تحاليلتونس

تونس :العفو التشريعي العام.. كل التفاصيل لفهم الملف اللغز

Résultat de recherche d'images pour "‫العفو التشريعي العام..‬‎"

 

محمد نضال الباطيني:(*)

ربما كان ملف التعويضات والانتدابات على اساس العفو التشريعي العام أحد أكثر الملفات جدلا ومزايدات وأخذ ورد.

اختلطت فيه المعلومات بالتخمينات والتهويل بالتعليل والحقيقة بالخيال واصبح كل من يحدثك عن الملف او يخوض فيه متعصبا له او متحاملا عليه وفق موقعه منه ومن المعنيين به.

ولنتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود تعالوا نبدأ بالمسلمات ثم المتفق عليه في هذا الملف لننهي بالمعلومات والحقائق والأرقام دون الخوض في التصريحات والتصريحات المضادة.

لا يختلف اثنان في تونس حول تعرض عدد من المواطنين التونسيين الى مظالم في عهود ما قبل هروب المخلوع. هاته المظالم اختلفت وتنوعت حيث تفنن النظام في استغلال اجهزة الدولة لقمع المواطنين من معارضين سياسيين وحقوقيين وكل من وقف بشكل او بآخر أمام غطرسة ارادة حكام الدولة التونسية.

فكان أثر تجاوزات الدولة في حق مواطنيها متنوعا ايضا من شهداء ومساجين ومعذبين ومهجرين ومطاردين ومن حكم عليهم بالفقر وانعدام مورد الرزق او الخروج من العمل او ايضا الانقطاع عن الدراسة وغيرها من التضييق على امكانيات الكسب العادي وادنى شروط الحياة الكريمة لمن وقع عليه الضرر وتم استهدافه واستهداف عائلته.

لا يختلف تونسيان أيضا أن الإسلاميين في تونس كان لهم النصيب الأكبر من المتضررين نظرا للحرب الشعواء التي شنها عليهم نظامي بورقيبة والمخلوع ونظرا لحاضنتهم الشعبية الكبيرة مقارنة برفاقهم في النضال. وهنا احد اسباب الحملات المسيسة التي يقر بها الجميع.

والكل مجمع أيضا على أن قانون العفو كان أحد مطالب الثورة الأولى وهو ما دفع حكام تونس بعد الثورة ليسرعوا بسن المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 وأن هذا المطلب كان مرفوعا من اليساريين والنقابيين والاسلاميين على حد السواء.

الفصل الثاني للقانون ومبدأي الانتداب والتعويضات:

يتلخص القانون في خمسة فصول اولها يحدد من المعني بالقانون والثالث والرابع والخامس فصول اجرائية وأما الفصل الثاني فنسوقه كما ورد لفهم الموضوع بدقة :

الفصل 2 – لكل من سيشملهم العفو العام طبقا لهذا المرسوم الحق في العودة للعمل وفي طلب التعويض.

ويقع النظر في مطالب التعويض المقدمة من قبل الأشخاص المنتفعين بالعفو العام طبقا لإجراءات وصيغ يحددها إطار قانوني خاص.

نتائج انتخابات 23 اكتوبر 2011 وبداية الجدل:

اول الانطباعات التي ترسخت خطأ لدى الرأي العام هي أن تطبيق هذا القانون انطلق مع ما سمي حكومة الترويكا الاولى وهو غير صحيح فالقانون دخل حيز التنفيذ والتطبيق منذ فيفري 2011 وشرعت حكومة الباجي قايد السبسي الأولى في تطبيق الفصل الثاني منه المتعلق بالانتدابات.

لماذا اذا هذا الانطباع الخاطئ؟

انطلق الجدل بعد اندلاع نيران المزايدات المشحونة التي شهدتها الساحة السياسية على خلفية نتائج انتخابات اكتوبر 2011 لتبدأ تاريخيا أول أصوات يسارية ونقابية تعزف على اوتار هذا الملف ونتذكر في هذا السياق التصريح الشهير لسمير بالطيب تحت قبة المجلس التأسيسي “بقداش الكيلو نضال”؟
السؤال وان كان صادما في تلك الفترة الا أن دلالته الاكبر انه أفصح مبكرا عن لون الواقفين ضد القانون وتطبيقه في خصومة سياسية معلنة ولو كان ثمنها التراجع على مبادئ الدولة المسؤولة العادلة التي لا تميز بين أبنائها ولا تعتبر منهم من دمه أسود.

هاته الشعارات المقسمة كانت تجد رواجا في تأجيج الاصطفاف والتقسيم مخاطبة لدى التونسيين غريزة الخوف من الإفلاس الذي كانت عناوينه خبزا يوميا في كل منبر اعلامي صباحا مساء ويوم الأحد يبشر به المبشرون من خبراء ومحللين متعددي المواهب والاختصاصات اجمعوا على ان الدولة على أبواب افلاس وشيك لا تطيق اعادة الحقوق الى أهلها.

التعويضات والمعيز الطائرة:

معيز ولو طاروا هو حال التعويضات التي وان لم تحصل ولم ينفق من اموال الدولة “سوردي منقوب” على مظلوم او عائلة شهيد او منتفع بهذا القانون.

من جهة اخرى تم جبر ضرر اخرين في ملفات اخرى دون جدل يذكر فتم التعويض لجرحى الثورة ولعائلات شهدائها رحمهم الله ولعائلات شهداء الأمن والجيش الوطنيين رحمهم الله الذين ارتفعوا في ميادين البطولة والحرب على الارهاب.

باستثناء هؤلاء لم تنفق الدولة تعويضا واحدا ورغم تأكيد المسؤولين وتحدي المتحدين ان يجد المربون لغول افلاس الدولة وبعبع التعويضات حالة واحدة تؤكد خرافتهم فلم تتوقف الاسطوانة وصارت المعيز فعلا تطير في ظاهرة قابلة للتسويق والتصديق في المنابر التونسية.

الانتدابات في الوظيفة العمومية ناس سنة وناس فرض:

بعد اشتعال نار الصراع السياسي المحموم لاسقاط الترويكا كان الملف المفضل لبعض “النقابيين” والسياسيين هو الانتدابات وتهديدها للقطاع العام.

الانتدابات هي من أكثر ملفات الفساد المسكوت عنها في المؤسسات العمومية وشهدت قبل وبعد الثورة انتدابات بالآلاف مرت دون ضجيج ولا حسيب ولا رقيب ليدخل أقارب فلان وفلتان وتصبح مؤسسات بأكملها نواديا عائلية بامتياز تجد فيها الاب والام والابناء والاخوال والاعمام وابناء العم وبنات العم وحتى الصويحبات والحاشية.

وكان لملف المناولة بعد الثورة نصيب الأسد ليكون حصان طروادة ادخل به من خاف فوات الاوان ابناءه واقاربه وهذا موثق في تقارير لدى الهيئات الرقابية وتفقديات عديد الوزارات.

كل هاته الانتدابات كانت تمر في صمت القبور وما إن يطل نفر او جماعة انفار على الفحص الطبي تحت عنوان قانون العفو العام حتى يطلق حراس الانتدابات صفارات الانذار لينطلق القصف.

فبقي هذا الملف يراوح مكانه تقريبا منذ 2012 وظلم المحرومون من العيش الكريم والعمل ولم يشفع لهم تصنيفهم في ادنى السلم الوظيفي وانهم على ابواب سن التقاعد وهو ما من شأنه ان يجعل كلفة انتدابهم لا تساوي شيئا تقريبا.

عيطة وشهود ونسبة المنتدبين لم تتجاوز 4‎%‎ من مجموع الانتدابات الاستثنائية:

نستشهد هنا بما قاله منذ يومين وزير الوظيفة العمومية عبيد البريكي الذي كذّب ادعاءات حسين الديماسي حول عدد الانتدابات للمتمتعين بالعفو العام وعندما تأتي من البريكي فقد شهد شاهد من اهلها:

عدد الانتدابات الاستثنائية في الوظيفة العمومية من 2011 الى 2016 حوالي 100 الف.. تفصيلهم كالتالي:

  • انتداب 70 ألف من عمال المناولة
  • انتداب 16 ألف من عمال الآلية 16
  • انتداب 10 آلاف من عمال الحضائر
  • انتداب 9 الاف من جرحى الثورة وأسر الشهداء و المتمتعين بالعفو العام!!..

ليكون نصيب المعنيين بالعفو العام “كروش معبية بالكذب”.

فإن عجزت الدولة عن اعادة الحقوق الى اهلها ورفع الظلم عمن لن تعيد له كلمة الحق عمره وانما ستجبر خاطره فهل عجز الشعب عن كلمة الحق بعد ان ضاعت بين المنابر وعراك الديكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق