع الإسلامي الحقوقي الكبير ، بمطالب التكريم للإنسان ، والإنفتاح على الآخرين ، والدفاع عن المستضعفين ، والثقة فيما عندنا ، وفيمن حولنا …!!
نحن اليوم نثق في شعبنا الليبي الأبي … أكثر من أي وقت مضى …
نثق في فطرته وفي تجربته … وفي آلامه وآماله وتطلعاته …
وفي قدرته على تجاوز مواطن الضعف والخلل والزلل …
هذا ظني في ديني … وفي أهلي وفي المخلصين …
فدعونا أيها الأفاضل نغادر المربع الأول ..
محمد عمر حسين
27:05:2013