
نذكر المنصف السويسي وملحمة الكاف فنذكر أسماء كثيرة كانوا من بناة فرقة الكاف وأسماء كان لفرقة الكاف عليهم فضل كبير وأسماء لامعة كانت الكاف محطة هامة في مسيرتهم الفنية. نذكر الكاف فنذكر كمال بن عثمان وعامر بوثلجه والمنجي الورفلي ورفيقة درب المنصف خديجة السويسي وعيسى الحراث وناجية الورغي ونور الدين عزيزة ورؤوف بن يغلان وسعاد محاسن وعزيزة بولبيار وعبدالله رواشد ومنجي بن براهيم ولامين النهدي واحمد السنوسي وعبدالرزاق الزعزاع والفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري والرجاء فرحات وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم.
نذكر ملحمة الكاف فنذكر أعمالا مسرحية متميزة ظلت راسخة في ذاكرتنا الوطنية مثل «الهاني بو درباله» باكورة أعماله في الكاف والمقتبسة عن «جورجدوندان» لموليار و«راشمون» و«حوكي وحرايري» أو«الزير سالم أو«النسا في خطر» التي أخرجها بالإشتراك مع توفيق عبدالهادي و«مواقف صامتة» التي كانت ثمرة تربص أشرف عليه الفاضل الجعايبي و«كل فول لاهي في نواره» و«مكبث»و «أليف لا شيء عليه» التي كانت انتاجا مشتركا مع فرقة القيروان واخرجها بالتعاون مع عبدلله رواشد.
نذكر المنصف السويسي فنذكر اصراره على اخراج النصوص التونسية من ذلك تعاونه مع مصطفى الفارسي والتجاني زليلة في مسرحية «البيادق» ومع عمر بن سالم في مسرحية «عشتروت» ومع عز الدين المدني في «ثورة الزنج» و«الحلاج» ومع سمير العيادي في «عطشان يا صبايا» و«السندباد».
أعمال كثيرة متميزة وجريئة بعضها افتتح مهرجان الحمامات وصنع الحدث وبعضها أنتج في عسر وشظف وفي ظل ظروف عصيبة وجلها قدم مئات المرات في إطار جولات كانت تجوب كل أنحاء الوطن وتفيض على دول الجوار في الأقطار الشقيقة قرابة العشرية في الكاف كانت مرحلة مهمة في مسيرة المنصف السويسي التي كانت مرحلة الطموح والعطاء السخي في أرض معطاء فأصلت تقاليد حب المسرح في تلك الربوع وغرست شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء أشعّت في الجهات وخارج حدود الوطن وظلت مثمرة الى يومنا هذا وما تظاهرة 24 ساعة مسرح الا ثمرة زكية من ثمارها.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
محطة الكاف ستتلوها محطات مهمة لا محالة منها ما كان داخل الوطن في فرقة مدينة تونس ومنها ما كان خارج الوطن عندما توالت مواسم هجرته إلى الخليج العربي في قطر ثم في الكويت حيث تولى التدريس في المعهد الأعلى للفنون المسرحية وأسس مسرح الطليعة وأخرج العديد من الأعمال مثل مسرحية لمحيي الدين زنكح ومسرحية “القرار” المقتبسة عن براخت و”مدينة اللؤلؤ” لفائق الحكيم قبل أن يتحول إلى الإمارات خبيرا لدى وزارة الإعلام.
لكن المحطة الأهم في مسيرة المنصف السوسي بعد محطة الكاف كانت بلا منازع محطة تأسس المسرح الوطني في 1993 ( وكان يطمح إلى جعله هيكلا متعدد الإختصاصات في مجالات التنشط المسرحي بمفهومه الشامل ففي صلبه تأسست مجلة الفضاءات المسرحية ومن رحمه انبثقت أيام قرطاج المسرحي.
محطة المسرح الوطني كانت تتويجا لمسيرة منشط ظل حاملا لهاجس التأسس ووجد لدى الأستاذ البشر بن سلامة وزير الثقافة آنذاك تجاوبا وسندا قويا.
بعد مغادرته للمسرح الوطني ستكون له عودة وجيزة الى الكاف في منتصف التسعينات ثم سنراه يسهم اسهاما نشيطا في بناء اتحاد المسرحيين العرب ويخرج عملا عربيا مشتركا هو مسرحية “وا قدساه ” في نطاق الإتحاد العام للفنانين العرب الذي كان نائبا لرئيسها كم أخرج مسرحية “النمرود” لحاكم الشارقة. لكن هواجس الساحة الوطنية
ستظل حاضرة في وجدانه فنراه يحاول العمل في القطاع الخاص وحتى في جامعة مسرح الهواة.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
لا يمكنني أن أختم حديثي هذا عن المنصف السويسي دون أن أذكر تلك الجلسات المطولة والمناقشات الصاخبة في قهوة الحاج بباب سويقه ثم في مقهى باريس والأونيفار وفي مكتب الزبير التركي عندما كان مستشارا لدى الوزير وفي بيته. جلسات تفكير في مستقبل المسرح كانت تجمع ثلة من الشباب الطموح وحدث أن انضم الطيب الصديقي إليها وشارك فيها وكان المنصف فيها بركانا من الحماس حماس واندفاع يلامسان أحيانا حدود القول العنيف ذلك أن المنصف كان يحب فنه بعنف ويندفع في انجاز مشاريعه وفي الدفاع عنها اندفاعا يلامس حدود التهور والمغامرة الحميدة.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه ورزق أهله وذويه والأسرة المسرحية والثقافية جميل الصبر وإنا لله وإنا إليه راجعون.
”يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي صدق الله العظيم “.
المصدر: الشروق