
مجول بن علي:
بفعل التأثير الهائل لأدوات الإعلام الحديث في صياغة الرأي العام وتوجيهه، بات الاهتمام بها أعلى درجة مما كان عليه سابقاً، وباتت جزءًا بارزاً من أي صراع سياسي دولي أو محلي، سياسي أو فكري أو تجاري و هكذا تسابقت الدول والشركات الكبرى على بناء شبكات إعلامية ضخمة للتحكم بأفكار الناس وميولاتهم وتوجهاتهم تحت شعارات “كشف الحقيقة” و”الموضوعية” و”الرأي والرأي الآخر” وكل العبارات المماثلة التي ليس لها رصيد في الواقع الإعلامي إلا بمقدار ما تخدم المشروع الذي أنشئت من أجله هذه المؤسسة أو تلك أو الأجندات التي يخدمها صاحب المقال أو المنتج.
“الدقّة” و “الموضوعيّة” خاصيّتان ضروريّتان في تناول الخبر لكلّ صحفيّ مهنيّ يحترم نفسه و يحترم قرّاءه و الرأي العام الذي تتّجه إليه وسيلة الإعلام التي يشتغل بها، هذا على المستوى النظري أمّا عمليّا فكم من الأخطاء و السقطات قد نحصي؟
ربّما سنجد أن الكفّة تميل إلى ندرة المادّة الإعلاميّة “المحترمة” و من هنا يأتي أساسا التلاعب بالرأي العام أو توجيهه نحو غايات و أهداف من فرط إصرار خادمها و صاحبها و المخطط لها معا على الوصول إليها أو تحقيقها بسرعة تكون مكشوفة و مفضوحة و الردّ دائما ما يكون باسم “الحياديّة” التي لا معنى لها في هذا الإطار أو التحصّن وراء “حريّة الصحافة و الإعلام” البريئة من مثل هذه الأجندات الموظفة للحوامل الإعلاميّة.
لا شكّ أنّ جزءا كبيرا من عناوين توظيف و إستخدام وسائل الإعلام كما هي موجودة في العالم موجود في تونس و الأمثلة على ذلك كثيرة و قد تكشف طريقة تناول موضوع معيّن مثلا و مدى و طريقة التفاعل معه من طرف آخرين خيوط تخطيط و ترصّد مسبق لإثارة بلبلة أو لإقناع متقبّل بفكرة أو بمعلومة خاطئة و مغلوطة فأن تتناول مثلا مؤسستان إعلاميتان كبيرتان في تونس نفس الموضوع بالتدرّج و بنسق مرتفع رغم أنّ الخبر لا أساس له من الصحّة و تقديم “إستنتاجات” على أنها معطيات ثابتة دليل واضح على أن من خطط و من كتب و من نشر لم يكن يتحرّك عن حسن نيّة أو أنّه وقع ضحيّة معلومة مغلوطة تمّ ترويجها من قبل غيره.
موضوع الحديث سقطة أخلاقيّة و مهنيّة لصحيفتي “الصباح نيوز” و “الشروق” التونسيّتان تجاوز مداها الحدود التونسيّة ليصل إلى صفحات صحف أجنبيّة لم تراعي إطلاقا دقّة الوضع العام في البلاد و لا قدوسيّة الخبر نفسه و لا حتّى تساءلت عن مدى “دقّة” أو “موضوعيّة” الخبر و الأخطر من هذا كلّه تسويق الإستنتاجات و التحاليل المبنيّة على معطيات خاطئة على أنّها معطيات “دقيقة” في حدّ ذاتها و تتموقع ضمن أجندة سياسيّة إعلاميّة تستهدف طرفا بعينه.
“حوار مزيّف”:
صحف تونسيّة تناولت في الأيام الأخيرة و بنسق تصاعدي بالتحليل حوارا مزيّفا منسوبا لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أجرته معه وكالة “قدس برس” الإخباريّة و الحال أنّ آخر حوار أجرته الوكالة المذكورة مع الغنوشي يعود على أكثر من سنة و لا علاقة له بموضوع الحديث الذي يدّعي الإنطلاق منه و لا أتى فيه الغنوشي على المذكور في التحاليل و القراءات المتداولة حديثا و قد تبرّأت الوكالة من نسب مثل هذه المعطيات المزيّفة لها معتبرة بدورها أن ما حدث “جريمة إعلاميّة”.
رؤساء تحرير و صحفيّون أم محرّفون؟
لئن كان المسؤول بشكل مباشر عن المواد المنشورة بناء على معطيات مزيّفة هو كاتبها فإنّ رؤساء التحرير خاصة إذا تعلّق الأمر بصحف و مؤسسات إعلاميّة كبرى في البلاد هم مسؤولون بالدرجة الأولى عن إرتكاب جريمة لا فقط في حق زعيم حركة النهضة باعتباره المستهدف بل في حقّ الرأي العام الذي تمّ التلاعب به بناء على مغالطات تسأل رئاسة التحرير عنها أوّلا.
تزييف حوار منسوب إلى زعيم حركة النهضة و تحريف أقواله و تصريحاته تحوّل المتناولين للموضوع إلى أبعد ما يكون عن المهنة الصحفيّة لا فقط من ناحية خرقهم لأخلاقيات و قواعد المهنة فحسب بل من ناحية إنخراطهم في أجندة سياسيّة باتت معلومة منذ عقود في تونس و هي تلك المبنيّة على الإشاعة و المغالطات لصناعة رأي عام معادي لطرف معيّنة تتمّ شيطنته إعلاميّا خدمة لطرف آخر.
لطالما كان التحريفيّون سببا في “كوارث” حدثت في التاريخ و من بينهم منتسبون إلى المجال الإعلامي و هذا ما لا يراه البعض لكنه مفضوح و إن أرادوا إخفاءه من وراء السقطة المهنيّة الأخيرة فالتحريفيّون في هذه الواقعة صحفيّون و رؤساء تحرير معا ذهب ضحيّتها رأي عام تمّ التلاعب به و معه الرسالة الإعلاميّة للصحفي و المؤسسات الإعلاميّة التي تمّ تشويهها.
حملة تستهدف قيادات حركة النهضة:
خيوط وجود حملة تستهدف قيادات ووحدة حركة النهضة باتت ظاهرة بوضوح لا فقط من خلال توفر كل معطيات تزييف الحوار المزعوم و عدم صحّة الإستنتاجات و التحاليل التي تم بناءها إنطلاقا منه فحسب بل إنّ نشق تداول الخبر و التعامل معه كان أيضا فاضحا لوجود خطب ما أو خطّة ما تسير وفق خطّ مرسوم سلفا و وفق إعداد محكم ظاهره إستهداف لقيادات حركة النهضة وعلى رأسهم زعيم النهضة راشد الغنوشي و باطنه عمل واضح على إستهداف التجربة التونسيّة و عمودها الفقري المتمثل في التوافق عبر التسويق لقطيعة بين الغنوشي و رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في هذا الظرف الحساس.
إستهداف الغنوشي في هذا الظرف الحسّاس الذي يعيد فيه المشهد العام في البلاد التشكّل وسط أزمة خانقة تمرّ بها البلاد و حتّى الأحزاب السياسيّة يتّضح أنّه محاولة بائسة لجرّ حركة النهضة إلى السقوط في نفس المطبّات السياسيّة التي وقعت فيها أطراف سياسية كثيرة و محاولة مفضوحة للتلاعب بوحدة الجسم السياسي للحركة الذي يدرك كل المتابعين للمشهد السياسي و الحزبي أنه على تنوعه و إختلافاته مازال الأكثر صلابة.
المنفّذ مفضوح فمن خطّط؟
إذا كان منفّذ و من يقود الحملة المفضوحة التي تستهدف قيادة حركة النهضة إعلاميّون و رؤساء تحرير بعلم أو بغير علم منهم فإنّه لا يمكن أن يكون نسق الحملة و سرعة تطوّرها و انتشارها أمرا إعتباطيّا أو متروكا للصدفة فالثابت بوضوح أنّ “عقلا” في مكان ما يريد ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد الأوّل من خلال إستهداف راشد الغنوشي في شخصه كزعيم لحركة النهضة و كأحد أكثر الشخصيات تأثيرا في المشهد السياسي بالبلاد و الثاني من خلال إستهداف حركة النهضة الجسم السياسي و الحزبي الأكثر صلابة و تنظيما في المشهد الحزبي و الثالث إستهداف التوافق من خلال اللعب على وتر العلاقة بين مكونات الإئتلاف الحاكم و تحديدا محاولة صنع “وقيعة” بين زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي و رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، فمن يكون المخطّط؟ و ماذا يخفي لتجربة تونسيّة ناشئة باتت نموذجا يلقى التقدير في مشارق الأرض و مغاربها؟
المصدر: “الشاهد”