كتاب “مسجد في ميونخ” لــ اين جونسون

المؤلف قسم كتابه إلى ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول:حروب ساخنة
ويضم الفصول: “الجبهة الشرقية”، “المتخصص في التاريخ التركي”، و”الأنموذج النازي الأصلي”. هذا القسم تاريخي ويبحث بتفاصيل مهمة بدء علاقة الغرب بالحركات الإسلامية، حيث يتتبع الكاتب تاريخ نشوئها أو ولادتها إلى الحرب العالمية الثانية ورغبة ألمانيا في كسب مسلمي الاتحاد السوفياتي إلى جانبها بعد أن رصدت استياءهم من معاملة حقبة ستالين لهم ولدينهم.
ومن الجدير بالذكر أن مسلمين من ولايات الاتحاد السوفياتي الآسيوية “الفيلق الشرقي” لم يكونوا الوحيدين الذين حاربوا إلى جانب الألمان في تلك الحرب، حيث وقفت قوات من أوكرانيا وفنلندا، على سبيل المثال، إلى جانب القوات الألمانية، مع أن الأخيرة كانت تحتل بلادهم. وقد قدر المؤلف عدد قوات “الفيلق الشرقي” بنحو ربع مليون فرد.
“اشتكى المؤلف من تجنب الولايات المتحدة الإفراج عن سرية وثائقها ذات العلاقة بتعاون وكالاتها الاستخبارية بالحركات الإسلامية و”الإخوان المسلمين” تحديدًا، على عكس ما فعلت بالعلاقة مع تعاونها مع نازيي ألمانيا ”
على أي حال، اشتكى المؤلف من تجنب الولايات المتحدة الإفراج عن سرية وثائقها ذات العلاقة بتعاون وكالاتها الاستخبارية بالحركات الإسلامية و”الإخوان المسلمين” تحديدًا، على عكس ما فعلت بالعلاقة مع تعاونها مع نازيي ألمانيا قبل الحرب وبعدها، وتوظيفهم في مؤسساتها في حربها ضد الشيوعية، وكل من اتبع سياسة مستقلة عنها، حيث يذكر المؤلف رؤساء دول مؤتمر باندونغ “الزعماء الأسطوريين: جمال عبد الناصر، وأحمد سوكارنو، وجواهر لال نهرو، وجوزيب بروز تيتو”، ويضاف إليهم في مرحلة لاحقة شو آن لاي الذي كان رئيس وزراء جمهورية الصين الشعبية [الشيوعية حينذاك].
مع هذا فقد تمكن المؤلف من جمع معلومات كبيرة ومهمة عن تلك المرحلة التاريخية حيث أفلح في كشف بدء العلاقة بين الطرفين، قادة الحركات الإسلامية و”الإخوان المسلمين” في أوروبا من جهة، ومن جهة أخرى الاستخبارات الغربية وفي مقدمتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) والاستخبارات الألمانية “الغربية حينذاك” والاستخبارات السويسرية، وغيرها.
الجزء الثاني: حروب باردة
يضم تسعة فصول عناوين بعضها دالة، ومنها على سبيل المثال: “إحياء وزارة الشرق/الفصل الرابع” [الإشارة هنا إلى وزارة الشرق الألمانية في العهد النازي التي كانت مسؤولة عن إدارة شؤون وسكان جمهوريات الاتحاد السوفياتي الآسيوية الإسلامية]، “مفتاح العالم الثالث/الفصل الخامس”، “تعلم دروسهم/الفصل السادس”، “تصرف سياسي حذق، إقرار الجامع/الفصل السابع”، “وصول د. سعيد رمضان/الفصل الثامن”، “زواج مصلحي/الفصل التاسع”، “فقدان السيطرة/الفصل الثاني عشر”.
هذا الجزء خصصه المؤلف لتتبع مسار بدء علاقة وكالة الاستخبارات المركزية بحركات الإخوان المسلمين العربية وغير العربية، والتركية تحديدًا، مع التركيز على الأولى حيث رأت في جمال عبد الناصر خطرًا كبيرًا على مصالحها، حتى في ظل رئاسة الجنرال آيزنهاور الذي كثيرًا ما يزعم البعض أنه كان العامل الحاسم في إجبار كل من بريطانيا وفرنسا والعدو الصهيوني على إنهاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
لقد استفادت وكالة الاستخبارات الأميركية كثيرًا من ملاحقة مصر لجماعة الإخوان المسلمين [ومن بعد في سوريا] بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي بدوره كان يتهم قادتهم بالعمالة لوكالة الاستخبارات الأميركية.
والكاتب غير المتعاطف إطلاقًا مع الحركة القومية العربية أو الإخوان المسلمين أو مع أي طرف معادٍ للصهيونية، يؤكد، في أكثر من مكان في كتابه قناعته بأن د. سعيد رمضان، وليس هو فقط من قادة الإخوان المسلمين في أوروبا، كان على علاقة مع وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات الألمانية والسويسرية.
“المؤلف:وكالة الاستخبارات المركزية كانت تستغل موسم الحج وترسل مندوبيها، من قادة الحركات الإسلامية المتعاونين معها، لتحريض مسلمي الاتحاد السوفياتي ضد الدولة ومحاولة كسب عملاء جدد منهم”
المؤلف يتتبع هنا تسلل وكالة الاستخبارات المركزية إلى الحركات الإسلامية وتعاونها معها وتحرشها في حروبها الباردة مع بقية العالم “الثالث” والاتحاد السوفياتي، ليس في أوروبا والولايات المتحدة فقط، وإنما أيضًا استغلالهم في حربها الباردة ضد الشيوعية وضد الحركة القومية العربية، وتعاون بعض الدول العربية -ومنها على سبيل المثال ليبيا الملكية والسعودية- معها في تلك الحروب.
وقد أوضح الكاتب أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تستغل موسم الحج وترسل مندوبيها، من قادة الحركات الإسلامية المتعاونين معها، لتحريض مسلمي الاتحاد السوفياتي ضد الدولة ومحاولة كسب عملاء جدد منهم.
الجزء الثالث والأخير:حروب حديثة
الذي يحوي أربعة فصول عن المرحلة اللاحقة وتصور الكاتب لنوع العلاقة الواجب عقدها بين الولايات المتحدة/الغرب وحركات الإخوان المسلمين، في العالم العربي، منطلقًا من أن القسم الأكبر من المشاركين في هجمات سبتمبر/أيلول وقبلها على مركز التجارة العالمي، جاؤوا من أوروبا، المتساهلة، دومًا بحسب الكاتب، مع الحركات الإسلامية، وكانوا من المداومين في جامع ميونيخ. وهو يرى أن ذلك الجامع “خرّج”، حتى هجمات سبتمبر/أيلول، كثيرا من “الإرهابيين” المسلمين.
الكاتب، يعترف اعترافًا واضحًا بدور الولايات المتحدة الأميركية ومؤسساتها الاستخبارية التي تحمل أسماء عديدة وتختفي نشاطاتها خلف مؤسسات خيرية أو أكاديمية، حيث يورد تفاصيل مؤتمر إسلامي عقد في الولايات المتحدة الأميركية برعاية مؤسسات “لاسياسية” عديدة، منها جامعة برنستن ومكتبة الكونغرس، حضره العديد من قادة الإخوان المسلمين ومنهم د. سعيد رمضان.
في الوقت نفسه فإنه يؤكد دور الاستخبارات الأميركية في تأسيس القاعدة وطالبان، إضافة إلى دعمها لجماعات الإخوان المسلمين في مراحل محددة. كما يشير إلى دور العدو الصهيوني في ولادة حركة حماس آملاً أن تواجه التيار القومي العِلماني المقاوم في منظمة التحرير الفلسطينية، لكن، كما نعرف، السحر انقلب على الساحر حيث تحولت حماس، كما طالبان، إلى حركة معادية للغرب وإسرائيل.
من الأمور المهمة الأخرى التي يوردها المؤلِّف الصراع بين غالب هِمَّت [السوري] الذي تزوج من ابنة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا وقتها د. عصام العطار [هو شقيق د. نجاح العطار التي تشغل حاليًا منصب نائب الرئيس السوري للشؤون الثقافية، والتي تسلمت منصب وزيرة الثقافة والإرشاد القومي في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد لمدة ربع قرن تقريبًا]، الذي فر إلى ألمانيا وأقام في مدينة آخن، وسعيد رمضان [المصري] على قيادة الجاليات الإسلامية في ألمانيا، لكنه كان خلافًا عقديًا حيث مال الأول، كما يقول المؤلف، إلى نشر تعاليمه عبر التعليم والتثقيف، بينما كان الأخير، دومًا بحسب الكاتب، ميالاً للعمل السياسي، وقاد المركز الإسلامي في ميونيخ تجاه العنف.
http://mktba22.blogspot.com/2016/02/blog-post_710.htm
المصدر: الصفحة الرسمية مكتبتك معك