تحاليلتونس

تونس: مؤسسات سبر الآراء بين المصداقية والتشكيك،هل تخضع للمراقبة والتّدقيق؟ !

media_temp_1397301741

 سميحة الهلالي: 

 
يوجد ببلادنا ما بين 20 و25  مكتبا  لسبر الآراء تعمل على تقديم معطيات متمثلة في أرقام تفسر مدى قبول أو رفض الشارع التونسي لموضوع معين سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو إقتصاديا أو ثقافيا أو استهلاكيا. ولكن هذه الشركات مازالت لم تحظ بعد بالثقة التامة من قبل الشعب فقد شككت عديد الأطراف السياسية والاجتماعية في مصداقية بعض هذه المكاتب واعتبرت أنها تعمل لصالح جهات معينة وتحاول توظيف الأرقام لصناعة الرأي العام وتوجيهه وتعمل أيضا لجهة على حساب أخرى كما أن مؤسسات سبر الآراء في بلادنا تعمل دون إطار قانوني وهو ما أدى الى التشكيك في مدى التزامها بالموضوعية في العمل وتطبيقها للتقنيات العلمية في مجال سبر الآراء.
الغرفة المهنية بدورها أكدت وجود  مساع حثيثة لسن قانون ينظم المهنة ويكسبها المزيد من المصداقية وينظف أيضا هذا المجال من الدخلاء الذين يسيئون  لسمعته.
لمزيد البحث في الأسباب الكامنة وراء التشكيك في مصداقية شركات سبر الآراء ولماذا لم ترتق إلى المستوى المطلوب  أجرينا هذا التحقيق.
تعدّ شركات استطلاع الرأي والاحصاء عادة جديدة في التسويق والاعلام في بلادنا ذلك انه لم يمض على وجودها ببلادنا أكثر من عشر سنوات اذ انها لعبت قبل 14 جانفي دور الوسيط بين شركات تجارية واعلانية والمواطن لكنها بعد الثورة لعبت دورا سياسيا اتصاليا مهما في ظل مناخ الحرية والديمقراطية وقد ساهمت هذه المؤسسات بنسبة كبيرة في صناعة الرأ ي العام التونسي حيث يقول في هذا الشأن أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد انه لا يوجد اي نص قانوني ينظم عمل شركات سبر الآراء بل يوجد فقط فصل «يتيم» بالقانون الانتخابي يتعرض لعدم نشر سبر الاراء قبل موعد الانتخابات ولكن ذلك غير كاف على الاطلاق بل يجب تنظيمها في نص قانوني مستقل يضمن شفافيتها فضلا عن رقابة من قبل هيئة مستقلة على غرار ما هو موجود بالعديد من الدول فالنتائج المتعارضة لشركات سبر الاراء ببلادنا كثيرة وهذه العمليات يمكن ان يكون لها الاثر البالغ في توجيه الرأي العام حتى قبل موعد الانتخابات بكثير.

وزن مالي وسياسي:

لقد أصبح سبر الآراء موعدا قارا ينتظره المتابعون للشأن السياسي والاعلامي مع نهاية كل شهر للتعرف على التوجهات العامة ونسب المشاهدة وأيضا في الجانب السياسي معرفة أي الاحزاب في صعود وايها في نزول ونظرا لأن سبر الآراء في بلادنا لا ينظمه القانون فقد شككت عديد الاطراف في مصداقية مؤسسات سبر الآراء واعتبرت ان لديها تأثيرا كبيرا في صناعة الرأي العام حيث أكد الاستاذ سهيل هويسة (جامعي وباحث) وجود أنواع لشركات سبر الآراء منها التجارية التي تهدف لمعرفة توجهات السوق لتوظيف خدماتها وأخرى سياسية او اجتماعية ولكن بقطع النظر عن النتائج المقدمة فهناك نوع من الشك في مصداقية ما تقوم به هذه الشركات في سبر الآراء خاصة من الناحية العلمية فما هي مصداقية أساليبها التقنية في سبر الآراء وكيف يتم اختيار العيّنة؟  وفي هذا الاطار أبرز مخاطبنا الخلفية المستعصية لعملية سبر الآراء والتي تجعل مصداقيتها على المحك على غرار العينة والظرف الزمني الذي يتم فيه القيام بسبر الآراء اضافة الى ذلك العامل النفسي للمستجوب.

إطار قانوني:

اعتبرت عديد الأطراف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ان استطلاعات الرأي جزء من حرية الاعلام وان نتائج سبر الآراء ذات مصداقية نسبية وهي احد افرازات ثورة 14 جانفي وانه قد يتم استغلالها بأشكال مختلفة حيث يقول الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون أن الانتخابات الأخيرة أثبتت محدودية وفاعلية شركات سبر الآراء كأداة لصناعة الرأي العام فالانتخابات الأمريكية الأخيرة وبالعودة الى خصوصية المترشح وامكانياته المادية قلبت المعطيات وبيّنت أن وسائل سبر الآراء في واد والرأي العام في واد آخر.
وفشلت شركات سبر الآراء التي تعتبر معروفة في التنبؤ بنتائج الانتخابات التي آلت لصالح ترامب في الوقت الذي ترجّح فيه عمليات سبر الآراء فوز هيلاري كلينتون ومن ناحية أخرى اعتبر محدثنا ان سبر الآراء في المادة الاقتصادية يقوم على معطيات دقيقة ونسبة الخطإ تكون محدودة ويسهل اكتشافها. كما أن محاولة توظيف الأرقام يمكن اكتشافه بسهولة ولكن الوضوح نفسه ليس متوفرا بنفس الطريقة في الجانب السياسي لذلك فان شركات سبر الآراء تحتاج الى اطار قانوني وترتيبي منظم بهيئات تعديلية فاعلة حتى لا تقع نفس التجاوزات التي وقعت سنة 2014 عندما اعلنت نتائج سبر الآراء قبل خروج نتائج الانتخابات لذلك يرى محدثنا أن مثل هذه المقاربات بحاجة الى الخضوع الى اطار علمي متطور احسن مما هو عليه الان ويرى محدثنا ايضا انه من الصعب تحييد هذه المؤسسات عن المال الفاسد والضغوطات الخارجية وتوظيف الأموال لفائدة جهة على حساب اخرى لذلك دعا الى ضرورة تمويل هذه المؤسسات عن طريق التمويل العمومي لضمان جودة خدماتها ومصداقيتها.

بين التصديق والتكذيب …

لقد توفقت بعض شركات سبر الآراء ببلادنا في تقديم نتائج قريبة من نتائج صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي عرفت نجاح نداء تونس .. وكان هامش الخطإ لا يتجاوز 1،5 %  الا نه ورغم ذلك فقد ظلت ثقة المواطن في هذه المؤسسات مهتزة حيث مازال لا يثق في نتائج سبر الآراء باعتبارها غير منظمة بقانون ممّا يشكك في نزاهتها وامكانية خدمتها لأجندات سياسية معينة وعملها لصالح من «يدفع أكثر» حيث ترى آمنة حسن (طالبة) أن مؤسسات سبر الآراء ببلادنا وان قدمت نتائج موفقة في عديد المرات الا انها تبقى موضع اتهام خاصة في محاولتها صناعة الرأي العام وتوجيهه وذلك ما أكدته سهام بن ابراهيم (مهندسة الكترونية) معتبرة أن الوضع المؤقت الذي تعيشه بلادنا يجعل التشكيك في كل شيء أمرا مشروعا باعتبار أن مؤسسات سبر الآراء تعمل دون ضوابط قانونية وتساءلت عن التقنيات المعتمدة من قبل هذه الشركات في اختيار العينة وطريقة طرح الاسئلة لذلك فانه وعلى حدّ تعبيرها ورغم النجاحات التي حققتها هذه الشركات في عديد المناسبات الا ان نتائجها تبقى موضع شك وتشكيك ويبقى السؤال المحيّر لدى اغلبية المواطنين هو «من دفع أكثر» ؟ وأي هدف تبحث عن تحقيقه هذه الشركات ؟ ومن أين تموّل ؟ كلّها أسئلة اعتبرتها سهام تشكيكا في مصداقية هذه المؤسسات، ولكن حسام كميسه (محاسب شركة) يرى أنه لدينا ببلادنا مؤسسات لسبر الآراء قد نجحت في اعتماد اليات وتقنيات مكنتها من تحقيق المطلوب واعتبر ان اعتماد ما تدلي به شركات سبر الآراء في وسائل الاعلام يعد خطوة ايجابية باعتبار ان هذه الطريقة معمول بها في الدول المتقدمة ودعا «حسام» الى ضرورة وضع قانون ينظم هذا القطاع وينظفه من الدخلاء الذين يبحثون عن الاستثراء من المال الفاسد وتزييف الوقائع واعتبر أنه بوضع قانون يمكن ان تكون لبلادنا شركات رائدة في سبر الآراء.

من 20 الى 25 مكتب سبر آراء:

أكد السيد نبيل بنعم رئيس الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاعات الرأي بالاتحاد الوطني للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وايضا رئيس مكتب «إمرود» لسبر الآراء ان الغرفة تعمل منذ سنة 2013 على وضع قانون ذاتي ينظم المهنة ويضع شروط الانتماء لهذا القطاع ولا بد لكل مكتب أن تكون لديه كفاءات من مهندسي احصاء وبرامج اعلامية لتحليل المعطيات وايضا كيفية استعمال المناهج العلمية الكيفية والكمية لاخذ المعلومة من المواطن واعتبر رئيس مكتب «إمرود» أن هناك العديد من مكاتب سبر الآراء ببلادنا تعمل وفق المعايير الدولية وهناك أيضا مكاتب مازالت مبتدئة وخبرتها محدودة لذلك تقع مراقبتها من الغرفة المهنية. ويقول محدثنا ايضا انه لا يمكن الحديث عن ضغوطات خارجية ومال فاسد في عملية سبر الآراء لان الضغوطات وان وجدت فان الشركات التي تحترم عملها ترفضها. واعتبر ان مسؤولية معالجة ارقام سبر الآراء تلقى على عاتق الاعلامي الذي لا بد ان يعرف المكتب الذي يتعامل معه وكيفية عمله. لانه سيقوم بتوجيه الرأي العام ولا بد ان يقوم بغربلة المعطيات. كما يرى مخاطبنا ان شركات سبر الآراء ببلادنا قامت باستطلاعات ذات جودة عالية والأدل على ذلك تجربة انتخابات 2014 حيث كان هامش الخطإفي حدود ٪1.5 وهو من أحسن المقاييس باعتبار ان هامش الخطإ المسموح به محدد بـ٪3. كما ان سبر الآراء يدخل في اللعبة الديمقراطية واعتبر أنه لا يساهم بشكل كبير في توجيه الرأي العام.
وأفاد محدثنا ان تجربة بلادنا في هذا المجال لا تتجاوز 10 سنوات ورغم ذلك حققت نجاحا بلغته بلدان متقدمة بعد اكثر من 70 سنة من هذه التقنية.
أما السيد حسن الزرقوني فقد أكد أن تحقيق النجاح يكون عن طريق استعمال تقنيات وآليات متطورة وأيضا عدم الرضوخ للضغوطات والتأثيرات الخارجية حتى يكون مكتب الاستطلاع على حد كبير من المصداقية ويكسب ثقة وسائل الاعلام وأيضا الشعب.
تبقى مكاتب سبر الآراء بحاجة الى قانون ينظمها ومراقبة تمنع دخول الدخلاء لهذا المجال حتى تكون بمنأى عن الاتهامات الموجهة لها وحتى تصل مصداقيتها للمتلقي.

 

 

المصدر: الصحافة اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق