
علي عبد اللطيف اللافي:
قطع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في الأيام الأخيرة، الشك باليقين، وأعلن في حفل ختام الحوار الذي جمع أحزابا من الموالاة وبعض أحزاب المعارضة ونقابات ومنظمات مهنية، وعدد من الشخصيات المستقلة، أنه سيحترم الدستور ولن يسعى إلى تجاوزه مهما كانت المبررات، مؤكدا أنه يهدف إلى تعزيز واستمرار الديمقراطية….
وفي قراءة أولية يُمكن الجزم أن ولد عبد العزيز قد وضع حدا نهائيا لموضوع المأمورية الثالثة التي حاول بعض السياسيين أن يجعلوها حقيقة لا مراء فيها وأن يبتكروا لها من المبررات الكثير، من خلال إعطاء الانطباع أنها هي الهدف الرئيسي من كل ما يجرى في ورشات قصر المؤتمرات الموريتاني أي أين يجري الحوار الوطني وهو ما يعني أن الرئيس قد أحرج الموالين والمعرضين في آ واحد، حيث حاول كل طرف بوسائله وماكينة دعايته إعطاء الانطباع بذلك وجعله أمرا واقعا، و لكن المشاركين من قوى معارضة ومستقلين كانوا لترويج تلك الأجندة بالمرصاد؛ عبر رفضهم لإضافة أي محور خارج ما تم الاتفاق عليه بين شركاء الحوار وخصوصا بين السياسيين وعدم قبولهم لمنطق المقايضة ما بين السن المنصوص عليها في جدول الأعمال والمأمورية التي لم تكن منصوصة ولم يكن الحديث عنها في الحسبان .
لقد أدخل الإعلان الصريح والواضح لولد عبد العزيز موريتانيا في مرحلة انتقالية جديدة من خلال تأكيده أنه سيلتزم بالنتائج المتمخضة عن هذا الحوار؛ كل ذلك وهو لا يزال في منتصف مأموريته الثانية، إنه بهذه الخطوة يخرس أصواتا عديدة من داخل السلطة التي تحرك بعض أطرافها للتشويش على مجريات الحوار، وحتى أطراف المعارضة المقاطعة التي حاولت بشتى الوسائل أن تجعل من الحوار الذي شاركت فيه قوى سياسية ومدنية وازنة مجرد فرصة لتمرير أجندة المأمورية، لكن الطرفين وقعا في التسلل…
وعمليا دخلت موريتانيا مرحلة جديدة منذ إعلان نتائج الحوار حتى وإن تباين الفرقاء في القبول ببعض نتائجه خصوصا تلك المرتبطة بموضوع الرموز الوطنية، بل وأصبحت الأطراف الموريتانية مطالبة بقراءة جيدة للواقع من حولها دون جدال أو شيطنة أو شخصنة أو تصفية حساب، مرحلة لا مكان فيها لمنطق الأحكام المسبقة، مرحلة ينصف فيها كل طرف الآخر ويتعالى فيها السياسيون عن ثقافة الإلغاء والتخوين المتجذرة في عقول العديدين منهم…
و عمليا أصبحت كل الأطراف أمام مسؤوليات تاريخية:
- فالمعارضين مطلوب منهم عمليا:
-أن يغيروا خطابهم وأساليبهم ومفردات شعاراتهم الماضوية وأن يتعاطوا بشكل إيجابي مع نتائج الحوار، وأن يدركوا أن موضوع التعبئة ضد المأمورية الثالثة قضي أمره وأصبح من الماضي، وأن أي تحرك في هذا الاتجاه ليس له أي معنى سياسي ولا يخدم المعارضة في شيء بل هو في غير سياقه.
-أن يعدوا العدة سياسيا للدخول في الاستحقاقات القادمة بنسختيها التشريعية والرئاسية وأي مقاطعة لها هو بمثابة انتحار سياسي سيكون ثمنه كبيرا، و لعل تجربة التسعينيات وما تلاها من تجارب هي مثال لا يزال في أذهان الموريتانيين.
-أن يبدؤوا لم شتات أفكارهم وتقييم تجاربهم وتحديد أولوياتهم و أن يعطوا قيمة ومصداقية لمشاريعهم السياسية.
– البحث عن شخصيات مجمعة قادرة على المنافسة في الاستحقاقات القادمة، وما بقى من المأمورية الراهنة يكفى للإعداد الجيد للمرحلة الجديدة والتي ستكون ولها سياقاتها حتى ولو لم تشارك المعارضة التقليدية في صناعتها.
- أما الأغلبية الحالية فمطلوب منها:
– أن تعرف أنها تلقت درسا في السياسة وأن المشاريع السياسية ذات المصداقية يفترض فيها القابلية للاستمرار، وأنها لا تقام على مقاسات معينة وأن الفرز للقيادة يكون بمستوى مجهود التضحية، وأن السلطة ليست حالة مطلقة بل هي حالة متداولة؛ أحكم اليوم وأكون مستعدا لأن أعارض غدا وضمان ديمومة ذلك هو التراكم والحركية من داخل المؤسسة السياسية نفسها.
– أن تعطى معنى جديدا للسياسة يكون مرتبطا باستمرارية المشاريع والبرامج السياسية وقادرا على فرز القادة دون ربط ذلك بمن هم في هرم السلطة وان تبدأ من الآن في ممارسة السياسة بمفهومها التداولي وأن تعد العدة لنقلة جديدة في السياسة تمكنها من الاستمرارية في السلطة إن وفقت، وإن أخفقت تكون أول موالاة حاكمة تلعب دور المعارضة.
وان لم تقع تطورات عكسية أو ردة على ما هو معلن أو تناور الأغلبية وفق منطق ربح الوقت، فان موريتانيا تكون قد دخلت مرحلة جديدة وتكريس بعض تجارب الديمقراطية في المغرب العربي وفي أفريقيا….