
طه المهذبي (*):
وخلافا لما يظنه الكثيرون اليوم فإن مجلة الأحوال الشخصية هي مجلة مرجعيّتها إسلامية استمدّت معظم أحكامها من الشّريعة الإسلاميّة وحتى في خصوص النصوص الثورية التي تعلقت بالزواج (منع تعدّد الزوجات) والطلاق فقد كان الخطاب البورقيبي يبررها من داخل الخطاب الديني وليس من خارجه، فقد اعتبر بورقيبة هذه النصوص الثورية بمثابة الاجتهاد في أمور الدين وأنها لا تتعارض مع الدين، ومهما اختلفنا في وجاهة تلك الاجتهادات وفي صوابها من عدمه فإن تلك النّصوص تطرح نفسها من داخل المنطق الديني وليس من خارجه.
وإنّ القول اليوم بأنّ مجلّة الأحوال الشخصيّ نتاج للحداثة ليس بالقول البريء ذلك أنّ الغاية منه القطع مع المرجعيّة الإسلاميّة عند تطبيق المجلّة وإحلال المرجعيّة الكونيّة محلّ المرجعيّة الإسلاميّة. وتكون بذلك الغاية من هذا البحث التّأكيد على المرجعيّة الإسلاميّة للمجلّة حتّى تكون أرضيّة الحوار المشتركة بين جميع التونسيّين هي المرجعيّة الإسلاميّة للمجلّة.
بالرجوع إلى جذور مجلة الأحوال الشخصية نتبين أن المصدر الأساسي لهذه المجلة كان لائحة الأحكام الشرعية المنسوبة لشيخ الإسلام المالكي عبد العزيز جعيط. هذه اللائحة كان الهدف منها جمع شتات ما تفرق من الكتب الفقهية وضبط ما يلزم اتّباعه من الأقوال والآراء المختلفة المتعلقة بموضوع واحد.
فبمبادرة من الشيخ جعيط وزير العدلية صدر الأمر العلي المؤرخ في 19 جوان 1949 المتعلق بتأليف لجنة يرأسها وزير العدلية مهمتها إعداد لائحة مجلة الأحكام الشرعية في نصين أحدهما مستمد من المذهب الحنفي والآخر من المذهب المالكي على أن يبقى اختيار النص المناسب في النهاية للمشرع فكانت لائحة مجلة الأحكام الشرعية وهي المصدر الأساسي لمجلة الأحوال الشخصية متضمنة لنصين أحدهما مستمد من المذهب المالكي والآخر من المذهب الحنفي باستثناء النصوص المتعلقة بالميراث إذ استُمدت جميعها من المذهب المالكي دون سواه لجريان العمل منذ القدم في البلاد التونسية على تطبيق أحكام المذهب المالكي في مادة المواريث.
وقد مثّلت لائحة الشيخ جعيط مرجعا أساسيا اعتمد من قبل لجنة إعداد مجلة الأحوال الشخصية فلم تكن المجلة وليدة الساعة ولم تكن مجلة مسقطة وإنما وجدت جذورها في لائحة الأحكام الشرعية المستمدة من الفقه الإسلامي، وعليه يمكن الجزم بأن م.أ.ش هي في مجملها تقنين للفقه الإسلامي.
ويستنتج في هذا السياق الأستاذ محمد الحبيب الشريف أن مشرّع مجلة الأحوال الشخصية أراد من خلالها المزج بين الهوية الإسلامية والحداثة والتجديد الذي لا يعدو أن يكون اجتهادا معقولا عند أهل العلم في معناه الفقهي الإسلامي، فاعتبرت مجلة الأحوال الشخصية خلاصة توفيق ذكي بين فكر الطاهر الحداد الثوري الذي لخّصه كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع (1930) من جهة والفكر التقليدي الإصلاحي الذي جسّمته لائحة الأحكام الشرعية المعروفة بلائحة الشيخ جعيط (1948) .
المصدر: مدوّنات الجزيرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)- مختص في العلاقات الدولية