تحاليلتونس

 تونس: ملف الطاقة في تونس بين الخداع ورعاية مصالح الأجنبي على حساب الشعب

Résultat de recherche d'images pour "‫ملف الطاقة في تونس بين الخداع ورعاية مصالح الأجنبي على حساب الشعب‬‎"

مسرة فريضي :

   ظلّت مسألة الإفصاح عن العقود النفطية ونشرها للعموم للإطلاع عليها  في إطار الشفافية من أكبر المسائل التي يشوبها الكثير من التعقيد والغموض في تونس رغم التحركات والضغوطات الكثيرة والحشد الكبير الذي اعتمدته عديد الأطراف  ومن بينها المجتمع مدني والإعلام المطالبين بالكشف عن محتوى العقود النفطية المبرمة بين السلطة التونسية والشركات سواء الأجنبية منها أو المحلية.

وكلما يتم التطرق إلى الطريقة التي  يتم  بها إسناد العقود إلى الشركات لاستخراج واستغلال النفط أو تمت المطالبة بمراجعة هذه العقود والتدقيق فيها كلّما وجدت  نفسك أمام أبواب موصدة بحكمة  ”  غريبة ” بالرغم من أن الجهات الرسمية وعلى رأسها وزارة الصناعة تزعم  بأن البنود القانونية التي تنص على كيفية تمكين الشركات من هاته العقود  واضحة  وتؤكد أن كافة العقود مضبوطة وفق مجلة المحروقات التي يعتبر شق كبير من العارفين والمختصين أنها تحتوي على نصوص قانونية ضعيفة وطالبوا بتعليق العمل بها ومراجعتها لأنها ساهمت في انتشار الفساد في قطاع المحروقات.
أسرار الصندوق الأسود:
ورغم أن الدستور الجديد  يحتوي فصولا  قانونية  تتضمن عددا من المبادئ المتعلقة بالشفافية والمساءلة الغائبة ومكافحة الفساد في مجال الطاقة والموارد الطبيعية عموما فإن مسألة العقود تبقى صندوقا أسود في وزارة الصناعة و” مقدّسا ”  لا يمكن المساس به وفك رموزه  طالما أنه للا يملك مفاتيح الرخص ورموزها وكل ما يتعلّق بها سوى من يقفون وراء إسنادها وكل ما يرافق عملية الإسناد من إجراءات مازال بعضها غامضا إلى اليوم … وربما ازداد غموضا  بعد الثورة أي في الوقت الذي من المفروض أن تصبح كافة الأمور التي كانت غامضة كتابا مفتوحا أمام كافة التونسيين…
وفي هذا الإطار أكدت لنا أستاذة القانون المختصة في العقود النفطية فوزية باشا العمدوني  قائلة :” يتم إسناد عقود الإستكشاف والتنقيب واستغلال النفط والغاز في تونس وفق ثلاث منظومات قانونية مختلفة أولها الامر العلي المؤرخ في شهر جانفي 1948 أي قبل الاستقلال وفي عهد الحماية و أغلب الرخص ما زالت خاضعة لهذا الامر العلي وثانيها مرسوم  شهر  جانفي من سنة 1953 أي في عهد الحماية أيضا وتم تنقيحه بموجب مرسوم يحمل عدد 1985 .
و قد دخلت مجلة المحروقات الصادرة سنة 1999  حيز التنفيذ سنة 2000 و تميزت بتسهيل اجراءات منح الرخص وإحالتها للتنقيب  لفائدة الشركات الأجنبية.”
الوزير أو السلطان المطلق:
 وأفادت السيدة باشا في هذا الصدد بأنه تم منح وزير الصناعة السلطة المطلقة على الثروات النفطية والغازية ومشتقاتها  يتحكم فيها وفي كافة ما يتعلق بها  بمجرد قرار منه ، في حين كان المنح قبل صدور مجلة المحروقات خاضعا  إلى مصادقة مجلس النواب . وقد أدى هذا التبسيط في الإجراءات إرضاء لجهات أجنبية إلى ما تعانيه تونس من عجز طاقي منذ سنة 2000 بإقرار من وزارة الصناعة  ذاتها “.
و أضافت محدثتنا  قائلة : ” لقد تم  تجميع سلطات التصرف في الثروات النفطية والغازية والمنجمية في يد وزارة الصناعة فقط . وتم منح الشركة التونسية للأنشطة البترولية سلطة دراسة الملفات ومنح الرخص وفي نفس الوقت تكون بالضرورة شريكا في جميع رخص البحث والاستكشاف ، ولها أيضاً سلطة التفاوض مع الشركات الاجنبية و أيضاً سلطة مراقبة تجاوزات الشركات الاجنبية التي هى في نفس الوقت شريكة معها في الرخص.”
ويتم منح الرخص  حسب محدثتنا في جلسة مفاوضة بعد فتح عروض الشركات بمقر وزارة الصناعة عن طريق الإدارة العامة للطاقة  التي تمثل الدولة التونسية في المنح والتفاوض أيضاً  مع العلم ان مسؤولي الإدارة العامة للطاقة هم في نفس الوقت موظفون سابقون بالشركة التونسية للأنشطة البترولية ويتم إلحاقهم بوزارة الصناعة . وبذلك فإن نظام تأجيرهم يكون على حساب الشركة التونسية للأنشطة البترولية التي هي مثلما أشرنا  شريك في الرخصة التي تمنحها وزارة الصناعة . وبذلك فإن فتح العروض لمنح الرخص  والمفاوضات حول شروط العقد تتدخل فيها الشركة التونسية للانشطة البترولية بطريقة مباشرة وتجعل الشريك هو المفاوض في نفس الوقت … أي  أن هذه الشركة  تمثل السلطة وهي شريك بقية الشركات وتتولى مراقبة شركائها و ومراقبة نفسها في خصوص التجاوزات التي قد تحدث إذ هى مكلفة قانونا بالتدقيق في حسابات الشركات النفطية وفق ما أكدته مخاطبتنا.
محرّر عقود وحيد ؟
أما في خصوص من يحرر عقود النفط  فقد أفادتنا الأستاذة فوزية باشا عمدوني بأن الإدارة العامة للطاقة التي تفوض تحرير العقود إلى الشركة التونسية للأنشطة البترولية ، وهناك موظف وحيد مكلف بالتحرير طيلة ثلاثين عاما إلى درجة انه يتولى تحرير العقود بصورة سرية للغاية بمنزله حسب قولها مشيرة إلى أنه  أحيل على التقاعد بعد الثورة ليفتح مكتب استشارات قانونية في العقود النفطية لفائدة الشركات الأجنبية  في حين أن القانون يمنع عليه  أن يفعل ذلك بصفته موظف دولة ومطالبا بالمحافظة على أسرار الدولة الاستراتيجية على الأقل لمدة خمس سنوات بعد التقاعد.
وأكدت أستاذة القانون والمختصة في العقود النفطية  أن وزير الصناعة في عهد السبسي عبد العزيز الرصاع منح ” محرّر العقود ” خذا ترخيصا استثنائيا لمباشرة نشاط خاص محجر بالنص القانوني .  وقد تدخل بعد ذلك وزير الصناعة الشخاري لمنع هذه التراخيص الاستثنائية لكن دون جدوى . وأصبحنا نجد اليوم كبار موظفي الدولة بعد تقاعدهم وبكنز المعطيات السرية التي بحوزتهم في خدمة الشركات الأجنبية  وهذا ما يفسر تغوّل  المستثمرين ولعبهم على الثغرات القانونية حسب تعبيرها.
” لوبيات ” أسقطت حكومة الترويكا ؟
وأشارت باشا في هذا الحديث الخاص إلى أن محاولة حكومة حمادي الجبالي الانخراط في منظومة الشفافية في الطاقة والمناجم قد باءت بالفشل بعد أن حالت اللوبيات النفطية الاجنبية في تونس دون ذلك معللة أن  البعض من الأسباب الجوهرية  التي كانت وراء إزاحة الترويكا من الحكم  ملف الطاقة  لأن فتح ملفات النفط والغاز والملح والمناجم ومنها مناجم الذهب والفضة في تونس لا يخدم مصالح الشركات الاجنبية المستحوذة على هذا القطاع بتونس قائلة :” إن تطبيق أبسط قواعد الشفافية قد يؤدي إلى ثورة ثانية عندما يكتشف الشعب أن ثرواته ليست ملكه بل  هي ما زالت ملكا لفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والنمسا وأمريكا وغيرها من الشركات العملاقة التابعة لهاته الدول . لذلك عارضت هذه الشركات بشراسة إقرار الفصل الثالث عشر من الدستور وكان ممثلوها في تونس حاضرين  تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي.”.
لماذا تخفي الدولة هذه الحقائق ؟
وحول امتناع السلطات التونسية وأصحاب القرار عن نشر العقود و إتاحة إمكانية النفاذ إليها بيّنت فوزية باشا  وقالت:” فور الإفصاح عنها سيكتشف التونسيون ان اهم الحقول النفطية والغازية و حقول الملح في تونس ملك للأجانب في حين ان النص القانوني يوجب ان تكون الدولة شريكا في جميع الحقول المنتجة بصفة تجارية لمدة معينة  قدرها ثلاثون عاما فقط ثم تعود الدولة لتستغل لوحدها ودون مشاركة الشركات الاجنبية حقول النفط والغاز ومناجم الملح وغيرها . غير أننا نجد انه بعد ستين سنة من الاستقلال أن الدولة التونسية لم تسترجع اى بئر نفط او غاز مستغل مائة بالمائة من الشركات الاجنبية او حتى تلك التي تشارك فيها الدولة التونسية بل أكثر من ذلك فانها قامت  بتمديد عقود استغلال الآبار المنتجة للنفط والغاز دون شروط ودون احترام للقانون ولسيادة الشعب على موارده.”
جمعة غالط الشعب بواسطة المحكمة الإدارية ؟؟؟
وأضافت  الأستاذة :” ولتلافي تطبيق الفصل الثالث عشر من الدستور التجأ رئيس الحكومة السابق مهدي  جمعة وهو الأمين على ثروات الشركات النفطية الأجنبية وحقوقها في تونس إلى المحكمة الإدارية وأخذ رأىا استشاريا مفاده  عدم عرض عقود الاستثمار والتجديد والتمديد على مجلس النواب بتعلة عدم تنقيح مجلة المحروقات والمناجم طبق الدستور . وقام تبعا لذلك بتجديد جميع عقود التنقيب واستغلال النفط دون استثناء وكان كل ذلك في اشهر سبتمبرو أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2014 مستغلا الانشغال بالانتخابات التشريعية والرئاسية  وهى كلها تمديدات باطلة وغير قانونية ومخالفة لمصلحة الشعب التونسي . ونجد اليوم أن المجتمع المدني بصدد مباشرة اجراءات الطعن فيها بتجاوز السلطة ….ذلك ان اغلب الشركات التي انتفعت بتجديد عقودها لم تحترم القانون التونسي والتزاماتها التعاقدية وهذا ما أكدته دائرة المحاسبات في تقريرها عدد 27 الذي قدمت بشأنه شكايات جزائية وتم فتح تحقيق ضد التجاوزات في قطاع الطاقة بالقطب القضائي والمالي .
 أما في خصوص الخروقات في القطاع فهى لا تحصى ولا تعد وفق ما صرحت لنا به باشا عمدوني حيث أكدت” ان الشريك في التجاوزات يراقب نفسه بنفسه و يراقب شريكه في نفس الوقت ويكفي ان نذكر ان خمسين بالمائة من حقول النفط والغاز في تونس لا تشتمل على عدادات موازية تحت رقابة الدولة التونسية .”
وذكرت محدثتنا للحصري :” من اهم مظاهر هذه التجاوزات انك تجد ان حقل” ميسكار ” للغاز الطبيعي الذي ينتج وحده 48 بالماية من الإنتاج الوطني للغاز الطبيعي ملك خالص لشركة ” بريتش غاز ” البريطانية وقد تخلت الدولة التونسية عن المشاركة فيه بتعلة انعدام المردودية في حين انه أكبر اكتشاف غازي كان من المفروض ان يكون ملكا خالصا للدولة التونسية بعد ان تخلت شركة ” الف لاكتان ” عنه بعد اكتشافها له  اثر فضيحة الفساد في الطاقة في فرنسا التي شملت الشركة الوطنية النفطية الفرنسية ” الف لاكتان ” والتي حققت فيها القاضية إيفا جولي طيلة اربع سنوات انتهت بإدانة مسؤولين كبار في الدولة الفرنسية ومحامي الشركة وأطراف دولية أخرى مما اظهر فرنسا إلى خوصصة وبيع شركة ” الف لاكتان ” كي تتنصل من فضيحة الفساد.”.
و بناء على كل هذه المعطيات  يحقّ لنا اليوم ولكافة أفراد الشعب التونسي أن يتساءلوا بكل استغراب وأن يطرحوا العديد من التساؤلات هنا  ومنها على سبيل المثال : كيف تتم مراقبة الكميات المنتجة؟؟؟؟”
وكيف يتم احتساب الإتاوة على ضوء الكميات المنتجة حقيقة وليس حسب تصريح أحادي من الشريك الأجنبي ,,,؟؟؟؟؟؟؟
وكيف أيضا  يتم احتساب الضرائب الواجبة الدفع للدولة التونسية اذا علمنا انها تحتسب على أساس نسبة من الربح الصافي بعد طرح المصاريف من المداخيل التي لا نعلم حقيقتها ؟؟؟؟؟؟؟؟
وماهي الآليات التي تتبعها الدولة  لمراقبة مصاريف الإنتاج  خاصة أن الدولة التونسية لا تشغل اى حقل من الحقول بل ان مسؤولية تشغيل حقول النفط والغاز إما ان تكون بيد مشغل أجنبي وهو الشريك في امتياز الاستغلال او ان تكون بيد مؤسسة  مشتركة بين تونس والشريك الأجنبي وهى بدورها تزيد في أثقال حقل النفط بمصاريف إضافية مما  يجعل الحاصل للدولة التونسية من الربح ضئيلا جداً ؟؟؟؟؟؟
إن حقيقة الأمور التي لم تعد الكثير من تفاصيلها خافية على التونسيين تفرض اليوم على الحكومة  التي ستعمل خارج إطار ” المؤقت ”  أن تعمل على كشف الأمور للعموم مثلما هي موجودة وإلى أن تسعى إلى إصلاح هذه الإخلالات  في أسرع وقت ممكن  وإلى محاسبة كل من تجاوز في حق البلاد حتى لا نستعمل لفظا أقوى وأخطر من ” تجاوز ” . وعلى الحكومة  والدولة التونسية أن تدرك أن الشعب الذي ائتمنها على مصيره وثرواته لن يقبل بعد اليوم أن تتواصل في تونس سياسة بن علي حتى وهو خارج السلطة وبعيد عن البلاد آلاف الكيلومترات ولن يقبل كذلك أن تنهب ثرواته أمام عينيه وهو يكاد يمدّ يديه  للتسوّل من البنوك والمؤسسات الأجنبية .
المصدر: الحصري نيوز 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق