
مروان أحمد:
عندما ضاق الخناق من وهج الساحات الهادرة بحشود الضحايا رافعين شعارات “يسقط نظام السابع فاشي عميل و تابع” و “ديقاج” و “يسقط حزب الدستور يسقط جلاّد الشعب” لم يجد المخلوع سندا تماما كما حدث مع الرئيس بورقيبة في 7 نوفمبر 1987 كلّ أولاءك الذين زيّنوا له المشهد ليساندوه أو ليقفوا إلى جواره لذلك كان خياره الوحيد الفرار.
إنتقلت الشعارات مع خبر الفرار يوم 14 جانفي 2011 إلى “بن علي راهو هرب يا قوّادة الشعب” ليعكس حالة من السخط على أذرع النظام المافيوي البوليسي القمعي لم تتحوّل إلى رغبة في الثأر لتمدّن سلوك التونسيين و حسّهم العالي بخطورة الإنزلاق في مثل هذه المطبّات.
و كان الأمر كذلك حتّى في مسار الإنتقال الديمقراطي نفسه فالتونسيون حسب رؤى و تحاليل علماء الإجتماع لا يميلون إلى العنف المادّي بقدر ميلهم عموما إلى الحوار و لغة الكلمات لا لغات أخرى و لعلّ هذا ميزة التجربة التونسية الأساسية التي تحظى بدعم و تكريم دوليين.
7 نوفمبر 1987 كان إنقلابا بكلّ المقاييس لم يجرؤ من صفّقوا له على الدفاع عن خيارات تلته طيلة 23 سنة يوم إنتفض الشعب ضدّ الفساد و الإستبداد و اليوم عادوا بفضل الدستور التونسي الذي أفرزته الثورة و ما تضمّنه من حرية و تعددية لا ليعلنوا عن مراجعاتهم و إنخراطهم تحت سقف هذا الدستور بل ليترحّموا على عهد صانع الجريمة.
حلقة كاملة و طاولة و كراسي و ضيوف لإجراء مقارنة بائسة على شاشة إحدى القنوات التلفزيّة الخاصّة أثارت حفيظة التونسيين في 7 نوفمبر 2016 حضرها بوق نظام المخلوع برهان بسيّس و محامية التجمع المنحل عبير موسي ليبدعوا مجددا في إعادة نفس خطابات إحتفاليات السابع البنفسجي لرفع التحدّيات.
في الواقع، طرح موضوع السلفيّة في تونس بقوّة بعد الثورة و إذا كان السلفيّة في تعريفها هي إعتصام بالقديم و إستحضاره خارج زمانه أو مكانه أو خارج الإثنين معا فإنّنا نشهد اليوم نشأة السلفيّة البنفسجيّة التي تمجّد زمنا إنتهى بثورة و نصوصا و شعارات إنتهت مع سقوط أوّل شهيد بالرصاص الحي.
سؤال مثير للإهتمام طرحه أحد من تدرّبوا جيّدا في هولندا على التسويق السياسي و على السجال الإعلامي للدفاع عن صانع الجريمة النوفمبريّة في نفس البرنامج التلفزي قائلا “أعطوني نقطة واحدة إيجابية بعد الثورة”، للأسف لم يكن هناك من يردّ عليه من الحاضرين لأن الرؤية و الرغبة واضحة في إجراء محاكمة إعلامية مباشرة للثورة و لضحايا الإستبداد و الردّ في الواقع سهل جدّا و هو وجود هذا الشخص نفسه في ذلك المكان تحديدا لأنّه قبل ذلك لم يكن سوى تابع “ذليل” صار اليوم يدافع عن حقّه في التعبير عن رأيه بسبب الثورة.
لا يستحقّ هؤلاء الكثير من الكلام و لا شقاءا في الردّ عليهم فقط هي كلمة واحدة، زمن موت السياسة إنتهى بلا رجعة و زمن الخوف صار سؤال الحكّام لا سؤال المحكومين أمّا التاريخ فله أهله و له له من يقيّمونه بعيدا عن أروقة من زيّفوه كثيرا.
المصدر: الشاهد